الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يسيء المحافظون استعمال حريتهم ؟

أحمد عصيد

2015 / 7 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أحمد عصيد
تظاهرت مجموعة من الفتيات والنساء أمام البرلمان لتطالبن السلطة بـ"تجريم العري"، وذلك ردا منهن على الوقفات الاحتجاجية التي عرفتها عدة مدن مغربية دفاعا عن حرية اللباس وعن الفتاتين المتابعتين بإنزكان. والملاحظ في سلوك هذه العينة من النساء أنهن تصرفن بناء على سوء تقدير للواقعة، وعلى فهم سيء لموقف المدافعين عن الفتاتين.
فأخواتنا "المحجّبات" تطالبن بتجريم "العري" الذي هو ممنوع ومجرّم أصلا، وبإجماع الكلّ بدون استثناء، ففي الدول الأكثر عراقة في الديمقراطية لا يحقّ لأحد التعري في الفضاء العام وإلا تعرض للعقاب. لماذا إذن تطالب هؤلاء النساء "المحجّبات" بتجريم ما هو مجرّم أصلا ؟
الحقيقة أنّ شعارهن الذي رفعنه صيغ بناء على تحايل مقصود وغير بريء، إذ أنّ ما تقصدنه هو تجريم اللباس العصري، الذي تعتبرنه "عريا" لأنه يُظهر من الجسم ما تحرصن هنّ على إخفائه، وهو غير العري أو "الإخلال بالحياء" المنصوص عليه في القانون، إذ أن الإخلال بالحياء هو ما يستحي منه جميع الناس وليس أقلية صغيرة بسبب هذا الموقف أو ذاك. وهذا ما يفسر السبب الذي جعل مئات المحامين يتعبئون للدفاع عن الفتاتين اللتين تعرضتا لكثير من التنكيل بدون وجه حق، بسبب لباس ترتديه النساء والفتيات يوميا في كل مناطق المغرب.
فلنقم بتحليل موقف "المحجبات" والغوص فيما وراء المظاهر الخارجية التي من المؤكد أنها خادعة بلا جدال:
بمطالبة هؤلاء النساء بتجريم اللباس الذي لا يلبسنه، وهو ما يتضمن إلحاق الأذى بالفتاتين المخالفتين لهما، يعبرن عن رغبة أكيدة في تعميم حالتهن، التي هي حالة لم تخترنها كما يُعتقد خطأ، بل دُفعن إليها دفعا إما من طرف محيطهن أو عائلاتهن أو أزواجهن أو بسبب الفقر أو رغبة في الزواج أو خوفا من "عذاب القبر"، أو غير ذلك من الأسباب الكثيرة المفسّرة لهذه الظاهرة التي لم تعُد في الواقع دينية خالصة.
لسان حال هؤلاء النسوة المحجّبات يقول: "نُسجن في "الحجاب" بينما الأخريات ينعمن بالحرية !"، يفسر هذا كذلك مقدار العنف الذي يظهر من "المحجبات" ويغيب عند اللواتي ينعتنهن بـ"المتبرجات"، فهؤلاء الأخيرات يعتبرن اللباس حرية واختيارا فرديا وذوقا شخصيا مرتبطا بنمط الحياة، ولهذا لا يتظاهرن أبدا من أجل فرض لباس معين، أو منع لباس آخر، بينما تعتبر "المحجبات" اللباس قرارا إلهيا يترجمه الرجال المحافظون في كل أنواع السلوكات السلطوية المباشرة منها والرمزية، مما يجعل منه قواعد صارمة ينبغي أن تفرضها الجماعة على الكلّ، ولهذا يصعب كثيرا إقناعهن باحترام غيرهن.
وبما أن الدولة الحديثة تقوم على حقوق وواجبات المواطنة، أي على استقلال الفرد، فإن المحافظين يجدون أنفسهم في صراع دائم مع منطق الواقع وقوة الأشياء، عندما يسعون إلى تعويض سلطة القانون الذي يحمي الجميع في إطار المساواة، بضوابط التقاليد القديمة السابقة على مرحلة الدولة الحديثة.
إننا لا نجادل في حق هؤلاء النساء في التظاهر والتعبير عن موقفهن، لكن عليهن أن يتذكرن دائما بأن الحق لا يُستعمل في نقض حقوق الآخرين، بل على عكس ذلك ينبغي أن ينتصر له، وبهذا الصدد وعلى سبيل المثال فقد ذكرنني بمن يتظاهر في الشارع من أجل عدم تمتيع النساء بحقهن في المساواة، أو الذي يطالب علنا بقتل الآخرين معتبرا ذلك تعبيرا حرا عن "رأيه". إن النضال من أجل الحرية عمل نبيل، لكن استعمال الحرية من أجل نقض الحرية أمر لا يستقيم. وعلى المرء أن يضع نفسه مكان الآخرين على الدوام، حتى يدرك أن حريته هي أيضا حرية الآخرين.
إن المحافظين يسيئون استعمال حريتهم لأنهم يضعون نصب أعينهم الحدّ من حريات الآخرين. فما يزعجهم ليس أن يمس أحد ما بحريتهم، بل أن يمارسها الآخرون خارج كل وصاية. ولهذا نجدهم لا يشعرون بالسعادة حتى وهم يعيشون تدينهم كما يشاؤون في حياتهم الخاصة، طالما أن مشكلتهم هي اختيار الآخرين لأنماط عيش مخالفة، ولهذا يصبح العيش المشترك المبني على الاحترام المتبادل أمرا مستحيلا.
إن اللباس عنصر ثقافي، وهو بذلك يتسم بالنسبية كغيره من العناصر الثقافية المعرضة لتأثيرات وتطورات الواقع البشري عبر العصور والأزمنة، وقد تغيرت أشكال اللباس في كل بقاع الأرض بدون استثناء، وإذا كان لكل مجتمع قواعده وضوابطه وقوانينه، فإن ما صار قاعدة كونية هي أن للفرد هامش من الحرية يختار فيها وفق ذوقه أشكال وألوان لباسه، وطرق وزمان ومكان استعماله، وقد ثبت أن الأنظمة الشمولية التي حاولت أن تفرض على الناس لباسا محددا كالأنظمة الشيوعية والدينية سرعان ما يدبّ إليها الضعف فتنهار ويعود الناس إلى الأصل : الذي هو الحرية.
إنّ الانطلاق من قاعدة أنّ الحرية هي الأصل وليس الإكراه والعبودية، يجعلنا نعتبر اللباس حرية (وليس العُري طبعا)، وإذا ما سلمنا جميعا بهذه القاعدة، فسيكون علينا ونحن نتمتع باختيار شكل لباسنا، أن نقرّ للآخرين بنفس الحقّ كذلك، أما إذا كنا نعتبر أن نمط حياتنا ولباسنا وسفرنا وإبداعاتنا تخضع لضوابط مطلقة وثابتة وخارجة عن ذواتنا، فلن يكون هناك أية إمكانية للتفاهم، وهو ما يفسر الفتن العظيمة التي تتخبط فيها بلدان كاد اليأس من الدنيا ومن فيها أن يعصف بأهلها إلى الأبد.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لماذا
ناس حدهوم أحمد ( 2015 / 7 / 8 - 15:44 )
قد أختلف معك في الرأي لكنني قادر على التضحية بحياتي من أجل أن تدلي أنت برأيك . هذه مقولة المفكر والكاتب الفرنسي العظيم الذي صرخ بها إنصافا لجميع الناس . لأن الحرية هي الأصل . والإنسان بدون حرية ليس سوى جثة ميتة .
نحن نحترم النساء المحتشمات اللائي يستعملن الحجاب . كما نحترم أيضا الفتيات اللائي إخترن اللباس العصري المسؤول . فاللباس القصير فوق الركبتين لا يعتبر عريا . أما العري فهو محرم وممنوع ولا نقاش في هذا الأمر . كما أن النقاب أيضا يجب أن يكون ممنوعا في بلادنا لأنه يشكل خطرا على الأمن القومي والأمن الفردي أيضا . وإلا أصبح المجرمون في منأى عن القانون حينما يختبئون في النقاب ونصبح مهددين في أمننا . ونحن في المغرب لم تكن لدينا مشاكل ولا صراعات مع اللباس إلا بعد اختراق الوهابية لديارنا فقد كانت نساؤنا ومنهم أمهاتنا تلبسن اللثام يغطي الفم ويترك العينين والأنف فنستطيع التمييز بين الوجوه دون أن نخل بالإحترام . وكانت فتياتنا أيضا تلبسن اللباس العصري فلا يشكل ذلك لدينا أية مشكلة أو صراعات كنا في غنى عنها إلى أن إبتلينا بها بسبب عادات دخيلة علينا .


2 - لماذا
ناس حدهوم أحمد ( 2015 / 7 / 8 - 15:45 )
فكروا ياأولي الألباب في حل مشاكل الفقر والجهل والأمية . فكروا في إيجاد العلاج للأزمات الإقتصادية والصحية وإيجاد الشغل للناس لضمان كرامتهم فكروا في حرية الناس وأقصد تلك الحرية المسؤولة التي تنتج وتبدع لكنها تعارض المحظورات . فكروا في تعليم نظيف يؤسس للنشء القادم ويربي لنا الأجيال التي ستتقلد المسؤولية لبناء الأمة المغربية المتقدمة والقوية أمة مزدهرة ومبدعة تأخذ مكانها اللائق بها مع طلائع الأمم العظيمة على كوكبنا . هذا ما يجب أن تفكروا فيه ياأمة ضحكت من جهلها الأمم .


3 - المسلم العُريان في حياة محمد
عاد بن ثمود ( 2015 / 7 / 9 - 01:59 )

المسلمون كانوا يمارسون طقوس التعرّي في ديانتهم حتى حدود آخر عام من حياة محمّد، فقد كانوا يطوفون حول الكعبة و هم عُراة.
أكاد لا أصدّق... عُراة ؟؟؟
نعم عُراة كيوم ولدتهم أمّهاتهم... دين الحشمة ؟؟؟
يُولَدُ الْمَرْءُ عُرْيَاناً : لاَ ثِيَابَ لَهُ (قاموس المعاني)
مسلمون عُراة في أقدس البقاع التي يحجّون إليها؟
و ماذا عن المُسلمات العفيفات؟
يا لَعُتهِ هؤلاء المتأسلمين الذين يريدون تلقيننا أسس الفضيلة و الحياء... خِس.

جاء على موقع (إسلام ويب):
((... أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عُريان.
قوله : ( باب لا يطوف بالبيت عريان ( أورد فيه حديث أبي هريرة في ذلك ، وفيه حجة لاشتراط ستر العورة في الطواف كما يشترط في الصلاة ، وقد تقدم طرف من ذلك في أوائل الصلاة ، والمخالف في ذلك الحنفية قالوا : ستر العورة في الطواف ليس بشرط فمن طاف عريانا عاد ما دام بمكة، فإن خرج لزمه دم . وذكر ابن إسحاق في سبب هذا الحديث أن قريشا ابتدعت قبل الفيل أو بعده أن لا يطوف بالبيت


4 - المسلم العُريان في حياة محمد 2
عاد بن ثمود ( 2015 / 7 / 9 - 05:21 )
. وذكر ابن إسحاق في سبب هذا الحديث أن قريشا ابتدعت قبل الفيل أو بعده أن لا يطوف بالبيت أحد ممن يقدم عليهم من غيرهم أول ما يطوف إلا في ثياب أحدهم ، فإن لم يجد طاف عريانا ، فإن خالف وطاف بثيابه ألقاها إذا فرغ ثم لم ينتفع بها فجاء الإسلام فهدم ذلك كله . )) إهـ.

يا سلام : هدم ذلك كله بعام قبل وفاة الرسول.

في عهد عمر بن الخطاب، كانت الإماء تخدمنه في دار الخلافة عاريات الصدور، تضطرب ثُدِيُّهُنَّ.
و كان يضرب الإماء إذا ما تشبّهن بالحرائر في تغطية شعورهن.

هذا التاريخ لا يليق بالمسلم الإفتخار به.



5 - أبرهام لينكولن
الناسوتي ( 2015 / 7 / 9 - 11:01 )
ما يحصل بالمغرب هذه الأيام يذكرني بتحري أبرهام لينكولن للعبيد، حيث عدد كبير منهم رفض هذه الحرية وفضل العبودية عند أسياده عليها. وإذا كان موقف العبيد في أمريكا في تلك الحقبة الزمنية يُفسر بالعامل الاقتصادي، فإن تصرفات بعض النساء المحجبات(محجبات عن ماذا؟) لا يمكن تفسيرها إلا بعامل التربية والنقص في الثقافة حتى ولو كنّ حاصلات على الدكتوراه. فالإنسان الذي لا يؤمن بنسبية الحقائق وتعددية الفكر والرأي لا يمكن أن نحسبه على النخبة المثقفة، بل هو إنسان محدود المعرفة وتفكيره محصور داخل إطار إيديولوجي ضيق يسد بصيرته ويفقر نظرته للعام بحيث يجعلها باللون الأبيض والأسود فقط، حتى الرمادي لا يعترف به.
لكل هذا أعتقد أن الجهاد الأكبر يجب أن يكون في التعليم والتربية والانفتاح على الثقافات والحضارات الأخرى.


6 - لماذا يسيئ الاباحيون استعمال حريتهم
عبد الله اغونان ( 2015 / 7 / 10 - 01:22 )


أنت نفسك أستاذ أحمد عصيد مثال صارخ على سوء استعمال هذه الحرية المزعومة

وبشهادة مليكة مزان

راجعوا رسائلها في موقع الحوار المتمدن الى رفيقها في النضال هههه

أحمد عصيد

الان حصحص الحق

اخر الافلام

.. دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس تعلن عن تأدية 40 ألف فلسطيني


.. خطيب المسجد الحرام: فرحة العيد لا تنسي المسلمين مآسي ما يتعر




.. مراسل العربية أسامة القاسم: نحو 1.5 مليون مليون حاج يصلون إل


.. مبعدون عن المسجد الأقصى يؤدون صلاتهم عند باب الأسباط




.. آلاف الفلسطينيين يؤدون صلاة عيد الأضحى بالمسجد الأقصى