الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القراصنة

هيثم بن محمد شطورو

2015 / 7 / 1
المجتمع المدني


كان القرصان في القرون الوسطى يمثل مصدر إرهاب عالمي. ذاك الجسد العملاق بوجهه الوردي اللون الغامق بفعل نسمات البحر و أشعة الشمس و الخمر و السمك. تلك الشوارب المبرمة أطرافها المرتـفعة إلى السماء، و تلك القبعة الحمراء الصغيرة الحجم على رأسه الموشاة بصورة جمجمة.
تلك الصورة التي تمثـلت الإرهاب في البحار بالنسبة للسفن، كانت تغذي مخاوف و احتياطات يبدو أن البشر لا يمكنه العيش بدونها. ذاك القرصان الممتلئ بالقوة و الحرية التي تمثل نقطة الجذب لتمثله. القرصان المتمرد على القوانين، القوانين التي تضعها بدورها القوة المسيطرة على الأغلبية و من حيث كذلك تستمد شرعيتها، و تـثير في نفس الوقت نزعات التمرد عليها. القرصان المسافر بحرية عبر البحار الممتدة دون حدود أو نهايات مرئية إلا على حدود الشواطئ الأرضية، ليقـتـنص الأصغر شانا من حيث القوة و الاستعداد للقتال و الامتلاء بروحية الحرية.
هنا، تكون الحرية لذة إرهابية. لذة مشوبة بالهواجس و المخاوف و القلق. ذاك انه لا حرية إنسانية دون قلق و توتر. ذاك القلق الذي يجيز لنفسه ان يحتل مجاميع النـفس فيحفزها لتـندفع الى تحقيق رغباتها دون حدود.
ذاك القرصان الذي انتهى وجوده تـقريبا بتطور الدول الى الأشكال الحديثة القوية بفعل الصناعة و التطور التـقني و الـتـنظيمي. ذاك التطور التنظيمي الهائل نفسه هو ما يخنق الأنفاس. و معلوم انه قضى على ظاهرة القرصنة و أشاع الأمان في البحار، لكن الحرية روح تغير مضامينها و جوهرها هو نفسه. جوهر الرغبة في ثـقب السماء. و فعلا ثـقب الإنسان السماء حين انتـظمت الأرض كثيرا بفعل الامبرياليات و خنـقت الحرية البدائية لديها. و تحول الإنسان إلى قرصنة الفضاء الشرعية و الحرية المشوبة بالقلق تحولت إلى أمجاد وطنية. و "يوري غاغارين" الروسي السوفياتي أول من وطأت قـدماه سطح القمر صنع له تمثال و هو الآن بمثابة أنبياء الشرق المكللين بالقدسية و المجد...
و هنا يتصل الرابط رغم التناقض. ذاك التناقض الذي يؤسس لانفصال الجريمي الإرهابي الامقبول الامعقول و الذي يكون شرا، عن الإبداعي و الخلاق و الشرعي و المعقول و بالتالي الخير. فـشتان بين القرصان و رائد الفضاء، برغم كونهما في العمق تمثل لجوهري أصيل واحد هو الحرية و القوة. انه تمثل الامبرياليات جميعها كذلك، و الحروب ما هي إلا صراع إرادات الحرية و القوة...
الفارق ان حرية القرصان و قوته تـنحصر لديه في مجموع القراصنة الذين يحتلون جزءا من الأرض بل جزرا يمكن تسميتها بجزر القراصنة، مثل جزر البهاما التي كانت ملتقى القراصنة في القرن 18. فأشكال الحرية تلك هي تجاه الأغلبية الساحقة من البشر فبقيت محصورة في طائفيتها برغم توسعاتها الكثيرة العدد أحيانا و لكنها دوما ضئيلة و بالتالي مآلها الانقراض حتما. ضآلة تمثيليتها تـزيد من توحشها و من التحاق كارهي مجتمعاتهم بمجتمع القراصنة. أولائك المتمردون على أنظمة مجتمعاتهم و طرق عيشها و جموديتها في الحياة. يلتحقون بمجتمعات القراصنة لذات الصفات من التوحش و القوة و الحرية التي تحقـق لهم ذاتيتهم فيه. ذاتيتهم بما هي شهوات الاغتصاب الجنسي الذكوري و الافتكاك و ممارسة السلطة بأقصر الطرق و بأشد أنواعها ملموسية و بدائية على ضحاياه من البشر، لأنه دون البشر لا يتأسس معنى لتحقيق ذاتيته.
و هذا هو بالتمام و الكمال ما ينطبق عليه الوصف بالنسبة للإرهاب الاسلاموي من الخميني كبير القراصنة إلى أسامة بن لادن إلى البغدادي. فوصفية الشر ،( و إن تحاول أن تشرعن نفسها كقوة خيرة باعتبار نفسها أقلية محبة إلى الله و تريد تطبـيق إرادته في الأرض و ذاك راجع أساسا إلى قوة النفاقية الكبيرة التي تـتميز بها المجتمعات الشرقية و العربية) لمجتمع القراصنة تغذي أقصى ما لديه من تمتع بأحقية وجوده كتحدي و ظلم من ظلمه ليس في شخصه بل في عنوانه. عنوانه الذي هو الإنسان العادي المجتمعي المتحضر، أو الأقل تحضرا و لكن بشكل عام هو العائش بأي شكل من أشكال الانسجام مع مجتمعه.
الانسجام الاجتماعي هو ما يؤرق القرصان، المجرم، الإرهابي. ذاك الانسجام يراه موتا له و تهديد لحريته و انتهاك لكرامته. ذاك الانسجام الاجتماعي هو ما يريد الانقضاض عليه و الفتك به. انه عدوه اللدود. و حين تتحدث المجتمعات عن الرحمة و الحب بين البشر يشعر القرصان الإرهابي المجرم بالغثيان و التـقـزز من البشر و الرغبة في التبول على المحبة التي يتحـدثون عنها. تلك المحبة التي افتـقدها و قلبه الذي احترقت فيه أحاسيس الشفقة أو تكاد. ذاك الانسجام الذي لا يرى فيه إلا اتـفاقا عاما على قهر رغبته في تحقيق ذاتيته، لا يراه إلا ظاهرا زائفا يخفي ورائه محقا لإرادته الشخصية و قهرا لذاتيته و قتلا لروح الحياة فيه...
و هنا و بالذات تتحقق مشيئة التاريخ في تحريك تياره الكهربائي بالموجب و السالب. فما لا تراه العين أمامها، تراه البصيرة و العقل. فأنت إن كنت على عتبة الوجود تـتلصص على معانيه، تـلمح بوضوح اتصال ما يتـفـق على كونه شرعيا في لحظة تاريخية ما بما هو امتداد زمني نحو المستـقبل بما هو كشف جديد و خلق جديد. انه هو الذي يتحقق و يمسح عـدوه الاشرعي.
فظاهرة القراصنة انقرضت الى الأبد. ذاك أنها ظاهرة الجهلة المشبعين برغبة الانتـقام من الماضي و المحاصرين بالتالي في ذاك الماضي. و كل من تعلقت همته بالماضي فانه لا محالة سيلتحق به موتا و انقراضا. لذلك لن تجد أي مجد للقراصنة برغم الهول الكبير و الرعب العالمي المهول الذي كانوا يشيعونه.
و بنفس المقاسات، فان الإرهاب الإسلامي هو في احد وجوهه البارزة عملية قرصنة عالمية. قرصنة على الحداثة و العالم المعاصر برمته. قرصنة على المجتمعات الآمنة، و على الأنظمة الموجودة. قرصنة على الانسجام الاجتماعي الموجود بما هو في تواصلياته الحبية و العلائقية و القيمية اضطهاد له بما هو كائن يحرقه احساس النقص تجاه المجتمع و يريد اثبات ذاته دون المرور على انتـقاد الذات بالوعي المعرفي المعاصر الذي هو وحده يحقق الانسجام. تجده يتصل بالوعي الماضوي الذي يريحه نفسيا بما هو قطيعة مع كل الحاضر، و بالتالي بما هو انـفصام شخصي له عن الحاضر و عدم تملكه لذاته فيغدو دون ان يدري مجرد قنبلة موقوتة حين تـنفجر لن يكون لديه أي إحساس بتحـقيق ذاتيته تجاه المجتمع. و بالتالي فان وضعية القرصان أفضل بكثير منه لأنه يحقـق رغبته في القوة و الحرية، أما الإرهابي الإسلامي فلا يحقـق إلا تحرره من الحياة برمتها بوهم إن له حياة أخرى..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أعمال العنف ضد اللاجئين السوريين في تركيا.. من ينزع فتيل


.. تركيا وسوريا.. شبح العنصرية يخيم وقطار التطبيع يسير




.. اعتقال مراهق بعد حادثة طعن في جامعة سيدني الأسترالية


.. جرب وحالات من التهابات الكبد تنتشر بين الأطفال النازحين في غ




.. سوريون يتظاهرون ضد تركيا في ريف إدلب