الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التفاح العبري وهريسة الإمام الحسين

سيلوس العراقي

2015 / 7 / 3
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


التفاحة (وهي : ت فّ وَّ ح بالعبرية ת-;-פ-;-ו-;-ח-;- ) كانت تعتبر في عدد من الحضارات ولدى بعض الشعوب، رمزًا للشهوة والرغبة .
ففي الحضارة الرومانية مثلاً ارتبطت التفاحة بالإلاهة فينوس إلاهة (أو إلهة) الحب .
ويُلاحظ في قلب التفاحة ، في مقطعها العرضي خمس بذور على شكل (بنتاجرام) خماسيّ ، تتوافق وتنسجم رمزيًّا مع الجنس البشري في:
أصابع كفه الخمسة،
حواسه الخمسة ومع
أطراف جسمه الخمسة الظاهرة (الرأس ـ الرجلان ـ الذراعان).
تجتمع هذه الترابطات في إعطاء تكافؤ وتساوٍ رمزي للتفاح مع شهوانية الكائن البشري، الانسان.

يشير كتّاب الكتاب المقدس العبري إلى عبير التفاح والى طيب مذاقه والى شكله. فيقارن الحبيب ويصفه بعبير التفاح ،
"فيكون ثدياك لي كعناقيد الكرم
عبير أنفك ِ كالتفاح" نشيد 7 : 9
والابن الحبيب الى رائحة الحقل المباركة ، والحقل التي يعتبرها الرابيون بستان التفاح.
والحكيم جامع سفر الأمثال في 25 : 11 يقارن الكلمة ويشبهها بالتفاح
" الكلمة التي تقال في حينها،
تفاحة من ذهب في وعاء من فضة".
يُعثر على التفاح كموديل فني في الرسومات والتزيينات الفنية منذ أزمان قديمة، كتابية وسابقة لها.
بالرغم من أن كاتب سفر التكوين لا يحدّد نوع وأسم الثمرة (لا التفاحة ولا غيرها) بل يشير الى جنس الثمار باستخدامه العبارة العبرية (ف ر ي פ-;- ר-;- י-;- التي تعني ثمرة) كثمارٍ للشجرة التي حُرّم على آدم الأكل منها.
نرى بأن التقاليد الفلكلورية غير اليهودية ارتأت أن تكون التفاحة كثمرة للشجرة المحرّمة في جنة عدن.
بينما نظر التقليد اليهودي الى التفاحة نظرة ايجابية.
فنرى الرابيين يقارنون ويشبّهون شعب اسرائيل بشجرة التفاح:
" كأزهار التفاح قبل أن تتحول الى أوراق، هكذا شعب اسرائيل استيقظ (وقبِلَ) الأعمال الحسنة قبل أن يتمتع بتنفيذها ، حين قال:
"كلّ ما أمر به الربّ سوف نطيعه ونعمله" (شبّات 88a)، ( خروج 24: 7).
كما أن الرابيين شبّهوا جبل سيناء بشجرة التفاح:
"تماماً مثلما تنضج ثمار شجرة التفاح في شهر سيفان كذلك تمت عطية التوراة في شهر سيفان".
فالنشيد 2: 3 يقول :
"كالتفاحة في أشجار الغابة
حبيبي بين البنين،
في ظلّه اشتهيت فجلستُ،
وثمره الحلو في حلقي..."
يشرح الرابيون هذا بطرقة رمزية على أنه يشير الى جبل سيناء، والحبيب يشير الى الله حبيب اسرائيل. وثمره الحلو هي كلماته ووصاياه ـ توراته.
واليهود الاشكيناز يأكلون التفاح في عشاء الفصح، استنادًا الى رواية ـ ليجندا ـ تقول بأن النساء العبرانيات ذهبن واختفين في بساتين في مصر ليلدنَ أبكار رحمهنّ خفية، لينقذوا أبكارهنّ من قرار فرعون مصر المجرم بقتل أبكار الاسرائيليين من الذكور.
تستخدم جماعة حركة القبالة الصوفية عبارة "بستان التفاح المقدس" في وصف القداسة القصوى التي بامكان الانسان المَؤّيت أن يحصل عليها. وهذا يشير الى الشكيناه (سكنى الله ) التي تعبّر عن الجانب أو المظهر الأنثوي لله.
المتصوف اليهودي اسحق لوريا ألّف ترنيمة لليلة الجمعة (السابقة للسبت) ومطلعها :
"أغني بترانيم
لأدخل بوابات حقل تفاح
القديسين" .
ولسبب شكل التفاح التامّ ، وحلاوة مذاقه، وعبيره، أصبح رمزًا للجمال والحلاوة والأمل بالازدهار. كما أنه يعتبر من واحد من الثمار الأكثر قوة .
لذلك تغميس التفاح في العسل أصبح من مميزات مائدة الطعام في عيد الروش ها شّنه ـ رأس السنة العبرية، ليعطي معنى الأمنية والتمني بالازدهار والحلاوة للشعب في السنة الجديدة.

التفاح في عيد الفصح اليهودي :
هناك طبق تقليدي من ضمن أطعمة عيد الفصح وهو خليط ثمارٍ مع الجوز يسمى بـ (حَروسيت ח-;-ֲ-;-ר-;-ֽ-;-ו-;-ֹ-;-ס-;-ֶ-;-ת-;-).
والأسم حروسيت مشتق من الكلمة العبرية حيريس cheres ومعناها الـ (طين) ويشرح لون هذه المادة معنى العبارة ، مشيرًا الى الأعمال الشاقة التي كان على الاسرائيليين القيام بها والى قساوة العبودية.
والتقاليد الربانية تربط الفواكه التي في الحيريس ـ الطين ـ مع نشيد الاناشيد 8: 5 : تحت شجرة التفاح ايقظتك، هناك كانت أمك ولدتك.
وبحسب التقليد الرابيني فان هذا يشير الى الألم والعبودية التي تعرضت لها الأمهات اليهوديات، الأمر الذي اضطرّ بعضهن اللجوء الى الحيلة كما ذكرنا للتخلص من أمر فرعون مصر بقتل كلّ مولود ذكر اسرائيلي في مصر (خروج 1: 16)، فقمن بولادة مواليدهم الجدد في بستان للتفاح.
فالمعانات والصعوبات المُرّة للعبودية يتم تخفيفها في بهجة خلاص أبناء اسرائيل من قبل الههم الذي حررهم من العبودية. ويتم إظهار هذا التحرر خلال (سيدر) الفصح بطرقة رمزية ، بعمل ساندويش من خبز فطير (من دون خميرة) يحتوي على أعشاب مُرّة ، يتم تغميسه في الحروسيت الحلو .
طبق حروسيت اليهود السفرديم التقليدي يتألف من : التفاح ، الكمثرى، الزبيب، التين، عصير برتقال، نبيذ أحمر، صنوبر، قرفة. ومن الواضح أنه أغنى من الطبق الاشكينازي.
أما طبق حروسِت اليهود الاشكينازيم التقليدي فيتألف من: التفاح، الجوز، نبيذ أحمر، القرفة.

بين الحروسيت الفصحية والهريست الحسينية :
بالرغم من أن موضوع المقال هو حول ثمرة التفاح ، لكن سنختمه بتساؤل ينطلق من العبارة اللغوية العبرية لطبق (الحروسيت) يفتح المجال لتساؤلات لغوية ايتيمولوجية ودينية مقارنة :
أليست عبارة (حروسيت) العبرية قريبة جدًا من تسمية طبق الهريسة ـ (هريست) الحسين الشيعية ؟
هل العلاقة بينهما لفظية فقط أم دينية أيضاً ؟
هل هاجر طبق (الهريسة) من مجموعة دينية الى آخرى ؟
هل رمز الغمّ والضيق والآلام في طبق الحروسيت ( ذي لون وقوام الطين) العبري بمذاقه الطيب ، يتوفر في أصول ودلالة ورمزية عادة المسلمين الشيعة في أكل طبق الهريسة التي يطلق عليها هريسة الحسين ؟
علماً بأن مذاق (حروسيت) الحسين طيبة هي الأخرى، بالرغم من أنه ليس من مكوناتها الثمار والجوز والنبيذ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الى جوزيف بطرس
سيلوس العراقي ( 2015 / 7 / 3 - 18:42 )
مرحبا
نعم سيد جوزيف
تماما مثلما قلت
إن الآرامية في غالب مفرداتها قريبة من العبرية
وهذا أمر لا نقاش فيه
شكرا لمرورك وتعليقك


2 - عادة مشتركة : يهودية مسيحية شيعية
سيلوس العراقي ( 2015 / 7 / 3 - 18:56 )
الاخ جوزيف
بالنسبة للهريسة
فلدى المسيحيين أيضاً هريسة
في الموصل مثلاً ،
في يوم الجمعة العظيمة يأكلون طبقاً يسمى بالهريسة
أو هريسة الآلام (حبية وعدس وحمص ..) ويشربون معه قليلا من الخل

أعتقد أن الهريسة، الحروسيت لها ذات المغزى الديني لدى اليهود والمسيحيين والمسلمين الشيعة
ولكل منهم ترمز الى حادث ديني خاص يسترجعونه ويستذكرونه بواسطة الطقوس والرموز وكذلك من خلال طبق خاص يتناولونه وكأنه عملية اشتراك جسدي عضوي بالاضافة للاشتراك الروحي والديني الاحتفالي للحدث التاريخي
تحياتي لك


3 - التراث الديني وعادات الأقوام
سمير فاضل ( 2015 / 7 / 3 - 22:40 )

وكذلك 12 امام معصوم عند الشيعة ونفس العدد لتلامذة يسوع المسيح و نفسه في الديانه اليهوديه للنبي يعقوب اثنا عشر ابناً ~ أحدهم يوسف ~ وبنتاً واحده وأولاده يدعون بني إسرائيل

رغم بُعد الفواصل الزمنيه لظهور الاديان نلاحظ أن بعض جوانب عادات الأقوام الاجتماعيه والثقافيه وتراثهم الديني على اختلافه تأثرت وأثّرت ببعضها لعيشهم منذ آلاف السنين في أرض جغرافيه متجاوره
ومتداخله

تحياتي للأخوين سيلوس وجوزيف


4 - البيئة واحدة
سيلوس العراقي ( 2015 / 7 / 3 - 23:30 )
الاخ سمير فاضل
شكرا لمرورك والتعليق
نعم ان التأثير واضح بين عادات أتباع الاديان الثلاث في بعضهم
تقبل تقديري
وتحية


5 - السفرجل الآرامي هو التفاح الكتابي
سيلوس العراقي ( 2015 / 7 / 4 - 10:08 )
ان التفاح أو التفاحة بالآرامية ليست (تفوّح) العبرية
بل تستخم الارامية عبارة
ܚ-;-ܰ-;-ܒ-;-ܽ-;-ܘ-;-ܫ-;-ܬ-;-ܳ-;-ܐ-;-
حبوشتو
أو
حبوشو و خبوشو
التي تعني في العبرية
ח-;-ב-;-ו-;-ש-;-
سفرجل
فربما تكون الثمرة التي كانت في أرض اسرائيل ( أرض كنعان ؟) حين خروج الاسرائيليين من مصر والتي يذكرها الكتاب المقدس هي السفرجل وليس التفاح بحسب الباحثين في علوم النبات وتاريخ النباتات في حوض البحر المتوسط


