الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يسوع المفكّر 7- العدالة الاجتماعية

طوني سماحة

2015 / 6 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


استفاق يسوع على اولى اطلالات الشمس على جبل الزيتون. كان النسيم ما يزال يداعب اوراق الشجر فيما البقية الباقية من النجوم ابتدأت في الذوبان في أمام نور الشمس. نظر يسوع الى السماء ورفع قلبه الى ابيه السماوي ثم أيقظ من كان معه من تلاميذه المنهكين الذين كانوا يتمنون لو يطول الليل بهم ليناموا وقتا اطول.

كان الدرب من جبل الزيتون الى الهيكل في اورشليم وعرا. كانت الجموع ابتدأت بالتوافد الى ساحة الهيكل كيما تستمع الى "المعلم"، كما كانوا ينادونه. البعض اتى بدافع الفضول فيما البعض اتى كيما يشبع جوعا وعطشا لم يستطع أن يشبعه وان يرويه تعليم الكتبة والفريسيين. كان البعض ينتظر معجزة فيما آخرون كانوا ينتظرون أن ينزع يسوع عن كتفيه وشاح النبوة كيما يعلن من ذاك المكان المقدس الجهاد ضد المحتل الروماني وبداية مملكة اليهود. جلس يسوع وأخذ يعلّم الجموع عن ملكوت السماوات عندما حدثت بلبلة في وسط المكان. أشاح الجميع بعيونهم عن المعلم ليروا امرأة منفوشة الشعر، ممزقة الثياب، يمسك بها رجلان عتيان يجرانها عنوة، فيما جمهرة من الكتبة والفريسيين يتبعونهما وفي يد كل منهم حجرا.

توقف القادمون أمام يسوع وساد صمت عميق. أخذت نظرات الجموع تتنقل بين يسوع من جهة والكتبة والفريسيين من جهة أخرى. كانوا يعلمون أن الرجال ينوون رجم المرأة. أخذوا يتساءلون عن موقف المعلم من هذه القضية. انتصب يسوع فجأة واقترب من القادمين. توقف أمامهم. لم ينطق بكلمة. نظر الى المرأة أولا ثم أشاح بنظره على الرجال واحدا واحدا. كانت المرأة ترتجف من شدة الخوف. كانت آثار العنف تبدو على جسدها كما كانت ثيابها ممزقة مما ينبأ أن الرجال أخذوها عنوة. ألقى الرجال المرأة على الارض التي وإن انتصبت فيما بعد، إلا أنها لم ترفع عينيها الى الاعلى. في المقابل، كان الرجال واقفين بصمت ينظرون الى يسوع. كانت القسوة تبدو على ملامحهم فيما بدا وكأن أيديهم تشنجت وهي تمسك بالحجر. أخيرا تكلم كبيرهم وقال "يا معلم، هذه المرأة أمسكت وهي تزني ذات الفعل، وموسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه ترجم. فماذا تقول أنت؟"

ارتفعت أصوات الجموع فجأة بين مؤيّد ومعارض للرجم. بدا وكأن هذا السؤال كان بمثابة فخ لا بد ليسوع وان يسقط فيه. فإن هو أفتى بالرجم يكون قد وجّه سهما قاتلا لرسالته التي تدعو للرحمة والمغفرة مناقضا ذاته بذاته. وإن هو أفتى بالرحمة يكون قد نقض ناموس موسى وأخل بالعدل الاجتماعي مبيحا بذلك الزنى وما ينتج عنه بالتالي من استباحة للأخلاق والقيم. لم يكن يسوع في موقف يحسد عليه. كثيرون آنذاك توقعوا سقوط المعلم في فخ لا نجاة له منه. تقدم يسوع خطوة الى الامام، فساد صمت عميق بانتظار ما سوف سيحصل. اقترب يسوع من احد الرجال وأمسك بالحجر من بين يديه، ثم استدار ونظر الى المرأة التي ما زالت ترتجف خوفا. رفع الفريسيون الحجارة منتظرين ان يقذف يسوع بالحجر كيما يكملوا هم بدورهم على الضحية. لكن وبحركة مفاجئة، وضع يسوع الحجر على الارض واخذ يكتب بإصبعه حيث كان الحجر. كان يكتب أمام الجميع. ارتبك الرجال. سألوه مجددا "قل لنا، أنرجمها أم لا؟" استمر يسوع في الكتابة وكأنه لم يسمع السؤال. نفذ صبر الرجال. أخيرا، رفع كبيرهم صوته قائلا "إن كنت تعجز عن الاجابة، قل لنا." اقترب يسوع من كبير الكتبة والفريسيين، كتب عند رجليه كلمات قليلة ثم انتصب وقال "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولا بحجر!" أسرع الرجل الفريسي بمحو الكلمات التي كتبها يسوع على الارض برجليه ثم رمى الحجر جانبا ومضى غاضبا. اقترب يسوع من التالي واخذ ايضا بالكتابة عند رجليه. غطى الرجل وجهه بوشاحه ومضى هو ايضا. عندما اقترب يسوع من الثالث ابتدأ الجميع برمي حجارتهم واحدا تلو الآخر ومضوا على خطى كبارهم فيما ضمائرهم تبكتهم وبقي يسوع وحده والمرأة واقفة في الوسط. فلما انتصب يسوع ولم ينظر أحدا سوى المرأة، قال لها "يا امرأة، أين هم أولئك المشتكون عليك؟ أما دانك أحد؟" سجدت المرأة عند رجليه وأجابت "لا أحد يا سيد!" فقال لها يسوع "ولا أنا أدينك! إذهبي ولا تخطئي أيضا." قبّلت المرأة رجلي يسوع ومضت بسلام.

