الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العم يونس

كايد عواملة

2015 / 6 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سلة قش بها تمر عراقي.. مَنْ وسلوى وابتسامة.. وحضور ملائكي..
هكذا كانت صورة عمي يونس.

كنتُ طفلاً صغيراً حين رأيتُ عمي يونس لأول مرة.. لهجته الغريبة لم تكن كلهجتنا الأردنية.
أعجبتني الطريقة التي يلفظ بها كلمة "عيني".. والمن والسلوى التي كان يجلبها..
زارنا عمي يونس مرة أخرى يحمل أشياء العراق.. تمر ومن وسلوى وابتسامته ونقطة غائرة في حلقه عندما يضحك..
كنت قد كبرتُ قليلاً وقتها وأذكر أني سألت أمي لماذا يتكلم عمي يونس هكذا بلهجة مختلفة عنا.. أجابتني: "لأنه ساكن في العراق" ..
لم أسأل أكثر وافترضت من الطريقة التي كنا نتعامل مع عمي يونس أنه عمي العراقي شقيق والدي فأولاد أعمامي ينادونه "عمي يونس" وأولاد عماتي ينادونه "خالي يونس". أعجبتني فكرة أن يكون لي عم عراقي تماما كما في السندباد.. كنت أرى شيئاً من هذا المسلسل الكرتوني وقد صار حقيقة بين يدي كطفل.. "سندباد من بغداد"...
قلت بنفسي ربما من يعيش في العراق لفترة سيتكلم "بالعراقي"..
ما أجمل عمي يونس.. وما ألطفه.. كان العراق بالنسبة لي هو عمي يونس والتمر والمن والسلوى..
كبرت قليلاً لأكتشف أن "عمي يونس" لم يكن شقيقا لوالدي ولكنه صديق للعائلة منذ زمن..
لم يتغير شيء فقد بقي هذا الرجل بقلبي كما كان "عمي يونس".
كنت أسأله عن العراق فيجيب فأتخيل أنها كما كنتُ أشاهد بالمسلسل الكرتوني "السندباد"..
العراق.. النخيل
العراق.. التمر العراقي
العراق.. المن والسلوى
العراق.. برج بابل والساحر الذي حول ياسمينا إلى طائر.
العراق.. عمي يونس..
كل العائلة كانت تحتفي به وكان الكل يجد متعة بالحديث معه وبمجرد مجيئه كان الكل يستقبله ليقيم أياماً في ييوتنا.. وتملؤني سعادة غريبة لرؤيته..

عمي يونس مات بانفجر صاروخ بسيارته بالحرب الأمريكية على العراق..
كنت في أوائل العشرينات، أحزنني الخبر بالطبع. فكيف يموت السندباد وكيف يموت عمي يونس.. لعنت الحرب وأمريكا..

بعدها بأيام زرت عمي محمد وتحدثت عن عمي يونس لأتفاجأ أنه لم يكن يعرف بوفاته.. بكى عمي وقتها وشعرت أنا بالضيق فهذه المرة الأولى بحياتي التي أراه يبكي فيها فقد كان أكثر من أخ بالنسبة له.

يومها فقط عرفت أن "عمي يونس" كان شيعياً نعم كان شيعياً.. ببساطة لم يكن أحد يكترث لهذا لدرجة أني لم أعرف.. ما كان أحد يعنيه الفرق..
عمي يونس لم يكن فقط عمي العراقي فقط بل كان عمي العراقي الشيعي..
لم يتغير طعم المن والسلوى في فمي.. ولم يتغير السندباد.. وعمي يونس ظل عمي يونس.. ولكن العراق لم يعد كما كان..

كم سيلزمني من المن والسلوى والتمر العراقي لأوزعه على هذه الأمة لعلها تشفى من طائفيتها وعنصريتها والفرح بدماء طوائفها..
كم يلزم هذا العالم ليكف عن السؤال إن كان السندباد شيعياً أو سنياً..
كم يلزم هذا العالم من الحب ليعرف كم هو جميل أن يكون أبوك مسلما وله أخ بالرضاعة مسيحي..
وبماذا أملأ سلال القش لتتعلموا كلكم كيف تعيشون معاً بسلام ..
ولتعلموا كم هو جميل أن تكون من عائلة سنية ويكون لك عم شيعي كـ "عمي يونس"..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الشكل والمضمون
رائد الحواري ( 2015 / 6 / 26 - 17:40 )
نص يتألق فيه الشكل والمضمون، يذهلنا بلغته البسيط والسهلة، تجعلنا نعيد القراءة اكثر من مرة للاستمتاع وللتقدم اكثر من الفكرة، شكرا على هذا الابداع والعطاء


2 - مع احترامي
احمد علي الجندي ( 2017 / 7 / 26 - 15:28 )
فكرتك جميلة ولكن وجب يا اخي براي المتواضع ان تبين مقدار التسامح ف يالادرن بلد الامن والامان
ما اصده ان في الاردن شيء لا تجده في بقية المنطقة من تسامح ديني كبير ومحبة واخوة

اخر الافلام

.. دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس تعلن عن تأدية 40 ألف فلسطيني


.. خطيب المسجد الحرام: فرحة العيد لا تنسي المسلمين مآسي ما يتعر




.. مراسل العربية أسامة القاسم: نحو 1.5 مليون مليون حاج يصلون إل


.. مبعدون عن المسجد الأقصى يؤدون صلاتهم عند باب الأسباط




.. آلاف الفلسطينيين يؤدون صلاة عيد الأضحى بالمسجد الأقصى