6 - شكراً جزيلا
nasha ( 2015 / 7 / 4 - 11:06 )
شكراً جزيلا استاذ سيلوس على هذه المعلومات التي تقدمها في مقالاتك والتي تكشف جزء من ملامح الثقافات الانسانية وتفاعلاتها التي كانت سائدة سابقاً.
وتظهر مدى التقارب بين شعوب الارض في التفكير.
كما وتساعد مقالاتك الى احترام الكتابات القديمة وتبين قيمتها الادبية والتي في كثير من الاحيان تبدوا تافهة للقارئ السطحي الذي يفهم النص بحسب ثقافته ولغته واعتماداً على الترجمة التي تسلب بريق ومغزى النص الاصلي
شلاما


7 - الاخ ناشا
سيلوس العراقي ( 2015 / 7 / 4 - 12:21 )
مرحبا
ويسعدني مرورك وتعليقك وبالأكثر يسعدني اهتمامك بهذه المقالات
من التراث الكتابي واللغوي الانساني
ترقب الكثير من هذه المقالات التي تبحث في الارث الكتابي والثقافي لحضاراتنا وارثنا القديم
الغنية جداً
وللأسف فان الاوربيين والمستشرقين والباحثين الغربيين يعرفونون قيمتها ويجدون فيها كنزاً
بينما لاخوتنا الناطقين بالعربية (للأسف الشديد ) فانها لا تعني لهم شيئاً
لكن يكفي أن البعض من امثالك لهم هذا الاهتمام المعرفي والثقافي
تقبل تقديري وتحياتي


8 - تحياتى لك -وهذا خبر مفرح سرنى اليوم
على عجيل منهل ( 2015 / 7 / 4 - 12:26 )
عراقيا تبرع بثلاثة ملايين باوند أخيرا لمنح زمالات علمية للتلامذة العراقيين الفقراء. واصلت قراءة الخبر فوجدت أن هذا المحسن الكبير هو الدكتور نعيم دنكور، حفيد الحاخام دنكور، رئيس حاخامي الطائفة الموسوية في العراق في الأيام الغابرة، أيام الخير. لهذا الرجل وعقيلته الفاضلة التي فازت في الأربعينات بلقب ملكة جمال العراق، أياد طولى في مهمات الإحسان، والجامعات البريطانية مدينة له بالكثير من مشاريعها.
بيد أن هذا التبرع الأخير يستحق تقديرا خاصا؛ فهذا الرجل صمد وبقي في العراق حتى الستينات، ولكن الضغوط والاضطهاد الذي ظل اليهود يواجهونه في العهد الجمهوري لم يترك خيارا لهذه --العائلة العراقية الأصيلة غير الهجرة، فرحلوا إلى بريطانيا. ولكن قلوبهم ظلت مشدودة إلى العراق لم ينسوا العراق ولن ينساهم - خالدالقشطيني
-


9 - شكرا لنعيم دنكور
سيلوس العراقي ( 2015 / 7 / 4 - 13:02 )
عزيزي الدكتور علي
مرحبا
وشكرا لمرورك وللخبر المفرح
الذي يشكر على فعله الطيب السيد دنكور
في الوقت الذي ننتظر فيه الحكومة العراقية والمليارديرية من حكام اليوم
أن يلتفتوا الى ملايين الشباب العراقيين ورعايتهم بأموال العراق الغني
لانقاذهم من الضيق والضياع والانحراف وتوجيههم لما هو خير لمستقبل العراقيين والعراق

تحياتي لك وتقديري أخي دكتور علي

اخر الافلام

.. ctمقتل فلسطينيين في قصف جوي إسرائيلي استهدف منزلا وسط رفح


.. المستشفى الميداني الإماراتي في رفح ينظم حملة جديدة للتبرع با




.. تصاعد وتيرة المواجهات بين إسرائيل وحزب الله وسلسلة غارات على


.. أكسيوس: الرئيس الأميركي يحمل -يحيى السنوار- مسؤولية فشل المف




.. الجزيرة ترصد وصول أول قافلة شاحنات إلى الرصيف البحري بشمال ق