الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسيحي الملحد

كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)

2015 / 6 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وحدها الصدفة هي التي ألقت به في طريقي. كان صادماً بقدر ما بدا متناقضاً، ما بادر ونعت به نفسه كمسيحي ملحد أو ملحد مسيحي، وإن كان المحمول الإيجاببي لأحد الشطرين يعوض سلبية الشطر الآخر. وتسجل هذه السطور مجرد الخطوط العريضة من حديثه، الذي امتد حتى الخيوط الأولى من الفجر.
تحدث بهيام عن شخصية المسيح الإنسان، مردداً نماذج من وصاياه، ما يعدها أرقى ما يمكن أن تتوصل له الإنسانية من سمو، معتبراً بعضها إرهاصات أولية لما عرف بعد ذلك بالفلسفة الوجودية، التي تجعل قناعة االإنسان الذاتية هي معيار تقييم ذاته. . كان كأنما ينظر إلى لا شيء بعيداً هناك، وهو يسهب في التعبير عن إعجابه بنظرية الفداء لخلاص البشرية، من خطيئة العشوائية الأولية المتجذرة، التي تقف في سبيل تناغم الإنسان مع مكونات الكون، حيث يرى أن تاريخ الوجود هو قصة الجدل بين العشوائية والانتظام. أن يبذل الفادي المحب نفسه حتى الموت من أجل أحبائه، نموذج للإنسان الجديد دوماً، القادر بالحب على ترتيب وصياغة الركام الكوني المطروح والمبعثر، وجمع شتات منظوماته في كل متسق متناغم، ليكون الإنسان هكذا هو محور الوجود ومنسقه. الحب هو الفضاء الذي تتشكل فيه منظومات تتكامل باتجاه الارتقاء، وليس ومنظومات تتصارع حتى العدم والعودة للعشوائية الأولى. الحب هو لغة القوة والاقتدار، فيما الكراهية لغة الضعف والعجز.
بدا صاحبنا هكذا باستغراقه في المسيح الإنسان، غير مستعد للجدل حول موقفه الذي حسمه من المسيح الإله أو ابن الإله ومن فكرة الإله ذاتها، ساعياً لإنسان كامل، إلى قياس ملء قامة المسيح. وكان التزامي بالإصغاء المتأمل دافعاً لأن يستطرد من تلقاء ذاته. . تستطيع أن تفهم العالم كركام مادي، تقوم قوة سامية بتنظيمه ومنحه المعنى، كما تقوم بالتحكم والتوجيه الدائم له. وتستطيع في المقابل أن تدرك ما في ذلك الركام من قدرة ذاتية على التشكل في منظومات لانهائية الحدود كمياً وكيفياً. وتستطيع أيضاً أن تفترض أن تلك المنظومات هي التي تحدد لنفسها بنفسها المعنى والهدف، والذي يكون هو ذاتها ولأجل ذاتها، تلك الذات المفتوحة بدرجات وكيفيات متفاوتة على ذوات سائر المنظومات المادية الأخرى، التي أهمها وأخطرها الإنسان، لتشكل معاً ذلك الكون المدهش، الذي لايكف يتمخض بالانتظام من رحم ذلك الكم الهائل من الفوضى. ولابد لاستدامة التطور من وجود قدر من السيولة والفوضى. وهذا ما قد أثبتت صدق فرضيته الشواهد والتجارب المعملية العلمية.
ما نتصوره الروح في الكائن الحي ليست شيئا منفصلاً يتلبس المادة ويفارقها. هي صفة لمنظومة مادية نطلق عليها الخلية الحية. ومنظومة الخلايا تكون عضوا حيا. ومنظومة الأعضاء تكون كائنا حيا. أيضا الوعي الإنساني وما نسميه العقل عند سائر الكائنات الحية، هو مجرد صفة وقدرة لمنظومة مادية شكلت عضواً حياً نسميه المخ.
ما يسمونه معجزات أو ظواهر خارقة للطبيعة هو إما ناتج عن جهل شخصي خاص، أو جهل مجتمعي أو إنساني عام بالطبيعة وقوانينها، أو هو مجرد محض أوهام وخرافات يتداولها الناس. وقد يفعلون هذا نتيجة استشعار العجز عن التعامل مع الطبيعة وفق قوانينها. وأيضاً انعكاساً لتمنياتهم الهروب من صرامتها. كما قد ينساق البعض لحكايا المعجزات، تأكيدا لنفسه ولآخرين لصحة ما يؤمن به من منظومات ميتافيزيقية.
لم أكن بحاجة لأن يوضح لي في نهاية حديثه، أنه يحاول استنطاق الطبيعة ليدرك منطقها، لا أن يفرض عليها تصورات ومنطقا ميتافيزيقياً متسامياً. وأنه رغم محورية الوعي الإنساني لإكساب العالم المادي الوجود، إلا أنه لا حقيقية لهذا الوعي إذا ما فارق المحسوس. لا وجود بلا وعي، ولا وعي بلا وجود. فنحن لا نتوصل إلى وجود الأشياء في ذاتها، وإنما لما يرصده الوعي من تأثيرها، ليكون الوعي والوجود صنوان متلازمان. لعل مصطلح الميتافيزيقا من أشد المعاني الزائفة خطورة؛ فالعالم الفيزيائي لا يعرف الماوراء، كما لا يعرف الماقبل والمابعد؛ فخارج دائرة الفيزياء ينعدم الزمان والمكان.
ربما هو العجز أو الإعجاب ما جعلني أحجم عن الدخول مع صاحب الصدفة هذا في حوار. وربما لأنه قدم منظومة نظرية متكاملة متماسكة، ولا تحتاج إلا لمنظومة مقابلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفرق بين الملحد المسيحي والملحد المسلم
شاكر شكور ( 2015 / 6 / 19 - 17:04 )
الملحد من خلفية مسيحية هو شخص قد اعلن الطلاق النهائي بينه وبين الله بعدما عثر على الله لكن رفضه بأرادته وبهذا قامر بحياته الأبدية ، اما الملحد من خلفية اسلامية فأمله في الحياة الأبدية اقوى من المسيحي لأنه لا يزال يبحث وقد يعثر على الله الحقيقي ويتخذه كبديل لله الذي ورثه لكنه لم يقتنع به وبهذا يكون حظ الملحد من خلفية اسلامية هو الأوفر في الفوز بالأبدية مقارنة بالملحد من خلفية مسيحية ، تحياتي للأستاذ كمال


2 - شطحات حكيم
محمد بن عبدالله عبد المذل عبد المهين ( 2015 / 6 / 19 - 17:56 )
في مقال بديع دسم متخيلا وجود جينوم للكون يتغير ويتحول بمقتضى برنامجه قدم لنا اليوم حكيمنا محمد حسين يونس (((شطحات))) . الكون كائن حي ولد وقد يموت يوما ونجهل عنه الكثير الكثير فالشفرة الوراثية فيه شديدة التعقيد إذا امتلكناها فهمنا طلاسم حيرت الانسان منذ الدهر. رابط المقال العلمي الفلسفي الممتع على صفحات الحوار المتمدن :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=472830

ألا تتلاقى بعض نواحي هذه الرؤية بنظريات صديقك المسيحي الملحد عن الروح وعن المادة وعن المسيح الكوني؟

شكرا لكما أستاذي الحوار المتمدن لإثرائكما العقول بشطحات فلسفية علمية تمس حياة الناس من قريب رغم ظاهر ابحارها في عالم الخيال


3 - المسيحية الان ليست اعتقادا بل مجرد عرف تاريخي
عبد الله اغونان ( 2015 / 6 / 20 - 20:07 )

أغلب المسيحيين في الغرب يصرحون أنهم غير مؤمنين
لكن لابأس بالاحتفال برأس السنة الميلادية والتسليم بقدرة بابا نويل على توزيع الهدايا على الأطفال وبل والذهاب الى الكنيسة لتشريع الزواج وتوثيقه
لكن عندنا في الشرق لبنان والعراق ومصر حيث الكنائس تحتكر التأويل الديني حفاظا على موقعها ومقايضة مع الأنظمة فان المسيحية تبدو فقط كدرع ضد الاسلام الحركي وهو ماتزكيه الأنظمة
في صفقة سياسية

اخر الافلام

.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح


.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت




.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran