الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زاخو أورشليم كوردستان

سيلوس العراقي

2015 / 6 / 25
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


القسم 4 من مقالات يهود وكورد في زاخو ـ تاريخ وذكريات :
زاخو أورشليم كوردستان

في عدد من المصادر يتم تسمية زاخو بأورشليم كردستان أو بأورشليم الشتات.
وبحسب رابي حبيب علوان فكانت تسمى بأورشليم كوردستان لأن اليهود الذين كانوا يعيشون في قرى كوردستان كان عليهم مسيرة ثلاثة أو أربعة أيام ، للوصول الى زاخو في مناسبات معينة، كرسامة (سيامة) رابي جديد ، حيث طقس الرسامة ووضع اليد على رابي جديد كان يتم في زاخو، كما كانوا يأتي اليها العديد من اليهود لحضور الشعائر والطقوس الشرعية اللازمة لمرافقة من تم إختياره ليقوم بأعمال وخدمات الشوحيط أو القيام بأعمال الموهيل (المطهرجي) المأذون شرعاً في القيام بعملية الطهور (الختان) للمولودين الذكور اليهود في القرى الكوردستانية المنتشرة خارج زاخو.
وكانت المناطق التي تعتبر زاخو مرجعاً لها في هذه الشؤون تمتد من الجزيرة الى شرانش ودهوك وسندور وغيرها.
كما يذكر رابي حبيب علوان مثالاً على ذلك: أنّ رابي دهوك رابي شالوم شمعوني درس على يدي والد رابي شبتاي علوان في زاخو ومن ثم تمت سيامته (أو رسامته) بعدها رابياً في زاخو على يديه أيضاً.
كما يلاحظ الباحث براور بأن زاخو كانت مركزاً لإعداد الشوحيطيم (الذبًاحين) ש-;-ו-;-ח-;-ט-;-י-;-ם-;- ، كما يذكر رابي شموئيل باروخ أن والده كان رئيس المحكمة اليهودية في زاخو ، وهو الذي كان يعينهم ويمنحهم الشهادة لممارسة المهنة الخاصة والقيام بخدمات الشوحيط لأبناء جماعاتهم اليهودية. وكانت زاخو مركزاً لليهود في هذه الشؤون الدينية.

