الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بغير المعرفة لن نتقدم ، لن نتأنسن، لن نكون..

الطيب طهوري

2015 / 6 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في كل قرية من قرى بلادنا مسجد، في كل حي من أحياء مدننا مسجد وأكثر..جمعيات المساجد ناشطة جدا في جمع الأموال لبناء الكثير من المساجد الأخرى..صلوات المسلمين خمس على الأقل في كل يوم..هل غيرت كل تلك المساجد التي تعد بالآلاف شيئا في سلوكنا ووعينا؟..لا شيء..تقيض ذلك هو ما يحدث واقعيا: تبذير في الماء والكهرباء والغاز والمال..والوقت..تعميق لظاهرة الاتكالية أكثر .. يأتي شهر رمضان..هل يغير شيئا ما في سلوكنا ووعينا أيضا؟..لا شيء..النقيض هو ما يحدث: نزداد تبذيرا للوقت..للأكل..للكهرباء..يقل إنتاجنا..يكثر غشنا ونفاقنا..يزداد ازدحامنا في أسواق الخضر والفواكه واللحوم.. تتضخم مزابلنا ..تزداد نرفزتنا..إلخ..إلخ.. لا يؤدي تديننا المفرط والذي يزداد إفراطا في رمضان بشكل مهيب إلا إلى ترسيخ مجتمع القطيع..وفي مجتمع القطيع - حيث التشابه هو القاعدة، والنادر الاختلاف - تجمد المشاعر، تضمحل المخيلات ، تجف الأذواق فلا يحس الناس بجمال الحياة وأشيائها، وجمال الإنسان فيها..ومن ثمة يموت الإبداع فكرا وعلما وفنا.. ترى. ماذا لو حولنا تلك الآلاف المسجدية إلى مكتبات عمومية وملأناها كتبا من مختلف المعارف والعلوم البشرية، وبكل اختلافاتها، وجعلنا المطالعة فرض عين على كل فرد منا، ساعة مثلا في غير رمضان ، وساعتين فأكثر في رمضان؟..ماذا لو أصدر فقهاؤنا فتوى مؤداها أن تلك المطالعة تضاعف من حسنات المسلم، وكلما طالع أكثر ازدادت حسناته أكثر، استجابة لأمر الله: اقرأ؟.. مؤكد أن معارف كل فرد منا ستتراكم، ووعيه لوجوده يترقى، وقدرته على التنظيم تتحسن، وضميره سيكون حيا، وسلوكه سيكون جيدا وجميلا. وقدرته على الحوار والتفاهم والتعايش مع الآخرين ستكون أفضل كثيرا ، كثيرا..وشعوره بالمسؤولية يتعمق أخيرا..لكن فقهاءنا لن يفعلوا ذلك..
فقهاؤنا وأئمتنا ورؤساء أحزابنا السياسية الدينية وأتباعهم من المتنفذين ماليا ومناصب يدركون جيدا أن ارتقاء وعي الناس يجعلهم أكثر استعمالا لعقولهم، وهو ما يعني استغناءهم عنهم ( الفقهاء والأئمة ورؤساء الأحزاب الدينية و.. )، كما يجعلهم يفقدون تلك المكانة التي يحتلونها الآن في قلوب الناس وعقولهم ، لهذا نراهم يقفون ضد مطالعة المختلف، ويحرصون أشد الحرص على ربط الناس بكتبهم الصفراء التي تشد الناس إلى الماضي، إلى الآخرة أكثر، وتبعدهم عن الحياة..
أنظمة الاستبداد والمتنفذون في أحزابها ، وكل المستفيدين منها يهمهم أيضا بقاء الناس جاهلين، متعلقين بالماضي والآخرة..
كلا الطرفين يدركان جيدا أن جعل المطالعة ، ومطالعة المختلف المتعدد أساسا، سلوكا يوميا ، سيؤدي حتما إلى تعدد الآراء وإثارة الأسئلة..يدركان أنه بذلك التعدد وتلك الإثارة للأسئلة يُفتح النقاش على مصراعيه عن الواقع وقضاياه، عن الحياة ومتعها، عن..وعن..وأن كل ذلك لا يؤدي إلا إلى بروز قدرات الأفراد في شتى مجالات الإبداع فكرا وعلما وفنا ، وتنظيما ونضالا أيضا.. وستزداد مداركهم العقلية ويتعمق وعيهم بواقعهم وواقع العالم من حولهم ، ستتفتح مخيلاتهم وسيحلمون بما هو جميل من الحياة وفيها ،وسيعملون كل ما في وسعهم من أجل تحقيقه، ستنمو مشاعرهم ويتأنسنون أكثر..سيصيرون أكثر قدرة على التضحية من اجل بناء حاضرهم ومستقبل أبنائهم..
لا يحتاج المسلمون إلى الإكثار من بناء المساجد..لا يحتاجون إلى الإكثار من الصلاة والصيام والحج والعمرة..يحتاج المسلمون إلى المعرفة أساسا..يحتاجون إلى المطالعة أكثر..لكننا – للأسف الشديد- لا نطالع..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah