الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الحج وأضحية العيد

عبد اللطيف بن سالم

2015 / 7 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


(أليس من العادات ما يصير طبيعة ثانية؟)

أليس الإدمانُ على أيٌ شيء خطرا على الشخصية ويحدٌ من نموها الطبيعي مثل ما هو الإدمان على الأفيون أو أي نوع آخر من المخدٌر؟ إنه يتملٌك المرء من أوله إلى آخره ويستولي عليه من قمة رأسه إلى أخمس قدميه دونما وعي به حتى يصير عبدا له وليس ملكا لنفسه أو لنقل بشكل آخر : إن العادة تصبح طبيعة ثانية مهما كان نوعها كما يقال في العلوم الإنسانية، وبالتالي فلم يعد المرء بقادر على التخلص منها إلا بصعوبة كبيرة فتصبح نوعا من الاستبداد اللاواع به بالشخصية ومن الأحسن التحرٌر منه - إن أمكن - للضرورة ومن أجل تطور أفضل في مقوماتها ومكوناتها الخصوصية . إنه من مثل هذه العادات والتقاليد المتحكمة فينا ما هوديني ومنها ما هو دنيوي . مما هو دنيوي أمور كثيرة لا نكاد نحصيها عددا مثل التدخين بأنواعه وتعاطي المخدرات المختلفة كنا قد تعرضنا إليها في مقال سابق بمجلة " حضر موت " التونسية تحت عنوان ( وهل من أطباء للمجتمعات المريضة ؟ ) ومما هو ديني مثلا والذي يهمنا الحديث فيه هنا الآن في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها العالم العربي هو الحج إلى بيت الله الحرام في كل سنة لمآت الآلاف من المسلمين من مختلف أصقاع الدنيا وذبح ملايين الخرفان مرة واحدة في يوم واحد في ما يعرف بيوم عيد الإضحى من كل سنة أيضا من سنيي العالم الإسلامي ولا أظن أن هناك عددا كبيرا ممن يتساءل مرة أو في غير مرة لماذا هو يفعل ذلك دائما ؟ .
كان للحج هذا أسباب تشريعه ركنا خامسا للإسلام كما هو الحال بالنسبة لبقية الأركان الأخرى لكل واحد منها أسبابه :( الشهادتان) ليعترف الشخص بأنه مسلم و( الصلاة) للحد من شوكة العرب في ذلك الوقت وإخضاعهم لإرادة الله وحده و ( الزكاة ) لجمع الأموال لبيت مال المسلمين للأخذ بيد الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وغيرهم من المحتاجين و( الصوم) ليحس الناس بآلام الجائعين في الدنيا فيفكروا فيهم و يعملوا على مساعدتهم في كل حين (وكما هو الحال أيضا لآيات القرآن الكريم إذ أن لكل آية أسباب نزولها ونكاد لا نفهم منها شيئا لولا العودة إلى تلك الأسباب وتحليلها .) وأهم هذه الأسباب بالنسبة للحج أن السعودية في ذلك الزمن من الجاهلية وبداية ظهور الإسلام كانت تعاني من الفقر المدقع والحاجة الملحة مما كان يضطر أهلها إلى الاقتتال في ما بينهم لتأمين العيش لمن يبقى منهم على قيد الحياة بعد الاقتتال وذلك في ما كان يُعرف قبل مجيء الإسلام بالغارات وعند ظهوره بالغزوات وفي ما بعد ذلك بالفتوحات لهذا قد فُرض الحج ركنا من أركان الإسلام لتأمين رزقهم بواسطة تلك المناسبة من كل سنة والتي تعوٌض بشكل ما سوق عكاظ التي كانت لهم في جاهليتهم موردا بسيطا للاستمرار في عيشهم إضافة إلى ما كانوا يحصلون عليه من رحلة الشتاء والصيف من كل سنة والآن وقد ظهر النفط ومواردُ رزق أخرى عندهم وتحسنت بالتالي أحوالُهم حتى أنهم لم يعودوا في حاجة إلى أحد بل هم الذين صار باستطاعتهم اليوم - إذا أرادوا - أن يساعدوا غيرهم، لم يعد بالتالي للحج من سبب وإنه إذا مازالت الأسباب تزول النتائج (الظواهر) أو تزول على أقل تقدير في مثل هذه الظروف الاستثنائية والصعبة التي تمر بها بلداننا العربية ...

أما عيد الأضحى فكان له سببُه أيضا في تلك القصة الواردة علينا من القرآن الكريم حول إبراهيم المعروف بجدٌ الأنبياء والرسل في ذلك الزمن و الذي رأى في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل فلمٌاهم بذبحه في اليوم التالي تنفيذا لما رأى في منامه جاءه الله بذبح عظيم كبش فداه به ثم دخلت عادة الذبح هذه في السيرة النبوية واتبعه فيها المسلمون من بعده ، والآن وقد مضى على هذه الحادثة المقصوصة علينا من النبي أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمن ألم تكن الظروف قد تغيرت وتلك الأسباب قد زالت ( وأن هذه الأضحية في الحج قد استُبدلت بمُقابلها من المال ما يؤكد أن الظروف قد تغيرت بالفعل وتغير معها سلوك السعوديين المعنيين أكثر بهذا الأمر أنفسهم فلماذا لا يغير باقي المسلمين أيضا من سلوكهم ويكفٌوا عن هذه العادة ( على الأقل في مثل هذه الظروف الاستثنائية ) ؟ ألم يرد في كتابه االعزيز: ( إن الله لا يغيٌر ما بقوم حتى يغيٌروا ما بأنفسهم ... ) ؟ أم أن السعودية لا تزال إلى اليوم على حالها القديم من الفقر المدقع والحاجة الملحة وأن جميع المسلمين لا يزالون إلى اليوم يرون في المنام أنهم يذبحون أبناءهم وينتظرون من الله أن يبعث لهم بالقطعان من الأغنام من إسبانيا أو من رومانيا أو من غيرهما من البلدان لاستفدائهم ؟ ألسنا – في الحقيقة – نفعل كل هذه الأمور بسبب التعود ونقوم بإنجازها عن غير وعي كامل بأسبابها أو بقتضيات وجودها الصحيحة ؟
_ هل نحن مخدٌرون ؟
ألا أيها الذين آمنوا انتبهوا وعوا وتحرٌروا واعلموا أن :
. الدين حرية أو لا يكون كما يقول شيخنا التونسي محمد الطالبي .
. ودين الله يسر وليس عسرا أبدا .
. وإن الله يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر أبدا .
. ولا تحرُموا أنفسكم من حقكم - كغيركم من البشر – في الإبداع في هذه الدنيا في مختلف المجالات لتنهضوا بأنفسكم وتُواكبوا بالفعل حضارة عصركم حتى لا تبقوا دوما مستهلكين من طرف غيركم كالأنعام أو أضل سبيلا . أم أن البذخ قد أعمي بصائركم فلم تعودوا ترون شيئا خارج أنفسكم . هل يصدق فيكم حقا قول ذلك الرحالة البريطاني فيلفرد تسيخار: "إن للعرب القدرة على تجاوز المحن لكن رخاء العيش يجرهم إلى الانحطاط دائما "
إنه لا إبداع لأحد في هذه الدنيا إلا إذا كان متحرٌرا من نفسه ومن غيره وواعيا بحريته ومسؤولا عنها كما ينبغي ويعمل بإرادته الإنسانية الخاصة به دون أيٌ ضغط عليه من الداخل أو من الخارج .
هكذا يشارك الناس في صنع هذا العالم ويستمتعون بصنعه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah