الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يملك الشرف الرجال وتدفع ثمنه النساء

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2015 / 6 / 23
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات



فى "بيروت" كان مؤتمر الجامعة اللبنانية الأمريكية (11يونيو 2015) بعنوان المرأة والحرب، لكنى أعطيت لكلمتى عنوان "المرأة والحرب والثورة" فالحرب تقوم غالبا لقمع الثورة الشعبية داخليا أو خارجيا، وتقوم الثورة الشعبية غالبا لتحرير النساء والفقراء، وقد تميزت بعض الجامعات، منذ منتصف القرن العشرين، بإنشاء أقسام للدراسات النسائية، قدمت منهجا جديدا فى البحث، يقوم على الربط بين روافد المعرفة أو بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، لا يمكن فهم قضية المرأة دون الربط بين التاريخ والفلسفة والطب والأدب والاقتصاد والدين والجنس والسياسة والحرب، ولا يمكن فهم قضية الحرب أو أى قضية أخرى دون هذا الربط، وتحتاج قضية المرأة بالذات لهذا المنهج المترابط لجميع التخصصات، فهى تربط بين الخاص والعام والشخصى والسياسى والجنسى والنفسى والأخلاقى، لهذا تميزت بعض الدراسات النسائية بالعمق الكاشف لجذور الاستغلال والقهر الطبقى الأبوى للنساء والفقراء فى التاريخ، فى كلية الطب قمنا بتشريح الجسد (المرأة والرجل) دون أن نتعلم شيئا عن المشكلات الحقيقية لهذا الجسد، تعلمنا الطب من كتب إنجليرية وتخرجنا أجهل مما كنا، فلم يعد الإنسان كيانا متكاملا فى مجتمع حى، بل مجموعة من الأعضاء المنفصلة الميتة، وأجزاء بعضها مبتور من جسد المرأة، لقد أخذنا الطب عن الاستعمار البريطانى مع قيمه البيوريتانية الدينية.
نقدت هذا الطب فى كتاباتى منذ نصف قرن، لعدم قدرتى على قبول الازدواجية والتناقض، أو الفصل بين العقل والجسد والروح والمجتمع، ونقدت أيضا العمليات الجراحية التى تقطع أجزاء سليمة من أجساد الأطفال (الإناث والذكور) تحت إسم الطهارة أو الختان، الربط بين الحرب والنساء والثورة ذكرنى بطفولتى، فلا شيء يشجع على التفكير الحر مثل تنشيط الذاكرة، وربط الماضى بالحاضر بالمستقبل.
شهدت فى طفولتى الحرب العالمية الثانية وكانت مصر مستعمرة بريطانية يتقاتل على أرضها جيوش الحلفاء والأعداء، تصبح مصر (مثل غيرها من المستعمرات) ضحية حرب ليست حربها، ومصالح ليست مصالحها، يتحول الحلفاء لأعداء والأعداء لأصدقاء، وتبقى المستعمرات كما كانت منذ العبودية، يرثها الاستعمار الجديد من الاستعمار القديم، وتدفع شعوبها ثمن الحرب، خاصة النساء والفقراء، تستولى الطبقة الحاكمة الأجنبية على كل أرباح الحرب إلا الفتات، الذى يعطى للطبقة الحاكمة المحلية نظير خيانتها لمصالح شعوبها، ويمنح الملك (أو الرئيس) الأوسمة (أو جوائز الدولة) على نخب المثقفين والأدباء والعلماء الذين صمتوا عن الظلم والفساد، أو أيدوا الحاكم بالخطب والكتابة، وخدعوا المقهورين بقصائد التضحية، من أجل الله والوطن، تحظى النساء بأكبر نصيب من الخداع والتضحية، تحت اسم الأمومة والأنوثة وطاعة الأب والزوج والرب، تدفع النساء، خاصة الفقيرات، ثمن الحرب والسلم، بسبب انعزالهن بالبيوت تحت السيطرة المطلقة لرجالهن.
لا تحظى النساء بقوة سياسية جماعية لتغيير أى قانون لصالحهن، بسبب عدم وجودهن كقوة منظمة داخل الأحزاب السياسية التى يسيطر عليها الرجال، ونشهد اليوم فى الانتخابات البرلمانية كيف يسهل لرجال الأحزاب تهميش العضوات النساء.
وبعد ثورتين كبيرتين شاركت فيهما النساء، لا يحق لهن تكوين حزب سياسى فى مصر حتى اليوم، رغم أنهن نصف المجتمع وأكثر، وبالرغم من أغلبيتهن العددية فإنهن يعتبرن أقلية، بل أدنى من الأقليات، ومنها أقلية تسمى "السلفية" تخرق الدستور الجديد، وتشكل حزبا سياسيا يستعد لدخول البرلمان المقبل،
يحق للنساء تشكيل جمعيات نشاطها اجتماعى فقط بالقانون، هذا الإقصاء السياسى للنساء، أو هذا الفصل بين الاجتماعى والسياسى موروث عبودى قديم، فالتنظيم السياسى الجماعى هو مصدر القوة الوحيد للنساء أو العبيد.
ليس للنساء قوة سياسية قادرة على تحقيق العدالة داخل الأسرة أو الدولة، هناك فقط أفراد نساء طموحات يصعدن للحكم بالخضوع للأحزاب المسيطرة والقيم السائدة، وقد تصبح المرأة رئيسة دولة، دون أن تغير جوهر الاستغلال الواقع على النساء والفقراء، وبالمثل يمكن لرجل أمريكى أسود أن يصبح رئيسا للدولة، مع ذلك تنفجر المظاهرات ضد حكومته بسبب اضطهاد السود والفقراء كما نشهد اليوم بالولايات المتحدة الأمريكية.
هناك ترابط وثيق فى التاريخ بين القهر الاقتصادى والجنسى، الذى أدى الى اشتعال الحروب ضد الثورات الشعبية المستمرة، والتى يتم قمعها بالقوة المسلحة والإعلام المضلل.
هناك اتجاه أكاديمى تقليدى يرى الحرب صفة ذكورية أو صراعا بين الذكورة والأنوثة، كأنما الحرب عملية بيولوجية تتعلق بالهرمونات داخل الجسد، وليست نظاما قمعيا مسلحا ومضللا للعقول بالثقافة والإعلام والتعليم، فالحروب المسلحة لا تقوم دون خطة ثقافية تعليمية وإعلامية مضللة، تغطى الأهداف المادية بأهداف دينية وروحية.
ولأن المرأة أقل الفئات قوة فى ظل النظام الرأسمالى الأبوى، فإنها تدفع ثمنا أكبر فى الحروب، ويعتبر اغتصابها جنسيا، بواسطة الجنود المنتصرين، جزءا من الحرب النظامية المشروعة، ويدور فى المحاكم الدولية حتى اليوم السؤال: هل اغتصاب النساء فى الحرب جريمة؟
بمثل ما يدور فى المحاكم المحلية السؤال: هل قتل النساء فى قضايا الشرف جريمة؟
وفى الحرب والسلم، يملك الشرف الرجال بالقوة، وتدفع ثمنه النساء بالدم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تدريب المرأة مهنيا.. أولوية لتمكينها اقتصاديا


.. الأردن.. برامج لتمكين النساء وتوجيههن لدخول سوق العمل




.. الناشطة بالجمعية التونسية من أجل الحقوق والحريات رانيا بن فر


.. حقوقيات تطالبن بتطبيق قانون النفاذ إلى المعلومة في تونس




.. رئيسة الجمعية التونسية للحكومة والمساءلة الاجتماعية هاجر الط