الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في حيثيات مواقف عربية غير اعتيادية, هل الشارع العربي بخير؟

محمد فاضل رضوان

2005 / 10 / 10
المجتمع المدني


شباب لبنان يفلح في سابقة عربية في إسقاط حكومة عن طريق الاحتجاج السلمي, و النظام المصري العتيق يرضخ تحت ضغط الشارع المصري فيضع حدا لطقوس البيعة أما التونسيون فقد أقسموا ألا تطأ قدما شارون أرضهم, فهل هي صحوة الشارع العربي للتأثير الإيجابي في رسم مصير أوطانه أم هي مجرد حالات عابرة تؤكد ثبات القاعدة بدل تكسيرها مهما يكن ففي الحالات الثلاث لامحالة مجالا للتأمل و استخلاص الدروس...
متى يعلنون وفاة العرب ؟ لم يكن نزار قباني و هو يدبج بهذا العنوان قصيدته الشهيرة التي رسم فيها قتامة حاضر و مستقبل بلاد تسمى مجازا بلاد العرب, ينتظر نعي الأنظمة العربية الحاكمة فهذه الأخيرة تحمل شهادة وفاتها في ظروف تشكلها و استمرارها خارج إرادة محكوميها و لعل في اندحاراتها المتوالية إعلانا يوميا عن وفاتها . لهذا يبدو أن نزار كان ينتظر نعي المحكومين بدل الحاكمين ما دام الشارع العربي بسلبيته و صمته إزاء مجريات الأحداث قد ساهم في صنع هذا التاريخ الأسود كما هو الحال بالنسبة للأنظمة. لكن يبدو أن التاريخ و عكس ما تصوره فوكوياما ليس له نهاية و المستقبل ليس بالضرورة امتدادا للماضي و الحاضر و حين يتعلق الأمر ببلاد تسمى مجازا بلاد العرب فالسنة الحالية كانت حبلى بالجديد شباب لبنان يفلحون في إسقاط حكومة في سابقة عربية, و النظام المصري العتيق يرضخ تحت ضغط الشارع المصري فيضع حدا لطقوس البيعة أما التونسيون فقد أقسموا ضدا على إرادة نظامهم السياسي ألا تطأ قدما شارون أرضهم, فهل هي صحوة الشارع العربي للتأثير الإيجابي في رسم مصير أوطانه أم هي مجرد حالات عابرة تؤكد ثبات القاعدة بدل تكسيرها مهما يكن ففي الحالات الثلاث لامحالة مجالا للتأمل و استخلاص الدروس...
لبنان, سابقة العرب:
بدا الوضع اللبناني بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري شديد الدقة و الخطورة فالأوراق اللبنانية عادت للاختلاط من جديد ,المعارضون للتواجد السوري بلبنان وجدوا في الحادث حصان طروادة الذي عادوا من خلاله بمطالبهم إلى الواجهة و الموالون يتخبطون بين ضغوط الداخل و الخارج, و مستقبل المقاومة اللبنانية في حكم الغيب أما النظام السوري الذي يعتبر لبنان خاصرته التي في تحصينها تحصينا له فيعيش أقسى درجات العزلة و الضغط, غير أن الفاعل الأساسي في هذه الأزمة كان الشارع اللبناني الذي انخرط فيها بكل فاعلية لينتهي به الأمر إلى تحقيق سابقة في التاريخ العربي الحديث تمثلت في إسقاط حكومة من خارج البرلمان مادام داخله لم يكن له في أي يوم القدرة على صنع حدث من هذا القبيل, لقد فاجأ عمر كرامي الجميع و هو يقدم استقالة حكومته فهذه الأخيرة كان بإمكانها الاستمرار حتى في حالة محاولة نواب المعارضة حجب الثقة عنها داخل المجلس النيابي اللبناني نظرا لعدم توفرهم على الأصوات الكافية مما يعطي الانطباع بأن شباب لبنان باستماتتهم و صمودهم السلمي في شوارع بيروت هم من كانوا وراء صناعة الحدث.
من الأكيد أن تفاصيل كثيرة داخلية و خارجية قد تدخلت في صنع حدث إسقاط حكومة عمر كرامي, لكنها لا تعدو أن تكون تفاصيل, أما الخلاصة فهي عودة الروح إلى الشارع العربي و قدرته على المساهمة الفاعلة في صنع الأحداث بدل تركها في يد الأجهزة العقيمة التي كرست اليأس و الانبطاح, إن مغزى الدرس اللبناني يكمن في رسم نموذج جيد للتغيير السلمي الفاعل في صناعة الأفق السياسي بدل انتظار هدايا الآخرين التي لن تأتي أبدا.
مصر, حين تكسرت الطابوهات:
حين رفع المصريون شعار كفاية الذي انضوت تحته مجموعة من فعاليات المجتمع المدني , كان الشارع يعود إلى الواجهة معتبرا الانتخابات الرئاسية منعطفا لتغيير أحد أكثر الأنظمة العربية عتاقة من خلال سقف مطلبي جسدته لاءتين أساسيتين حملتهما شعارات و لافتات المحتجين: لا لإعادة انتخاب مبارك/ لا لتوريث الحكم. هذه الصحوة النارية للشارع المصري كانت تسترشد بنموذج الثورات الهادئة التي رسمتها نماذج أوروبا الشرقية أساسا أوكرانيا و جيورجيا فقد دعا أكثر من صوت إلى محاولة تكرار هذا النموذج في مصر لإرغام النظام على إقرار إصلاحات دستورية حقيقية تنهي أسطورة الحاكم الأزلي الذي يعيد إنتاج شرعيته من خلال بروتوكولات البيعة السخيفة و التي تتجاوز حتى حياته البيولوجية لتستمر بعد وفاته من خلال خليفته الذي يعينه بنفسه.
لقد كان إعلان مبارك رغبته في تغيير المادة 76 من الدستور بما يسمح بإجراء انتخابات رئاسية مباشرة بوجود منافسين متعددين انعطافة قوية في مسار النظام المصري لا يبدو أنها كانت هدية من النظام المصري بقدر ماهي هروب إلى أمام قادم لا محالة بفعل جدية الشارع المصري في انتزاع مكاسب سياسية و دستورية جسدتها عبارة كفاية التي اصبحت تطارد أجهزة النظام أينما حلت و ارتحلت.
لقد قيل الكثير عن خطوة مبارك و خلفياتها, فالمناخ الدولي المحيط بالأحداث في المنطقة العربية لابد و أن يؤشر على أن للضغوطات الأميركية بصماتها على هذه الخطوة لازدياد دعوات إدارتها بإصلاح أنظمة الحكم في المنطقة بما يتماشى و تصوراتها الجديدة لما تسميه الشرق الأوسط الكبير. كما أن تقييد هذه الخطوة لحق المستقلين في الترشيح و رفضها لتحديد فترة بقاء الرئيس في ولايتين إضافة إلى تأخر الإعلان عنها بما لم يسمح للمعارضة بالاستعداد للاستحقاق الرئاسي قد أعطي الفرصة من جديد لمبارك للفوز بولاية رئاسية خامسة. غير أن الأهم قد تحقق فأحد أهم الطابوهات السياسية المصرية و العربية قد تكسرت. و منتظرات المستقبل من الأكيد أنها ستكون أقل حدة من منتظرات الماضي و إن كان لضغوطات الإدارة الأميركية يد في هذا فهو لا يحجب التحركات الفاعلة للشارع المصري بل و حتى قدرته على استغلال مسارات المناخ الدولي و تحويلها لصالح تحقيق مطالبه دون التورط المباشر فيها بما يفضي قد يفضي مستقبلا إلى استبدال هيمنة الأجهزة الداخلية بهيمنة أجهزة خارجية. إن مغزى الدرس المصري أن الأنظمة لا تحيا أبدا خارج الشعوب و أن خروج هذه الأخيرة من دائرة السلبية العقيمة و حسن تدبيرها لمعاركها هو ما قد يجعل من تغيير هذه الأنظمة شرطا لبقائها و إلا فإن للطبيعة أحكامها.
تونس, لا للتطبيع:
فيما أعلنت مصر و الأردن على عودة سفيريهما إلى تل أبيب تحت مظلة قمة شرم الشيخ التي تنصل شارون من الالتزام بمقرراتها على هزالتها بالنسبة للجانب الفلسطيني بمجرد عودته منها, اختار الرئيس التونسي زين العابدين بنعلي تعبيرا عن حسن نواياه إزاء إسرائيل و شارون دعوة هذا الأخير للمشاركة في مؤتمر دولي للمعلومات على أرض تونس. على خلفية هذه الدعوة التي تعكس تسابقا من قبل الأجهزة العربية الرسمية للانخراط في صفوف "المهرولون" كما سماهم نزار, نقلت وسائل الإعلام الدولية حدوث مواجهات عنيفة بين الأجهزة الأمنية و الشباب التونسي الذي نزل للشوارع تلبية لنداء أقطاب المعارضة للاحتجاج على هدية بنعلي الغالية لشارون, في هذا السياق عبرت الناشطة الحقوقية التونسية فريدة نصراوي على إحدى القنوات الفضائية العربية أن التونسيون أقسموا أن لا تطأ قدما شارون أرضهم و لو كلفهم ذلك حياتهم , مرة أخرى كان الشارع العربي في الموعد لمواجهة هرولة الأنظمة العربية العقيمة نحو التطبيع مع إسرائيل في أكثر لحظات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سوادا بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت رحمة جرافات و دبابات سفاح صبرا و شاتيلا الذي تكافئه هذه الأنظمة بالدعوات و التطبيع الدبلوماسي. لقد رد الشباب التونسي بعنف يماثل الإهانة التي وجهها له نظام بنعلي فكان طرفا فاعلا في التأثير في مسارات الأحداث ببلاده و لو أدى الأمر للمواجهة مع أكثر الأنظمة العربية قمعا و بوليسية و تضييقا على معارضيه, إن مغزى الدرس التونسي يتمثل في أن القضية الفلسطينية لازالت في عمق اهتمامات الشارع العربي و أن الأنظمة العربية في تسابقها للتطبيع مع إسرائيل لا تعكس إلا عزلة قراراتها مقارنة بتطلعات شعوبها و هو ما يزيد من عزلة هذه الأنظمة إزاء شعوبها.
من المؤكد أن هذا الظهور اللافت للشارع على واجهة الأحداث السياسية بعدد من البلدان العربية هذه السنة من شأنه أن يحمل معه إعادة النظر في طبيعة العلاقات القائمة بين الحاكمين و المحكومين بهذه البلدان على قاعدة جديدة أساسها ضرورة تجاوز الطابع العتيق الذي لايزال يهيمن على دواليب الحكم بها وتحديثها بما يفضي إلى استحضار الأنظمة الحاكمة لشعوبها في صياغة قراراتها و تصوراتها و هو أمر لن يتحقق إلا بتجاوز الشارع العربي لهموم الخبز اليومي الذي سجنته فيها سياسات التفقير و التجويع والانخراط في مسيرة التغيير و الإصلاح السياسي و الدستوري بفاعلية تستثمر الضغط الشعبي السلمي و المكثف لدفع هذه الأنظمة إلى تطوير ذاتها و آليات اشتغالها و لعل في النماذج الثلاث دروسا للشعوب و للأنظمة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان: موجة -عنصرية- ضد اللاجئين السوريين • فرانس 24


.. أزمة المهاجرين في تونس.. بين مخاوف التوطين واحترام حقوق الإن




.. استمرار الاحتجاجات في جامعات أميركية عدة رغم اعتقال المئات م


.. آلاف النازحين يناشدون العالم للتدخل قبل اجتياح إسرائيل مدينة




.. رفح الفلسطينية.. جيش الاحتلال يدعو النازحين إلى إخلائها مرة