الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما أتحدث عن - الجزء الثاني : الحقيقة 2

مهاب مجدى يوسف
()

2015 / 6 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


* يُرجى قراءة المقال السابق أولاً لأنها مقالات تسلسلية :
www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=473166

إتفقنا في المقال السابق أن الحقيقة هي قياس للواقع ، و أن الحقيقة المطلقة هي المطابقة تماماً للواقع ، و أن الحقيقة النسبية هي التي قد تكون قريبة من الواقع أو بعيدة أو لا نعرف مدى قربها من الواقع لأنه ليس لدينا ما يساعدنا لمعرفة الواقع نفسه . ثم إنتهينا بالقول بأنه ظاهرياً نرى أن مقولة " الحقيقة نسبية " تهدم نفسها . و قد قابلتني هذه المعضلة منذ ثلاث سنوات ، عندما كنت أقرأ " برهان يتطلب قرار " لـ جوش ماكدويل ، و هذه كانت أول مرة أفكر في هذه النقطة ، وظلت تلك المعضلة تتحدى بقوة الإعتقاد بنسبية الحقيقة .

" تعتمد الفلسفة الهندية على الكشف وسيلةً إلى معرفة المطلق وعلى الفكر وسيلةً إلى معرفة النسبي . الفكر والمعرفة الفكرية لا يكفيان. فعلى الرغم من أن الفكر لا يخطئ كليًّا، لكنه لا يكفي. فلكي يعرف الإنسانُ الحقيقةَ عليه أن يحظى باختبارها فعليًّا. " [1]

كانت الكلمات السابقة هي أول ما ساعدني للتفكير أكثر في هذه النقطة بعد أن أشارت بوجود حقيقتين : الأولى عقلية فقط ، و الآخر هي تلك القابلة للكشف أو التجربة . بغض النظر عن قول الفلسفة الهندية أنها قد تصل إلى الحقيقة المطلقة ، لكن هذا لا يُغيّر أن هذه الكلمات ساعدتني لإكتمال نظريتي .

عندما نتحدث عن " الحقيقة نسبية " ، فهل نتحدث عن " الحقيقة العقلية فقط " أم " الحقيقة القابلة للتجربة " ؟؟؟

* إعتقاد شخص بأن الديانة الفلانية هي الحقيقة المطلقة !!
الإعتقاد الديني حقيقة عقلية فقط ، حيث أن الأفكار الدينية ذاتها غير قابلة للتجربة ، لذا إعتقاده بأنها الحق المطلق أعتقد أنه خاطئ ( دون الخوض في المعجزات لأن العديد من المؤمنين بأديان مختلفة لديهم مَن يحدث لهم معجزات ! )

* إعتقاد شخص بأن جميع البشر يموتون ، هل هذه حقيقة مطلقة ؟؟
هنا يمكننا التحدث ، في البداية يظهر أنه علينا أن نجيب على السؤال السابق بـ " نعم " ، لأننا بالفعل نرى جميع الناس يموتون ، و أن هذه حقيقة قابلة للتجربة . لكن دعنا نرجع لتعريف " الحقيقة المطلقة " و أنها ما هو مطابق للواقع 100 % ، حتى و إن إتفقنا على شكل الحقيقة لكننا لا نتفق على معناها ولا نعرف فعلياً ما هو " الموت " ، فهي حقيقة قابلة للتجربة لكنها ليست كاملة ، لأننا لا نعرفها 100 % ، نعرف جزء منها و هو أقرب إلى الواقع و هو أن " الجميع يكون معنا ثم يرحل " ولا نعلم هل هو يرحل إلى الفناء ؟ أم يرحل إلى الحساب بحسب الأفكار الدينية ؟ أم يرجع مرة آخرى للحياة ( تناسخ الأرواح ) ؟؟ لذا فهي حقيقة أقرب إلى الواقع ، لكنها غير مطلقة .

* و لكن هل هذا يحل معضلة " الحقيقة نسبية " ؟؟؟؟

بالتأكيد ، لأن النظرية ليست " الحقيقة نسبية " لأنها ليست كافية لتلخيص فكرتنا ، بل النظرية هي : " الحقيقة العقلية نسبية ، و الحقيقة القابلة للتجربة تكون أقرب إلى الواقع " . و بما أنه يمكن إعتبار نظريتنا هذه قابلة للكشف و التجربة مما نراه حولنا من إختلافنا على الحقائق العقلية فقط و إتفاقنا على الحقائق القابلة للتجربة التي " من الممكن " أن تكون أقرب إلى الواقع ، لذا يمكنا أن نقول أن نظريتنا ليست مطلقة لكنها أقرب إلى الواقع ...

أتوقع من يَقول : و لكن هذا ليس حلاً للمعضلة ! لأن نظريتنا مازالت غير مُطلقة !

ردي بسيط جداً : ما هو قد يكون مُطلق في حياتنا ؟؟

الحقيقة التجريبية ( 1 + 1 = 2 ) هل هذه حقيقة مُطلقة !؟ أعتقد لا ، لأننا إنطلقنا من إتفاقنا على مدلول الـ " 1 " و " + " و " = " و " 2 " .. ولكن لو إتفقنا على أشياء آخرى سنظن أنها مطلقة الصحة أيضاً ، و على سبيل المثال ( 1 + 1 = 10 ) كما في النظام الثنائي Binary System .
وإذا كان أمامنا " تفاحة " و " تفاحة آخرى " ، قولنا أنه أمامنا " تفاحتان " حقيقة غير مطلقة ! لأننا ليس لدينا معيار التفاحة الكاملة لنقول أن هذه تفاحة و أن هذه أيضاً تفاحة مثلها تماماً ، لنقول أنهما تفاحتان . و بإفتراض أن هناك معيار التفاحة الكاملة ، لا يوجد شيئان متطابقان تماماً بنسبة 100% ، فشكل التفاحة لا يمكن أن يكون مُطابق تماماً للآخرى ، و وزن التفاحة الأولى لا يمكن أن يكون نفس وزن التفاحة الآخرى ، هذا أصلاً إن كان لدينا وسيلة ما لتقول لنا ما هو الوزن بصورة مطلقة !
سأفترض أننا قمنا بوزن التفاحة الأولى على ميزان معين و كان الوزن 100 جرام ، بإستخدام جهاز أكثر حساسية سيكون 100.4 جرام ، بجهاز أكثر حساسية سيكون 100.43 جرام ، بجهاز أكثر حساسية أيضاً 100.4342785 جرام ، و بجهاز أكثر حساسية على الإطلاق سيكون أيضاً هناك أجزاء من الوحدات الصغيرة جداً قد تكون غير قابلة للقياس مثل : " nano – pico – femto " هذا يعني أننا لن نصل لقياس وزنها بدون أي نسبة خطأ ، ثم بعد ذلك نزن التفاحة الآخرى التي أيضاً لن نصل إلى وزنها بصورة مطلقة ، و أعتقد أن الوزن لن يكون متماثل أيضاً ! ثم نأكل التفاحتين و نكمل الحديث ...

لذا فليس لدينا ما هو " مطلق " ، لدينا ما هو مقبول أو أقرب إلى الواقع أو أقرب كثيراً إلى الواقع . حتى كلامي هذا غير مطلق ، فهو قد يكون أقرب إلى الواقع ، لكنه غير مطلق ، لأن اللغة نفسها التي أستخدمها غير قابلة لمعرفة الواقع تماماً ، بل نتفق على بعض التعريفات و نقط البداية محاولين معرفة الواقع و نصل إلى ما نسميه " الحقيقة " .

الخلاصة : الحقيقة العقلية الغير قابلة للتجربة نسبية ، و الحقيقة القابلة للتجربة قد تكون أقرب إلى الواقع .

_________________________________________
[1] تاريخ الفلسفة ، إبراهيم الزيني ، ص 58
.
.
http://www.facebook.com/mohab.magdy.youssef








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إسقاط مسيرة إسرائيلية بعد استهدافها في أجواء جنوبي لبنا


.. كيف ستتعامل أمريكا مع إسرائيل حال رفضها مقترح وقف إطلاق النا




.. الشرطة تجر داعمات فلسطين من شعرهن وملابسهن باحتجاجات في ا?مر


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا