الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسان وحقائق الحياة

عماد صلاح الدين

2015 / 6 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




هذا المقال هو محاولة جادة لتلمس الجانب الوسطي بين طريقين: على اليمين؛ حيث التطرف الديني المغذى بالاثنية الوثنية في سياق تجربة الضعف الإنساني العام، وتجربة القوة الإنسانية العامة، حيث اللجوء على كل حال إلى ديباجات واعتذاريات تفسير وربما تشريع إما الفشل والتراجع والانحطاط، أو في تفسير وتشريع(شرعنة) الهيمنة والسيطرة على أمم ومجتمعات أخرى ونهب ثرواتها وفرض نموذج حياتي ثقافي عليها دون اعتبار لخصوصية أو لروح امة أو تنوع كان.

وفي التفسيرين أعلاه، لا مانع من إبادة ملايين البشر ونقلهم وترحيلهم جزئيا أو كليا في سياقية من المكان والزمان الذي نعرف ونخبر، أو إلى حيز آخر في عالم آخر لا نعرفه بعد.

ولا مانع كذلك من تشريع العبودية ممارسة، وذبح وتفقير قطاعات معينة من نفس مجتمع ما، في عهود الاستبداد إن لزم الأمر، في حفظ منظومة الاستبداد نفسها واستمرارها.

إن الإنسان كفرد أو كمجتمع أعلى، يقع في غالب الأمر ضحية – بتصوري- لنموذجين مصلحيين نفعيين :

1- نموذج التطرف المادي الإنكاري لفكرة التجاوز والإيمان الماورائي(الديني)، وسواء كان ذلك مباشرا أو غير مباشر، أو على مراحل ممارسية من هيومانية إنسانية إلى أحادية مادية، بعد تبهيت الإله وشبه نعيه إلى إعلان وفاته رسميا من خلال نماذج العولمة الشاملة وما بعدها، والاستهلاكية الشاملة وما بعدها، ونهاية التاريخ، وما بعد الحداثة، وصراع الحضارات، في حالة سيولية كاملة تنتظم في العلمانية الشاملة، لا زالت تجلياتها قائمة ومستمرة في النموذج الغربي الأمريكي تحديدا وتابعيته في الشرق والغرب؛ سواء بشكل عام وكبير جدا كما في أوروبا وفرنسا تحديدا، أو بشكل مقلص مختزل في بلاد النخب العربية الرسمية وارتباطاتها المحلية، وعموم عوالم العالم الثالث في آسيا وأفريقيا.

أو أن يكون هذا التطرف بطريقة إيديولوجية، اعتبرت الدين وبوضوح تنظيري، بأنه أفيون الشعوب المخدر ليس أكثر، كما في تجربة سوفيتيات روسيا عقب ثورة البلاشفة فيها سنة 1917. وهي تجربة سقطت مع انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1989.

2- نموذج التطرف الديني، وهذا النموذج يظهر في الغالب في المجتمعات الضعيفة والمتخلفة التي تعاني من الفقر ومختلف الأمراض المادية والاجتماعية. هذا النموذج هو الآخر يستخدم اعتذاريات وديباجات دينية ووثنية في تبرير سلوكياته وتصرفاته الإجرامية، من خلال سوق وتجيير فتاوى دينية تخرج عن مجالها وصميم اختصاصها في المساحة والنوع، سواء بصريح النص أو بالاجتهاد.

وهو يقع ولا شك في إطار من البيئة السلبية الحاضنة لذلك والمؤهلة لانطلاق التطرف الديني كفكرة وممارسة على الأرض.

والذي أريد أن أصل إليه هنا، هو أن التطرف المادي المباشر أو غير المباشر، وكذلك التطرف المسمى بالديني في سياق بيئة من المرض والجهل والفقر هما تطرف غير ديني ولا علاقة للدين به مباشرا أو غير مباشر، وإنما هو تطرف يبقى اثنيا ووثنيا عنصريا لا إنسانيا على كل حال.