ماذا يذكر الرحالة بشأن الممارسات اليهودية في زاخو ؟
إن الرحالة اليهود الذين زاروا بلدة زاخو في القرن التاسع عشر والذين لم يقوموا بدراسة ممارسات يهود زاخو ، عن قرب كثير، لم يتركوا انطباعاً جيداً عن كفاءة رابي زاخو المعرفية والتفصيلية حول الهالاخا (تطبيقات الشريعة الدينية اليهودية) .
فاسرائيل جوزيف بنيامين الثاني الذي مرً ذكره سابقا، والذي يكتب من خلال وصفه ليهود زاخو هكذا : "حالتهم المالية جيدة، لكن يعيشون في حالة من الجهل". يخبر حول أحد الرابيين في زاخو وهو رابي ايلياهو الذي طلب رأيه في مسألة السماح بالزواج الثاني لامرأة وهي زوجة لبائع متجول قد اختفى في واحدة من القرى الكردية ، خشية من أن تضلّ وتنحرف الزوجة من الباب الضيق.
وكان بنيامين يعتقد بأن سماحاً كهذا يتعارض مع الهالاخا وأن المرأة تعتبر متزوجة من الرجل طالما لم تظهر أي شهادة واضحة على وفاة زوجها.
بينما كيستلمان المرسل (المبعوث) من صفد لزيارة زاخو في عام 1859 م يكتب "أما في زاخو ، فهم (اليهود) جهلة ، فلا يعرفون أي صلاة على الاطلاق، ويجهلون حتى قراءة حروف الأبجد هوز (الأبجدية العبرية) في كتاب السدّور (كتاب الصلوات اليومية) ، ويجهلون صلاة البركات، باستثناء مايقرأه لهم القاريء أو المرتل من الصلوات".
انه فقط في فترة القرن العشرين أصبحت زاخو مركزاً دينياً وروحياً ليهود كوردستان، بالرغم من أن غالبيتهم كانوا جهلة أميين وكانوا يرددون فقط الصلوات التي كان يتلوها عليهم القاريء في السيناغوغ.
في السابق كانت مدينة أربيل مركزا لمثل هذه الخدمات والشؤون. لكن أربيل فقدت مكانتها وموقعها هذا بسبب أعمال الشغب. إضافة الى أن مدينة زاخو حازت على بعض الأهمية المركزية المتزايدة نتيجة زيادة عدد سكانها من غير اليهود، وبالخصوص المسيحيين الأرمن المهاجرين الهاربين اليها من تركيا بعد الحرب العالمية الأولى.
كما أن هناك من الدارسين مَن وصف واعتبر أنّ زاخو قد تجاوزت مكانة العمادية كمركز ديني وروحي لليهود، اعتباراً من أواسط القرن التاسع عشر فصاعداً . وهناك حادث يوضح كيف تراجعت مكانة العمادية، يتعلق بحاخام ايلياهو الذي عين شوحيط من قبل رابيي العمادية ، لكنه أرسل ابنه الى زاخو ليستلم الرسامة من رابيها لأن شهادة رابيي زاخو أكثر أهمية .
التعليم في زاخو كان للشؤون العملية بالرغم من كون سعة معارفهم كانت بسيطة ، لكن كان تعليمهم التطبيقي بما يخصّ عمل الشوحيط والمطهرجي والمنشدين مقبولا .
بينما يشرح يونا صبار لماذا كانت تسمى زاخو بأورشليم كوردستان ويقول:
"لأنه كان للدين الموقع الرئيس في حياة الجماعة. فكان فيها سيناغوغان تتم فيهما الصلوات اليومية وقراءات التوراة ودراستها، ولتسهيل الأمر على الجماعة كانت تقام الصلوات اليومية في وقت مبكر جداً يوميا، لأجل تمكن أصحاب المهن كالقصابين وأصحاب المحلات والدكاكين والأعمال الأخرى من حضور الصلاة، حيث كانوا يبدأون أعمالهم اليومية مبكراً.
لم يكن للعلمانية في زاخو في ذلك الوقت أيّ وجود أو ذكر، فالجميع كانوا يعتبرون متدينين وممارسين، ليس كمثل مدن العراق مثل بغداد والموصل التي ظهرت فيها الميول العلمانية مبكراً.
كانت تقوم زاخو بتصدير الرابيين والشوحيطيم الى الجماعات اليهودية الصغيرة التي لم تكن لديها إمكانية تأمين أشخاص منها للقيام بهذه المهمات الدينية الخاصة للجماعة.
يبدو أمراً متناقضاً اعتبار زاخو مركزاً دينياً وروحياً بالرغم من كثرة الأمية فيها ، حيث الغالبية العظمى من يهود زاخو كانوا من الأميين.
في الحيدير ، مدرسة الأولاد الدينية ، يدرس الأولاد فيها لغاية سن الثالثة عشر، وهو السنّ الذي يحتم على الولد أن يصبح ابناً للشريعة ويبدأ عندها بالقيام بكافة وصاياها. وفي بعض الأوقات يترك بعض الأولاد المدرسة قبل هذه السن لأسباب اجتماعية واقتصادية غالباً. فالفكرة الاجتماعية لدى يهود كوردستان ليست التتلمذ على الشريعة والتفرغ للدراسة بصورة أساسية، بل كان يُنظر الى الهدف من الأولاد هو تعلّم تدبير شؤون العائلة والمساعدة فيها . ففي بعض الحالات كان الولد يبدأ بالعمل مع والديه حتى قبل بلوغه الثالثة عشر، ليس لأسباب اقتصادية واجتماعية مباشرة، بل لأن العمل وتحصيل دخل ما ، كان الغرض والهدف المقبول في الحياة الذي تبحثه الغالبية من يهود ،وغير يهود في كوردستان.
جورجي زاقين، يقول من خلال تجربته الخاصة حين كان في زاخو: أن بعض التلاميذ تركوا (الحيدير) المدرسة، بسبب قيام المعلم بمعاقبتهم بقساوة، ليبدأ بالعمل وليدبر دخلا جديداً للعائلة . والبنات من جهة أخرى فلم يتم تلقينهنّ أي شكل من الدراسة والتعليم، عدا القليل من البنات تعلموا كيفية القراءة والكتابة، وذلك كان محصوراً غالباً في بنات الرابيين ، أو من خلال ارسال بعضهن الى المدارس العامة.
مستوى التعليم كان متدنياً. فرابي شموئيل يشهد على هذا بالقول : "انه حتى ضمن اولئك الأولاد الذين يستمرون في التعليم لغاية سن الثالثة عشر، هناك منهم من ينسى الكثير من الذي تعلمه، وحتى شكل الحروف العبرية. وبنفس الوقت كان هناك أولاد مجدين في الدراسة لم يكتفوا في التعلم في المدرسة اليهودية (الحيدير) فسجلوا إضافة اليها في المدرسة العامة الليلية. وغيرهم ما أن أنهوا الحيدير حتى سجلوا في المدرسة العامة الصباحية.
