الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نيتشه مرحا...

الشدادي عزالدين

2015 / 7 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


نيتشه مَرِحا..
عزالدين الشدادي /أستاذ الفلسفة




"...هل سبق لنا أن اشتكينا من كوننا أسيء فهمنا ، أو لم يُتعرف علينا ، أو لم نُميز من آخرين، أو افتري علينا ، أو أسيء سماعنا أو لم نسمع قط ؟؟ هنا بالضبط يكمن نصيبنا...وهنا كذلك يكمن سمونا... "
هكذا أعلن نيتشه عن مرحه بعد سنوات عجاف من اللامرح واللافرح ، فقد كتب لنا نحن الباحثون عن الحكمة أن لا نتعرف على ذواتنا ، لأننا لم نبحث عن أنفسنا يوما، إننا نسير في القفائر مثل النحل ، ونحن نجمع عسل العقل همنا الوحيد إجمالا هو العودة بشيء من الغنيمة ، لكن الغنيمة هذه المرة " مرح بطابع خاص" سطره نيتشه في سنواته الأخيرة بعد إقامة طويلة بمدينة جنوة بإيطاليا ، وبعد فترة نقاهة وقطيعة، فكان المرح إعلانا بهبوب رياح " هكذا تكلم زرادشت" ، فلا صداقة هنا ظلت ولا حب كما تم تصوره ، بل صار الكل مرحا .
إن مرح نيتشه وكما يصوره هو نوع من الشعر والنثر ، فقد ابتدأه شعرا واختتمه شعرا ، فقال في بدايته :
تعلموا أن تذوقوا من طعامي، أيها الاكلة
غدا سيكون طعمه أفضل
وبعد غد سيبدو لكم أحسن
وحوله في نهايته إلى إكليل قائلا :
خذي إلى الأعلى هذا الإكليل
لقذفه عاليا، بعيدا كذلك
على درجات السماء حلقي
انصرفي لتعلقيه على النجوم

إن البداية كانت دعوة للإقبال على الطعام لتذوقه ، والنهاية دعوة لتخليد ما تم تذوقه ، وبين البداية والنهاية توزع المرح إلى شذرات في الحياة /الأخلاق / السياسة /الوجود / المرأة /التضحية /العلم / المعرفة / العقل...ووضعها فوق جسر إعادة البناء لكي تتحول إلى معاني بطابع ونمط جديد .
إن مرح نيتشه هو دعوة للاحتفال والرقص ، فالفيلسوف في عرفه راقصا / منتشيا بصرامته ومقاومته ، هو استهزاء من الشعراء ، والباحثون عن الأصل ، وأصحاب العواطف النبيلة والسمحة الذين يقدسون الواجبات المطلقة ،والذين يسمون الحب نزوة أو يعيشونه نزوة لاكتساب ملكية جديدة ،،،


لكن هل لمرحنا بداية ونهاية أم لا بداية له ولا نهاية ؟
إنه نوع من الجرأة التي تسمو إلى العلو والتسامي بالموازاة مع نغم موسيقي هادئ ينشد وبصوت هادئ " الحكمة في الألم ، ويوجد في الألم من الحكمة قدر ما يوجد في المتعة " ، وبداية المرح رقصة أرضية وفن يسمح للإنسان أن يعي وينظر ويحس ويريد ، فيحقق بذلك روعة الإحساس بالعيب الذي يشعر بعدم التفوق، ونهايته صورة مجازية للهب، للجنون الساخر حيث تفقد الحقيقة بهاءها ، وبين البداية والنهاية نجد السخرية مرافقة للعافية الكبرى ونجد الحب يمشي على وجهه مترنحا هائما غريبا عن جسده وشكله.
فما طبيعة هذا المرح إذن ؟ أهو مكر وهزئ أم انتقام وقطيعة ؟
هو قلب في قلب ، وحب في حب ، وسخرية في سخرية لكن بدون مساحيق أو إفراط في الفضيلة ، وسكن بالقرب من الصاعقة التي لا يسبقها الهدوء ، فالحياة تنادي الذي يتأفف من المشاكل قائلة " انتظرني لكي أتفرغ لك "،بكل استهزاء وسخرية وإثارة للضحك وانعدام للإرادة والقوة ، ونوع من التخلي كل شيء أساسي ،وهو كذلك مكر يشبه مكر الثعابين التي تبقى معرضة لنفس أشعة الشمس لمدة طويلة .
وأجمل ما في هذا المرح هذه الكلمات المحلقة بعيدا ، فلنتأمل في محياها كثيرا علها تدلنا على مرحنا :
• كيف لنا أن نعجب باستمرار غن لم نحتقر باستمرار
• لنا عيون كي نسمع بها أيضا
• لنكن أشد مكرا من الثعابين
• حين نكتب لا نحرص فقط على ان نفهم ، لكن أيضا على ألا نفهم
• غن البرد الشديد يمنحك حيوية
• ما معنى حب ، ما معنى إله ، دون أدنى قطرة دم ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح


.. طفل فلسطيني ولد في الحرب بغزة واستشهد فيها




.. متظاهرون يقطعون طريق -أيالون- في تل أبيب للمطالبة الحكومة بإ


.. الطيران الإسرائيلي يقصف محيط معبر رفح الحدودي




.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية