الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نشوء فكرة الالهة(4)..نظرة شاملة

يوسف شوقى مجدى

2015 / 6 / 21
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يوجد اعتقاد عام يفسر نشوء فكرة الالهة و هو عبادة الاموات بشكل عام و تقديسهم سواء كانوا هؤلاء الاموات اشرارا و جبابرة متسلطين كما زعم فرويد او طيبين و مضحين كما قال القمنى ، فلذلك كنت أود ان تكون تلك المقالة فى بداية السلسة، فالموت كان اعظم سر يُخيف الانسان القديم و يقلقه سواء كان هذا الخوف على نفسه او على اقربائه ، و لأن الانسان لم يفهم ماهيته الحقيقية فى البداية فكان يظن ان المتوفى نائم او فى اغمائة طويلة فكان يجعله مقيما معه فى منزله كأنه حى و عندما لاحظ التعفن و الفساد الذى يلحق بالاموات حاول الحفاظ عليه باستبدال ما يمكن استبداله من جسده باشياء لا تفسد فأستبدل العيون بالاحجار على سبيل المثال و عندما لاحظ ان ذلك لن يحمى الجثة تماما فقرر الاكتفاء برسم صورة للمتوفى او صنع تمثال له او تمثيله فى حيوان طوطمى !.. و لان الانسان القديم لم يصل عقله الى فكرة ان الاموات يصبحون ارواحا لا تأكل او تشرب، فكان يقدم له الطعام باستمرار و يختلف بالطبع الطعام حسب البيئة اى المجتمع الزراعى كان يقدم طعامه من الارض اما الرعوى فكان بالتأكيد يقدم طعامه من الاغنام و نستنتج من ذلك بالتأكيد ان الهة المجتمعات الزراعية كانت تسر بالنشاط الرائج فى تلك البيئات ألا و هو الزراعة و جمع الغلال كما نرى فى الاساطير المصرية و كذلك أيضا المجتمعات الرعوية.. وكان ذلك هو بداية تقديم القرابين و الاضحيات بشكل عام و كان الدافع الذى يقف وراء تقديم القربان الى المتوفى ليس فقط حبا فى المتوفى او حرصا على غذائه و لكن كان أيضا الخوف من ان يغضب المتوفى فيقوم بأذية اهله و اقربائه و عندما كان يموت احد من الملوك او الامراء كان لزاما على كل افراد القرية او القبيلة بتقديم القرابين و ليس الاسرة فقط و وصل مستوى القرابين الى التضحية بالابناء البكر و التضحية بعذرية المرأة فى المعابد (لو كانت المتوفية انثى).. و مقابل تلك الاعطية السخية كان المتوفين الذين اصبحوا مع مرور الوقت الهة ، يلبون للاحياء مطالبهم و يحافظون على توازن الطبيعة كنزول المطر و خصوبة التربة ، فكان هناك احتياجا كبيرا عند الانسان القديم الى شخص متوفى ليبارك اعماله و صنائعه و كل ما كانت مكانة الشخص كبيرة كلما كانت بركته عظيمة و وفيرة فنرى انه فى سالف الزمان كان يقتل بعض الافراد عند صنع بناء جديد و عند انشاء مدن جديدة كان يفعل نفس الامر و كانت ترتبط مكانة العمل المصنوع بمكانة الشخص المحدد قتله و لم تكن عادة القتل غرضها الكراهية او ما شابه بل كان المقتول يتحول معبودا للقرية او للمدينة و هناك قصة تاريخية شهيرة تؤكد ذلك الرأى فيقول لنا فريزر ان معركة شهيرة قد قامت بين القرطاجيين و الاغريق و كانت معركة طاحنة استمرت وقتا طويلا (معركة هيرا) و كان (هملقار) ملك قرطاجة يقوم بالقاء الكثير من الضحايا البشرية فى محرقة كبيرة و عندما رأى ان جنوده يُهزمون فقرر القاء نفسه فى تلك المحرقة فخلد اسمه بين القرطاجيين فصنعوا له الكثير من النصب التذكارية و كانوا يقدمون له الذبائح(1)..و من الممكن ان نقول قصة اخرى و لكنها خالية من التضحيات فيقول لنا سلامة موسى ان الاله المصرى اوزوريس كان فى البداية الها محليا لبلدة "أبيدوس" و ما نعرفه عن هذه البلدة انها كانت عاصمة مصر الاولى ، فيرجح ان الاله أوزوريس كان ملكا او اميرا قيدما فى تلك البلدة و بعد مماته تم تأليهه و انتشرت عبادته لان ابيدوس "كما قلنا" كانت اول عاصمة مصرية بعد الاتحاد الثانى و يقول لنا المؤرخ الشهير "فلوطرخس" ان قبر اوزوريس موجود فى أبيدوس(2)..و نجد أسطورة فى التاريخ المصري القديم تقول ان اله الشمس "رع" كان يعيش مع البشر على الارض و لكنهم أغضبوه فكاد ان يفنيهم و لكنه ترك الارض و أعتزل السماء(3).. من هذا نستخلص ان الفكرة الالهة بشكل عام قد تولدت من عبادة الموتى و لنا أن نتخيل هذا الفارق التاريخى العظيم بين مجموعة من المتوحشين الافارقة و هم يعبدون موتاهم و بين مجموعة من رجال اللاهوت يجلسون على منضدة و يناقشون تصورات و أفكار عن الله بلغةٍ أكاديمية رصينة !.

(1)..كتاب أدونيس او تموز لفريزر
(2)..كتاب نشوء فكرة الله لسلامة موسى
(3)..كتاب فجر الضمير لجيمس هنرى بريستيد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من يتحمل مسؤولية تأخر التهدئة.. حماس أم نتنياهو؟ | #التاسعة


.. الجيش السوداني: قواتنا كثفت عملياتها لقطع الإمداد عن الدعم ا




.. نشرة إيجاز - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجزيرة


.. -تجربة زواجي الفاشلة جعلتني أفكر في الانتحار-




.. عادات وشعوب | مدينة في الصين تدفع ثمن سياسة -الطفل الواحد-