مع كل ذلك، ربما أن التناقض الظاهر بين اعتبار زاخو مركزاً روحياً على الرغم من الأمية التي كانت منتشرة بين أغلبية يهودها ، يمكن توضيحه على الشكل التالي:
بمقارنتهم مع اليهود الذين يعيشون في باقي قرى كوردستان، فأن عدداً كبيراً من أولاد يهود زاخو تعلموا وواصلوا تعليمهم وبصورة رئيسية تعليمهم الديني بعد أن أكملوا الثالثة عشر من العمر، وبعضهم أصبح من الرابيين ، المنشدين المرتلين، المطهرجية מ-;-ו-;-ה-;-ל-;-י-;-מ-;- (موهيليم)، الشوحاطيم (من يقومون بطقس الذبح)، الأمر الذي كان نادراً في القرى والبلدات الأخرى، فكانت لأبناء جماعة زاخو مكانة قيادية في زاخو وفي الجوار والقرى والبلدات الأخرى.
كما أن الأمية لا تنتقص أو تقلل من ايمان يهود زاخو، فكان لديهم سيناغوغان يقومان كمركز اجتماعي وديني.
فاستمر يهود زاخو في ممارسة متطلبات الشريعة المختلفة. فترى النساء اليهوديات في زاخو يمارسون מ-;-ִ-;-ק-;-ְ-;-ו-;-ֶ-;-ה-;- المقفي وهو حمام التغطيس الطقسي، حيث كنّ يغطّسن أنفسهن في مياة النهر حتى حين كانت مياه النهر باردة. رابي شموئيل باروخ يقول أنّهن كنّ يقمن بعملية التغطيس في مياه النهر حتى حين كانت مياهه قارسة متثلجة ، والاّ فأزواجهنّ ماكان يمكنهم التعايش معهنّ والتقرب منهن. والمرأة اليهودية الزاخولية حيا كابي في مقابلة معها تؤكد هذا الأمر.
وحدث، في ثلاثينات القرن العشرين ، أن قام بعض المسلمين بمضايقة وازعاج النساء اليهوديات وهنّ يقمن بطقس التغطيس هذا في النهر ، مما اضطرّ جماعة زاخو اليهودية ببناء حوض التغطيس للتطهير لنساء الجماعة في سيناغوغ المدينة الكبير. وبحسب رأي زكي ليفي اليهودي الزاخولي فأنها كانت العملية الأكبر والأعقد التي حدثت في الجماعة المحلية في زاخو.
كما يشهد بعض الرجال بأنهم حتى خلال خدمتهم العسكرية في الجيش العراقي، وتحت ظروف صعبة، كانوا يفعلون كل ما بوسع طاقتهم للامتناع عن أكل الأطعمة (غير المحللة والمعدة بحسب الشريعة) غير الكوشرية.
كان في مدينة زاخو سيناغوغان كما مر معنا :
الأول يتسع لثلاثة آلاف شخص وكان يسمى بالسيناغوغ الكبير ويطلق عليه (كنيشتا ربتا ) باللغة الآرامية الحديثة التي كانت اللغة المحكية من قبل يهود زاخو .
السيناغوغ الثاني وهو أصغر ويسمى بالسيناغوغ الصغير ويطلق عليه (كنيشتا زورتا) بالآرامية الحديثة المحكية. وكان أيضاً مدرسة .
السيناغوغان كانا بالقرب من النهر، أحدهما مقابل الآخر.
أغلب يهود زاخو كانوا يصلّون في السيناغوغ الكبير ، بينما الأصغر كانت تتردد عليه عائلة زاقين الكبيرة.
تحدث يهود زاخو باللغة الآرامية الحديثة ، التي تسمى أيضاً بالترجوم. كما كانوا يتحدثون الكورمنجي اللغة الكردية التي كان يتحدث بها الكورد من غير اليهود.
كانت معرفة يهود زاخو بالعبرية قليلة، وكانت محصورة بشكل كبير بالرابيين والدارسين الدينيين. وكان القليل من يهود زاخو يتحدث العربية .
إن تديّن يهود زاخو كان عاملاً رئيسياً في تنمية ارتباطهم العاطفي القوي بأرض اسرائيل وبشكل خصوصيّ بأورشليم. وكان للايمان الديني فعله القوي ولمدة قرون من الزمن في تشكيل الطبيعة المحافظة ليهود زاخو، وكان واحداً من أهم الحوافز ـ حتى قبل تأسيس دولة اسرائيل رسمياً ـ في خلق هذا الارتباط القوي بأورشليم وأرض اسرائيل. هذا المزيج للايمان العميق للجماعة، مع الصهيونية، هو الذي هذّب وشكّل جماعة زاخو.
مثلما قال أحدهم الذي جاء من أورشليم في زيارة لزاخو بعد الحرب العالمية الثانية : " زاخو هي أورشليم كوردستان. لا يتجاوز عدد يهود زاخو 2500 فرداً. حقيقة أنهم يهود كوردستان الجبليين. المدينة تبعد حوالي 8 كيلومترات من حدود تركيا وحوالي 20 من حدود سوريا. العديد، آلاف من هذه الجماعة هاجروا بطرق مختلفة ووصلوا الى أرض اسرائيل. كثير من العوائل هاجروا سيراً على الأقدام، ويتمركزون بصورة رئيسية في أورشليم...ذاكرتهم الحية لصهيون وحبهم لأورشليم يحيا في قلب كلّ واحد من الجماعة.
يجد مائير زاقين أنه من الضروري التحسّر على ما تركته الجماعة خلفها ، والفراغ الذي تركته في حيوية الأماكن التي غادرتها، فيقول :
"إن هجرتنا آذت المسلمين الكورد فعلاً بأذى كبير، وأكرر : فعلاً. في باديء الأمر تصرّف بعض الأشخاص بسوء، ولكنهم حينما رأوا كيف أن اليهود قد تركوا المدينة وفرغت منهم فعلاً ، قالوا لأنفسهم : كيف تركت هذه الجماعة الرائعة المدينة، أين أعيادهم وأين محلاتهم وأين مقاهيهم وجيخاناتهم التي كنا نرتادها؟ أين ذهب كل ذلك الآن ؟".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتى لك اخى العراقى
على عجيل منهل ( 2015 / 6 / 25 - 19:28 )
موضوع شيق ولكنه مؤلم -كيف تم اقتلاع شعب ومكون مهم ضمن الشعب العراقى ترك اثارا مهمه سياسيه واقتصادية وفكريه عبر التاريخ العام للمجتمع العراقى المظلوم