عندما مضت المرأة عاد يسوع الى مكانه كيما يستكمل مع الجموع تعليمه الذي قطعه حادث الرجم. سأله الجموع عن الحادث مستفسرين. قال لهم "سمعتموني أقول لكم: إن كل من ينظر الى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه. هؤلاء الرجال الذين يطلبون موتها ليسوا بأفضل حال منها، بل الجميع يستحقون الرجم. لذلك، وجب تطبيق الحكم على الجميع. لكن الله أحب العالم وأرسل ابنه الى العالم ليس ليدين العالم به، بل ليخلص به العالم. فكل من يؤمن بالابن، تكون له الحياة الابدية. أما الذي لا يؤمن يدان، لأنه أحب الظلمة أكثر من النور. كل من يعمل السيّآت يبغض النور. أما من يفعل الحق يبغض النور."

همّت الشمس على الغياب. عاد يسوع مع تلاميذه الى جبل الزيتون. قدموا اليه طعاما لكنه لم يأكل. قال لهم "طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني". أطل القمر بعدما اشتدت الظلمة. افترش التلاميذ الارض وناموا. أما يسوع فكان ينظر الى اليهودية من اعالي الجبل. هناك، في مكان ما، في مملكة الظلمة، كان يرى امرأة تولد من جديد. امرأة خذلتها عدالة البشر وجعلت منها ضحية كونها الحلقة الاضعف في المجتمع. رفع يسوع قلبه الى السماء. خاطب اباه السماوي قائلا "أنا أفرح يا أبي اليوم، لأني تممت مشيئتك و أنقذت خروفا من فك الذئب. أفرح لأني أقمت امرأة من بين الاموات. أفرح لأنك، بدمي الذي سوف يسيل على الصليب، سوف تمنح هذه المسكينة غفرانا لخطاياها. "

في الوقت ذاته، هناك أيضا في مملكة الظلمة، ثمة امرأة كانت تبكي بدموع كثيرة. على عكس الماضي، لم تكن دموعها هذه المرة دموع المرارة والاسى، إنما كانت دموع الاسير المحرر. كانت المرأة تذرف الدموع بغزارة وتقول "إرحمني يا الله، أنا الخاطئ". وكلما كانت تردد هذه الكلمات اكثر كانت تشعر ان احمال الماضي كانت تنزل عن كتفيها وان الفرح كان يغمر قلبها الذي لم يعرف السلام منذ زمن طويل. للمرة الاولى ومنذ سنوات طويلة ذهبت هذه المرأة الى فراش نظيف دون أن يكون جنبها رجل يريد التهام جسدها ودون ان تكتوي بنار الشهوة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أما من يفعل الحق يبغض النور
طوني سماحة ( 2015 / 6 / 21 - 23:00 )
سقطت سهوا العبارة التالية: أما من يفعل الحق يبغض النور. والتصحيح كم يلي -أما من يفعل الحق يبغض الظلمة-. يرجى المعذرة

اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah