الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تطهير عرقي لا تطهير ... سوريا تترنح بين الوحدة والتقسيم

مسعود محمد

2015 / 7 / 8
القضية الكردية


حين كان الأكراد يقاومون في كوباني، ويقاتلون تنظيم «داعش»، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان وكأنه يحمل بشارة: «قريباً ستسقط كوباني». أما اليوم فالأكراد حروروا "تل أبيض»، والفرح لسان حالهم. ولا شك في ان اكثر المناطق التي أرهقت «داعش»، وعصيت عليه في سورية كانت المناطق الكردية. وقتاله ضد الأكراد كان عسيراً، خصوصاً إثر دعم التحالف لهم. سيطر «داعش»، الى وقت قريب، على اكثر من معبر على الحدود التركية. ولكن اليوم «وحدات حماية الشعب الكردي» تحاصره من كل حدب وصوب، وتسعى الى مد نفوذها من الحسكة شرقاً الى كوباني غرباً. ويعلم الأكراد أن المناطق الكردية المجاورة لتل أبيض لن تسلم من اعتداءات «داعش» إذا بقي ممسكاً بمقاليدها. ولا يخفى عليهم أن تل أبيض هي متنفس عاصمة «داعش» في الرقة وهي جسرها الى الحدود التركية. وعليه، لا يستخف بأهمية تل ابيض الإستراتيجية. وتتواجه قوات الحماية الكردية مع قوات «بركان الفرات» العربية، وهي تلتزم الحذر في قتالها في تل أبيض على نحو ما تفعل في قرى سلوك العربية وغيرها. فهي لا ترغب في أن تستعدي العرب فالكرد ذاقوا من نفس الكأس وتعرضوا لتعريب مقيت. تسعى القوات الكردية الى منح العرب هناك ضمانات تقضي بعدم التعرض لهم.
ولكن أين تقف تركيا من هذه الحرب الدائرة على حدودها بين الأكراد و«داعش»؟ يبدو ان حكومة «العدالة والتنمية» التي سلحت «جيش الفتح» في سورية لا تنظر بعين الرضى الى التقدم الكردي في المنطقة، على رغم أن التركمان يواجهون خطر «داعش» على مقربة من أعزاز، وفي حمام التركمان بالقرب من عين العرب (كوباني).
اتهم أردوغان التحالف الدولي بقصف قرى التركمان والعرب في المنطقة، و»زراعة» الأكراد فيها من دون أن يشير أبداً الى اعمال «داعش» هناك! فهل ثمة دليل أكبر على دعمه «داعش»؟ فأردوغان يتجاهل خطر هذا التنظيم، ويحمّل الآخرين مسؤولية أحداث لم تقع، وينتقد التحالف الدولي الذي يقاتل ضد «داعش»! وهل يجوز لأردوغان بعد هذا الاعتراف ان يعترض على تصريحات الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في قمة الدول السبع ودعوته تركيا الى «بذل جهد اكبر من أجل منع تدفق آلاف المقاتلين الى داعش».
مر منذ ايام ذكرى حدث اليم، لما كان له من من اثر اجتماعي وسياسي بالغ الخطورة، اذ واجه عشرات الآلاف من الفلاحين الكرد في سوريا أحداثاً مأساوية ومصيراً مجهولاً.
24/06/2014 سجل مرور احدى وأربعون عاماً على تطبيق مشروع الحزام العربي في شمال الجزيرة الفراتية، فمن اين انبثقت فكرة هذا المشروع التقسيمي الاستيطاني؟ لم تكن سوريا يوماً أرضاً خالية من البشر، ولا فجوة حضارية ليتم املاء فراغها السكاني لاحقاً، ولم يتبخر في عهد من العهود سكانها، ولم يتفرق ابناؤها حسب كل المعطيات التاريخية، وإنما جسد المجتمع على ارض سوريا أقصى درجات التنوع والتلاقي الثقافي. تبين الدلائل والوثائق التاريخية ان اول محاولة لتوحيد هوية سوريا الثقافية كانت مع بداية الغزو العربي الاسلامي، وتبلورت تلك السياسة مع العهد الأموي، خاصة وأنهم أرادوا سوريا دولة حاضنة لبني أمية، فقاموا بتعريب الدواوين، واستقدام القادة والحكام من قلب الجزيرة العربية الى سوريا. كان الأمويين في بداياتهم أغراب عن بلاد الشام ومجتمعاتها، فشيدوا قصورهم على تخوم بوادي بلاد الشام، على شكل مجمعات ومراكز للحكم. كان تعريب الأمويين لبلاد الشام لأسباب سياسية وأيديولوجية، فهم كانوا يبنون دولتهم، وأرادوا احتكار السلطة السياسية باسم الاسلام، الا انهم لم يفلحوا بالتعريب الكامل، اذ حافظ معظم سكان سوريا على ثقافاتهم المحلية وهوياتهم الدينية. فثمة مصادر تاريخية تشير الى ان اغلب سكان سوريا كانوا مسيحيين حتى مطلع الألف الثاني الميلادي، اضافة الى أديان اخرى غير الاسلام، الى ان تغيرت تركيبة سوريا السكانية وتعقدت وتشابكت ثقافاتها لاحقاً، اثر اندماجها مع العالم الاسلامي الرحب والمتنوع. هذا لم يمنع السوريين من اعادة الظهور بهوياتهم على أثر ضعف العنصر العربي وانهيار دولة بني أمية فانحسر الثقل السكاني العربي بالبدو والمسيحيين العرب خلال العهد العثماني، حتى أتى وقت كانت فيه اللغة الكردية هي السائدة في مدينة دمشق أواسط القرن التاسع عشر.
المحاولة الثانية للتعريب في سوريا حصلت بعد تطبيق اتفاقيتي سايكس بيكو 1916 وسان ريمو 1920 حيث استقدم الملك فيصل ابن الحسين من الحجاز لحكم دمشق، وتم تأسيس المملكة العربية في بلاد الشام، وعاصمتها دمشق بين أعوام (1918 - 1920) برعاية بريطانية فرنسية فجسد تنصيب ملك عربي على سوريا بتنوعاتها المحاولة الثانية لتعريب الحكم في دمشق، كمدخل لتعريب كل البلد وإضفاء الهوية العربية على كل بلاد الشام. كأسلافه الأمويين استقدم الملك فيصل بن الحسين معه القادة والمستشارين والمساعدين من أقربائه الحجازيين، وشجع قبائل عربية أخرى من المتنقلين في أطراف بادية الشام، الى التوجه نحو غرب بلاد الشام، والسكن في مدينة دمشق، وغيرها من مدن بلاد الشام. امر الملك فيصل بذلك للتخلص من الارثين الثقيلين الأيوبي الكردي، والعثماني الذين كانا مهيمنين على المشهد العام في بلاد الشام.
المرحلة الثالثة لتطبيق التعريب في سوريا كانت، بعد استقلال سورية عام 1946 م حيث سعى التيار القومي العربي والقومي السوري لإزاحة العديد من العائلات الكوردية عن مفاصل الحكم، فتنامت سياسات الإقصاء السياسي أولا، فالثقافي والفكري لاحقا، وذلك من قبل الأوساط الحاكمة التي تعاقبت عمى الحكم من بعد فيصل. وبلغت هذه السياسة الذروة في منتصف القرن العشرين عام 1949 مع عملية إعدام الجنارل حسني الزعيم، الشخصية العسكرية الكوردية ورئيس الجمهورية السوري ورئيس وزرائه الدكتور محسن برازي الشخصية الكردية الحقوقية والأستاذ الجامعي اللامع. في مرحمة لاحقة تابعت النخب العربية الحاكمة في دمشق نفس سياسة تعريب خاصة في القطاع العسكري، حيث أقصي العسكريين والاداريين الكورد، وقد أعطيت لهذه التوجيهات بعدا تطبيقيا في مرحلة حكم جمال عبد الناصر ( الجمهورية العربية المتحدة )، حيث كانت سورية الإقليم الشمالي فيها.
لاحقا قام ما يسمى بالحكم الوطني بالتركيز على مسألة الأرض وامكانية حرمان الكرد من حق التملك، فكانت عملية منع تملك الاراضي، من أولى خطوات التعريب الناعمة والقانونية. تصاعدت وانتعشت ليتم محاربة الكورد في لقمة العيش، فصدر المرسوم التشريعي رقم (193) لعام 1952، المتضمن "عدم إنشاء أو تعديل أي حق من الحقوق العينية على الأراضي الكائنة في مناطق الحدود إلا برخصة مسبقة تصدر بقرار من وزير الداخلية " بهذا المرسوم حرم الكرد حصريا من تسجيل الأراضي الزراعية بأسمائهم، في كامل الشريط الحدودي بدءا من محافظة أدلب على حدود لواء اسكندرون غربا، وحتى ريف محافظة الحسكة شرقا، على الحدود مع تركيا. وعلى ضفاف نهر دجلة بمحاذاة الحدود العراقية. وكنتيجة لهذا القانون الجائر حرم الكرد من تسجيل أراضيهم بينما كان غير الكرد يحصلون على قرار وزير الداخلية بالتسجيل وبالتالي حرمت المنطقة الغنية والواسعة من التنمية العمرانية، وتضاعفت الهجرة سواء كانت بشرية او رساميل. هذا وقد عدل وتعمق تاثير هذا المرسوم بموجب القانون رقم (75) لعام 1946 ليتم إعتبار كامل محافظة الحسكة منطقة حدودية وبالتالي يمنع تداول أراضيها الا بقرار من وزير الداخلية.
قمة التعريب حصل اثناء تطبيق قانون الإصلاح الزراعي (1958- 1961) العائد لعهد الوحدة بين مصر وسوريا وكان لهذا القانون هدفين اجتماعي، متمثل بإعادة توزيع الاراضي العائدة لكبار الفلاحين الكرد وتوزيعها على صغار الفلاحين. اما الهدف السياسي فكان التعريب، حيث تم سحب الجنسية السورية من آلاف الفلاحين الكرد الصغار وتم اعتبارهم اجانب نزحوا الى سوريا من تركيا، حتى لا يحصلوا على الأرض الزراعية ويتمسكوا بالأرض، كان المطلوب تهجيرهم وتعريب المنطقة وذلك في عهدي الانفصال 1961 والبعث 1963. لقد خططت ورسمت هذه السياسة العنصرية على اعلى المستويات السياسية، فقد إتخذت بهذا الخصوص أخطر القارارت المصيرية في المؤتمر القطري الثالث لحزب البعث العربي الإشتاركي عام 1966 حسب الفقرة الخامسة من توصياته، والمتضمن ما نصه : " اعادة النظر بملكية الأراضي الواقعة على الحدود السورية التركية، وعلى امتداد 353 كم مربع وبعمق 13-15 كم مربع، واعتبارها ملكا للدولة، وتطبق فيها أنظمة الاستثمار الملائمة بما يحقق أمن الدولة" وبذلك تم مصادرة حوالي 5250 كلم مربع من أراضي شمال الجزيرة السورية الخصبة، وجعلها ملكاً حصريا للدولة، ومنع الكرد من استثمار تلك الأرض، بينما تم استقدام القبائل العربية وتوطينها في تلك الاراضي لخلق ديفرسوارا عربياً داخل المنطقة الكردية وتغيير طابعها الديمغرافي.
– اسمها “تل أبيض”.
– لا اسمها “كري سبي”.
– حررتها وحدات حماية الشعب من داعش.
– لا حررتها قوات الحماية الشعبية وفصائل من الجيش الحر (بركان الفرات) والتحالف الدولي ضد داعش.
– حصلت إبادة بحق العرب من قبل الكرد في تل أبيض
– لا لم تحصل، ولا يمكن اتهام كل الكرد بل وحدات حماية الشعب وهي تضم كل مكونات المنطقة ( كرد، عرب، آشوريين..).
– أنتم قومجيين كرد
– أنتم قومجين عرب
هذا غيض من فيض الخلافات بين الكرد والعرب في سوريا والتي ظهّرها مؤخرا تحرير مدينة “تل أبيض – كري سبي” من داعش على يد تحالف حمل اسم “بركان الفرات” تشكلت قواه الأساسية من قوات الحماية الشعبية التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي ( أغلب قواها أكراد) و”ثوار الرقة”، و”كتائب شمس الشمال” و”جبهة الأكراد”، بتغطية جوية من قوات التحالف الدولي لضرب داعش.
العلاقات العربية الكردية السورية رهن اختبار قد يؤدي الى هاوية، سيطرت قوات (YPG) ومعها بعض فصائل المعارضة على مدينة تل أبيض بعد انسحاب التنظيم نتيجة لعمليات قصف التحالف، وردّ التنظيم بعمليات انتحارية داخل مدينة كوباني (عين العرب) وسيطر على بعض المباني هناك، مخلفًا 120 ضحية بحسب ما أورده ناطشون أكراد في المدينة. بذلك، وصل الاحتقان الإثني إلى مستويات تهدد بحرب أهلية بين العرب والأكراد وبصراع دموي قد يدوم طويلًا فيهدد بتفتيت التركيبة الاجتماعية وتغيير التوزع الديموغرافي لسكان شمال شرقي البلاد.
هذا الصراع الدموي بين مختلف الفصائل والتنظيمات العسكرية كان له تداعيات خطيرة على المدنييين وعلى وحدة الشعب السوري، حيث بدأت الأطراف بتراشق الاتهامات من عمليات تهجير عرقي للعرب والتركمان في مدينة تل أبيض بعد السيطرة عليها من الـ (YPG)، إلى ربط بعض الأكراد المجازر التي يقوم بها تنيظم “الدولة الإسلامية” بالعرب هناك، واتهامهم بأنهم الحاضنة للتنظيم، أمام هذا الانحدار على مستوى السلوك والخطاب الإعلامي الذي يهدد بدق إسفين الحرب بين الكرد والعرب في البلاد و تمزيق سوريا الوطن الواحد كحاملة لكل السوريين، كان لا بد من صوت العقل لردء الصدع و إصلاح ما تم تشوييه. فهل من عاقل يمنع الانقسام ويعيد توجيه البوصلة نحو الوحدة وإسقاط النظام، رحم الله الشهيد مشعل تمو فهو عندما اطلق شعار واحد واحد واحد الشعب السوري واحد كان يخاف من هذا الانحدار ويقرأه مبكراً لذلك أراد حل قضية الكرد من ضمن الحل الوطني للقضايا السورية العامة، فقتل لمنع الوحدة وخلق الكانتونات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا تحطم الرقم القياسي في عدد المهاجرين غير النظاميين م


.. #أخبار_الصباح | مبادرة لتوزيع الخبز مجانا على النازحين في رف




.. تونس.. مؤتمر لمنظمات مدنية في الذكرى 47 لتأسيس رابطة حقوق ال


.. اعتقالات واغتيالات واعتداءات جنسية.. صحفيو السودان بين -الجي




.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون: