الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غياب ملكة العقلانية لدى الشعوب المتخلفة

عماد صلاح الدين

2015 / 7 / 2
التربية والتعليم والبحث العلمي


غياب ملكة العقلانية لدى الشعوب المتخلفة

عماد صلاح الدين

يتحدث الدكتور غوستاف لوبون، الطبيب والفيلسوف الفرنسي المعروف، في كتابه (روح التربية)، عن أن هناك روحا عامة لكل امة ومجتمع إنساني، تتكون هذه الروح من جملة النشاطات والحراكات الإنسانية عبر أجيال وأجيال، تتحول فيها عادات وتقاليد راسخة في اللاشعور، بعد أن تلقاها وتعامل معها الشعور، لفترات طويلة حتى استقرت.

وهذه الروح المتكونة، تتداخل فيها نسبية الإيجاب والسلب، بحسب اتجاه الإرادات الفردية والمشكلة للمجموع، وماهية الأحوال وفارضية الحقائق، ليكون هناك في جيل ممتد ما قد حضرت روح الإيجاب أو السلب، في قيم المثابرة، والصبر، والانضباط، والعزم، والمبادرة، وغيرها.

إنها الأخلاق، التي يركز عليها الأستاذ لوبون، والتي يعتبرها المعيار الحقيقي للنهوض أو عدمه، للتقدم أو التراجع.

والأستاذ جوستاف لا يعتبر الذكاء العقلي أو التعليم، المعيار الأبرز المباشر في منظومة قيام المجتمعات وسيرها الحثيث، نحو التميز والإبداع، في غير مجال من مجالات الحياة.

ويستشهد الدكتور لوبون، على مقولته الفكرية والحضارية، بالمثل الانجليزي والفرنسي، في قرون الثامن عشر والتاسع عشر ومطلع القرن العشرين المنصرم؛ حيث أن الانجليز كانت لديهم روح ايجابية، ناتجة عن منظومة الالتزام بالتربية القيمية والأخلاقية، التي أورثتهم وأعطت أجيالهم المتعاقبة ميزات المبادرة والاحتمال والشجاعة والانضباط والاستمرارية، وبالتالي تكوين الشخصية الانجليزية المتكاملة الواعية؛ أولا في أساسيات العقلانيات والمنطقيات في التعامل مع عموم المحيط الإنساني وتفاصيله المجالية والاختصاصية، سواء في التعليم أو الصحة أو العسكرية أو في الصناعة والإنتاج في غير حقل، وثانيا لتتحول هذه القدرة الواعية للأشخاص وعموم المجتمع إلى حالة في اللاوعي الشعوري؛ والتي هي التربية الايجابية للإنسان في فن تحويل الشعور إلى اللاشعور بالتراكم والاستمرار.

بينما يجد الفيلسوف لوبون أن الأمة الفرنسية، وان كانت لديها نفقاتها الهائلة على البرامج التعليمية، التي قد تضاهي وتقترب من تكلفة الإنفاق الرسمي على التعليم وبرامجه في كل من ألمانيا وانجلترا في القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين، إلا أن مردود التعليم وبرامجه في فرنسا لا يتناسب مطلقا مع كم التكلفة عليه، ومردوده فاشل ومحبط بالقياس إلى الجني الايجابي والرائع في تلك الفترة لبلاد الألمان والانجليز بهذا الخصوص أو بالنسبة للأمريكان وبما لا يقاس بالنسبة للأخيرين سواء على مستوى الإنفاق أو الجني ولكن الإيراد هنا لفارقية المنهج والأسلوب الباثق للإنسان وصانعه؛ سواء على مستوى اللغويات أو عموم الاجتماعيات والإنسانيات، أو في تخصصات التجريد العلمي وتطبيقاتها المتعينة في الرياضيات، والفيزياء، وعلوم الطب، والأحياء، والكيمياء، ومجمل الصناعيات الأخرى.

ذلك كله، يعود إلى طبيعة المناهج في التربية والتعليم، في كل بلد من تلك البلدان. وليس بسبب برامج التعليم فيها؛ حيث أن المنهج التربوي والتعليمي، هو العلة الأساس في تكوين شخصية الإنسان، وروح مجتمعه الجمعية؛ سواء نحو التميز، أو نحو التدني والانحطاط.