وان الفكر الديني وحتى التشريع منه خصوصا ما خص الإسلام منه؛ كون الأخير دين تشريعي ونظام حياة شامل ضمن منظومة اجتهادية نسبية وواسعة جدا لا تنتهي إلا بانتهاء الحياة نفسها، هذا الفكر من جديد يقوم على دعامتين أساسيتين وهما:-

1- الإنسان وضرورة إقرار واحترام أساسيات إنسانيته المكرمة، والمتعلقة بحقه في الحياة والحرية والكرامة، وتمتعه بعموم إنسانيته، في سياق منظومة سياسية اجتماعية، مقياسها الضابط منظومة العدل وتحققه.
كل ذلك، لأجل أن يتحقق لهذا الإنسان عموم المقدرة الكلية الايجابية المتكاملة، والمشكلة لشخصيته الإنسانية بعد بثقها؛ قادرة وواثقة باتجاه تحقيق رغبتها وإرادتها بتقرير المصير الفردي والجمعي في المتعينات الإنسانية الموجودة والمستمرة.
2- حقائق الحياة المادية؛ حيث أن الطبيعة الدنيوية بما فيها من موجودات حيه ومادية جامدة أو متحركة وما هو غير ملموس ولكنه محسوس بعمومه كالهواء والفضاء والغازات وغيرها، هذه الحقائق تتطلب إنسانا تتحقق فيه صفات الإنسان السليم بشكل نسبي في كلية تكوينه؛ ليستطيع التفاعل مع هذه الحقائق المادية الموجودة المجردة والمتعينة تفاعلا ايجابيا، يؤدي إلى عمارة الدنيا ضمن منظومة عمل كاملة في مدخلاتها وطرائق معالجتها وأخيرا مخرجاتها المتحققة، في عموم مشهد البناء الإنساني سواء في السياسة والاجتماع أو الاقتصاد والعمران وغيرها.

ذلك أن العلاقة ما بين الإنسان والبيئة المحيطة به هي علاقة جدلية مستمرة بإيجاب لا ينقطع أساسا، وبنمطية بنيوية متبادلة: في الكشف والاكتشاف، وعمارة المحيط، وأيضا تطور الإنسان وتقدمه.

والله تعالى أودع في الإنسان سره الكامن والمهيأ للترجمة الفاعلة على مستوى الذات وموضوع الحياة عموما، في إطار منظومة قيمية وأخلاقية ونظام عمل للتحرك الإنساني المتقدم أماما، مصدرها الإرشاد الإلهي العام من خلال رسالاته الرسلية والنبوية إلى الناس جميعا، وكذلك هذا الإنسان بسره الروحي العقلي المودع فيه والقادر على توليد الأفكار الإبداعية والنشاط الإنساني الخلاق في غير مجال.

والحقائق الدنيوية المادية - والحال هذه- تبقى كما هي لا دخل لمعجزات أو خوارق في استمرار تسييرها، وإنما المركز في ذلك كله والاعتماد يكون على الإنسان وقدرته على هذا التفاعل الايجابي من خلال موجه ودافع الذاتية المؤسسة فيه أو المرشدة له سماويا، وبالتجربة الإنسانية المتراكمة، مع حضور التسيير التوفيقي الإلهي العام في سياقية النشاط وبذل الجهد ضمن منظومة توكليه بحسب الفكر الإسلامي والنظرة الفقهية الاجتهادية في هذا الإطار.

ولذلك، يكون التطرف المادي الإلحادي؛ إذا ما تم نفي العلاقة الايجابية والتبادلية ما بين الإنسانية والطبيعة( حقائق الحياة المادية)، وتم الارتكان فقط إلى قوانين الحياة المادية، دون اعتبار لهذا السر المودع في الإنسان إلهيا، ولا لهذه المنظومة القيمية الدينية المرشدة له منذ فجر الإنسانية على الأرض.

ونكون – كذلك- أمام التطرف الديني؛ إذا ما تم نفي هذه العلاقة الايجابية مجددا، ولكن بطريقة ومنحى آخر؛ عندما يتم تغليب اللاعقلانية على العقل ومن ثم الارتكان إلى الأساطير والخزعبلات الاثنية والوثنية غير الدينية قطعا، بدلا من مرجعية منظومة قيمية حضارية حقيقية في الدين والأخلاق ومتكون روح الأمة الايجابي والإنساني، بمرتكز ممارسة حضارية شاملة أساسها العلم المتوازن الذي يحترم ويكرم الإنسان، وينظر باهتمام إلى حقيقة قدراته الكامنة أساسا، والى ضرورة إطلاقها لدورها العظيم في شيد الحضارة، بالتناغم مع قوانين العلم والحركة، كحقائق مادية قائمة ومجردة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عواطف الأسدي: رجال الدين مرتبطون بالنظام ويستفيدون منه


.. المسلمون في النرويج يؤدون صلاة عيد الأضحى المبارك




.. هل الأديان والأساطير موجودة في داخلنا قبل ظهورها في الواقع ؟


.. الأب الروحي لـAI جيفري هنتون يحذر: الذكاء الاصطناعي سيتغلب ع




.. استهداف المقاومة الإسلامية بمسيّرة موقع بياض بليدا التابع لل