2 - العراق يضحي بابنائه الطيبين دائما
سيلوس العراقي ( 2015 / 6 / 25 - 20:37 )
مرحبا أخي دكتور علي
نعم يا أخي ان طرد اليهود كان له الأثر الكبير على العراق من كافة النواحي : خسارة كبرى

أنا لا أفهم كيف يمكن لبعض العراقيين أن يفكروا بحذف العراقي الآخر لمجرد أنه يختلف عنهم ؟
ان هذه العقلية وطريقة التفكير لدى عديد من العراقيين هي التي جاءت بكل المصائب والخراب على البلاد: اليهود المسيحيين والايزيدية وقبلها الاكراد والتابعية الايرانية
ولم يقتصر ذلك على الاقليات بل تعداه لينكر ويعادي طرفي الاسلام الاكثري (سني ـ شيعي ) في العراق أحدهما الآخر، لا يطيق أحدهم الآخر بل يتمنى أحدهما القضاء ومحو الآخر
ان العراق مظلوم بشعبه
المجتمع العراقي بحاجة الى اعادة تأهيل جذرية وشاملة
تقبل تقديري لشخصك الرائع والنبيل

اخر الافلام

.. ctمقتل فلسطينيين في قصف جوي إسرائيلي استهدف منزلا وسط رفح


.. المستشفى الميداني الإماراتي في رفح ينظم حملة جديدة للتبرع با




.. تصاعد وتيرة المواجهات بين إسرائيل وحزب الله وسلسلة غارات على


.. أكسيوس: الرئيس الأميركي يحمل -يحيى السنوار- مسؤولية فشل المف




.. الجزيرة ترصد وصول أول قافلة شاحنات إلى الرصيف البحري بشمال ق