فالمنهاج الذي يكون أساسه خلقي قيمي، يهدف إلى تحقيق الطاقات الإنسانية الكامنة، واقعا ملموسا في التفاعل مع كافة مستويات الإنسان، ومجاله بالخصوص وعلى وجه العموم، ضمن الدوائر التي يتواجد فيها، يؤدي إلى انبثاق الإنسان الباحث عن الحقيقة وعن التطور والنمو وتحقيق السعادة الحقيقية له، مهما كانت الصعوبات وطبيعتها الواقفة أمام تحقيق تلك الأهداف المتوخاة، وليس إلى انبثاق الإنسان المختل والتائه في غياب بنية إنسانية متكاملة، تعمل على قياده بالشكل الصحيح في الحياة.

ذلك، أن حضور تلك البنية أعلاه، يؤدي إلى حضور الوعي المدرك في كليته المتوازنة، والذي يستطيع هضم مدخلات الفاعلية الإنسانية بالطريقة المناسبة أو الأنسب كيفما اتفق، مهما كانت الإمكانيات والماديات متواضعة، مما يترتب عنها نتائج مؤهلة للتقدم إلى الأمام والى مواصلة التراكم في كل مجال، واكتشاف وسبر غور نقاط وتفاصيل جديدة ونوعية، بسبب هذا الحضور الواعي، والذي ستتحول مخرجاته في النهاية إلى حالة كمون لاشعوري، يترجم نشاطا ومثابرة وعطاء، وضمن منهج خلقي منضبط وتلقائي، في عموم السياق وكينونة المشهد الإنساني الحضاري.

أما في غياب البنية الإنسانية التكاملية، التي تحول التربية إلى فن تحويل وتحوير الشعور إلى اللاشعور، في الممارسة بالتتابعية السلسة والمرنة، فان الإنسان والمجتمع في بيئة ما، ستجد أن لديهما ثروات ومقدرات في الطبيعة الكائنة، وستجد أن لديهما نوعيات من الذكاء الإنساني، بل والشجاعة المقدمة ضمن لحظة وحاجة وفرصة ما.

لكن غياب المنهج ومنظومة الخلق والقيم المطلقة لقدرات الإنسان الكامنة، في إطار فاعل من تكون الشخصية، ومن ثم توفر الملكة اللازمة لتلك التلقائية المبدعة، أدى ويؤدي إلى هدر الطاقات الإنسانية، والى تضييع الإمكانات والاستثمارات المختلفة في التربية والتعليم وغيرها، على رغم تشابه أو تضاهي التكاليف والنفقات على هذا المجال أو ذاك بين الدول المختلفة.

ذلك أن النفس الغائبة عن الحضور الحقيقي، لا تستطيع أن تدرك التفاعلات والتداخلات الإنسانية بالمعنى الحضاري، فكيف لها أن تحول هذا المباشر إلى غير مباشر في العطاء والإنتاج والتنمية الحقيقية.
وفي العالم العربي والخليجي على وجه الخصوص، يتم إنفاق كثير من المقدرات والإمكانات والثروات على برامج شكلية في التربية والتعليم والصحة والصناعات التكنولوجية، لكن دون تحقق نتائج مرجوة في تقدم الإنسان ورفعته.

يتعامل العالم العربي مع آخر صرعات التقنية الغربية والأمريكية، لكننا نراه يتراجع يوما عن يوم، والسبب أن الإنسان غائب أو مغيب، بسبب غياب منهج الرؤية الخلقية الحضارية، لتكوين شخصية الإنسان وروح مجتمع واع، يستطيع التفاعل مع الذات والموضوع إيجابا، في بيئة إنسانية تقدر الإنسان وحريته وكرامته، في المفهوم والممارسة العملية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما تعلمه المدرسة في سنوات يطيره رجل الدين بساعة
نور الحرية ( 2015 / 7 / 3 - 11:57 )
الموضوع يستاهل اكثر من مقالة وايضا كثيرا من التعمق تحياتي للكاتب

اخر الافلام

.. فرنسا: انقسام الجمهوريون وأمل تبعثه الجبهة الشعبية الجديدة


.. هل تتجه فرنسا نحو المجهول بعد قرار ماكرون حل البرلمان وإجراء




.. حزب الله.. كيف أصبح العدو الأكثر شراسة لإسرائيل منذ عام 1973


.. ترامب ينتقد زيلينسكي ويصفه -بأفضل رجل مبيعات-| #أميركا_اليوم




.. تصادم قطارين في الهند يودي بالعشرات