الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فضيحة العرب

هيثم بن محمد شطورو

2015 / 7 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إذا كان مناخ العالم المتـقـدم هو الشرف الإنساني، فالمناخ العـربي هو مناخ الفضيحة الكبرى التي يئن تحت هول فضاعـتها المتـنورون العـرب.
تمخض القرن العشرون و خاصة النصف الثاني منه اثر موجة حركات التحرر الوطني من الاستعمار الأوربي عن بناء دول عربية حديثة من حيث الشكل. إدارة حديثة من حيث هيكليتها و متخلفة في مضمونها من حيث قيامها على مبدأ الولاء للأرفع رتبة. تعـليم موحد مدني في شكله و هيكليته و لكن مضمونه قروسطي مختلط بالعلوم و الآداب الحديثة.
هناك خلل مهول في كيفية إنشاء هذه الدول سياسيا و اقـتصاديا و تربويا و ثـقافيا. دول بشكل عام مبنية هيكليا على الازدواجية و الخوف من التراث و المجتمعات التي تحكمها. و استحضر هنا كلمات قالها لي احد المثـقـفين العراقيـين في بغداد في تسعينات القرن الماضي. قال لي أن أشجع رئيس عـربي هو بورقيبة. اندهشت و سألته هل هو أشجع من صدام حسين المحارب و المشارك في جبهات القـتال؟ فقال لي أن بورقيبة أشجع منه بآلاف المرات مع المجتمع و التاريخ. انه الرئيس العربي الوحيد الذي أزال العباية البيضاء عن المرأة في التلفزيون. ضحكت و قلت أننا نسميه " سفساري" في تونس. أضاف انه الرئيس الوحيد الذي منع تعـدد الزوجات و أعطى المرأة الحق في تطليق زوجها و هو الوحيد الذي أغلق جامع الزيتونة المدرسة الإسلامية منذ قرون و بكل حسم مع التعليم الديني.. و تواصل حوارنا حول تراجع البرنامج البورقيـبي منذ أعلن نـفسه رئيسا مدى الحياة و أصبح يفكر في كرسي السلطة و بالتالي بدأت عملية الانحدار التي تواصلت حتى أصبحت تونس اليوم من أكثر الدول المفرخة للإرهابـيـيـن.
كانت دول الاستبداد التي تدحرجت إليه بكل سهولة، و ذلك بحكم جرائم السلطة المقـترفة و الخوف من العقاب، و بحكم التراث الاستبدادي الطويل و الجهل و معارك البناء التي تتـطلب توحيدا للجهود. و طبعا لازال العـرب لا يفكرون في التوحيد و الوحدة إلا بمنطق الحديد و النار الذي استمر منذ حروب الردة. التوحيد القائم على العصبية القبلية الأقوى التي تحكم. و من بني أمية و الهاشميـين أي قريش المقدسة، إلى الأحزاب القرشية التي قادت معارك التحرير الوطني بلغة حزبوية سياسوية حداثوية.
استغـلت هذه الدول بدورها الدين الإسلامي لتحكم و سيجته من التراث البالي الذي يستجيب لمعطى الاستبداد السياسي. لم تخلو أي دولة عربية من وزارة للشؤون الدينية و بالتالي لا تـنـقـضي أي خطبة جمعة دون الدعاء للسلطان. هذا التمشي النفاقي المتـناقض و الغير قابل للتوافق إلا بالتجاوز الكامل للبنية الأساسية التي ما هي إلا بنية تـقـليدية برغم أشكال الحداثة. تلك البنية السياسوية التربوية الثـقافوية هي التي أسست للفضيحة العربية الكبرى اليوم. فضيحة الداعشية و الإسلام السياسي و الإسلام الموجود حتى في أكثر الإشكال الموصوفة بالمعتدلة. هذه الفضيحة تـتلخص في مجتمعات تعيش بوعي خرافي خارج عصر العلم.
فماذا يعني أن تجد طبـيـبا أو مهندسا أو مدرسا يؤمن بالعفاريت و الجن و الأجر الرباني و معجزات الأنبياء و موسى الذي شق البحر بعصا أو حولها إلى ثعبان و غيرها من الخرافات مثل عذاب القبر؟ كيف لطبـيب تعلم على أساس معطيات الجسد الإنساني و اطلع على أسباب الأمراض و الأعراض التي هي جلها من فعل الطبيعة، أن يؤمن بالقوى الخارقة للطبيعة و التي تصيب الإنسان بالمرض و الموت؟
كيف لمهندس تعلم على أساس القياسات المادية الفيزيائية أن يفكر خرافيا في الغيب و القوى الخفية بل تجده مرتعبا من قول المعتـوهين باقـتراب يوم القيامة. و نفتح قوسا هنا لنقول أن العقل الإنساني يعتبر الحياة ابتـدأت بولادته و تـنـتهي بوفاته و بالتالي فان التـفكير في القيامة ما هو إلا تعبير على هذه النزعة الإنسانية. لكن الحقيقة يا سادة أن الحياة ستـتواصل لمليارات السنين حيث لن نكون حتى غبارا و إنما جزءا ضئيلا من مادة متحولة. الحقائق الموضوعية ترعب العقل البشري دوما و لايمكننا تخيل الحياة الانسانية كيف تكون حتى بعد مئة عام و لذلك من الأفضل ان تـنـتهي كلها بنهايتي الشخصية. تـفكير عاطفي أهوج يـريد سد منافذ القلق النفسي و لكنه عابث و واهم...
كيف بدكتور مثل "زغلول النجار" الذي قد نحترم جهده في تبيان بعض الإشارات في القرآن لبعض النظريات العلمية المكـتـشفة حديثا، أن يدعو إلى شرب بول البعير كدواء شافي؟ فـقد نتـفهم الإشارات العلمية في القرآن ليتضح القصد الرباني في إثبات الوحي و التـنزيل و مخاطبة الله للإنسان في زمن العلم حيث لا يؤمن الإنسان إلا بالأدلة المادية، لكن نعلم أن الاكتـشافات العلمية الإسلامية لم تـنطلق من القرآن و إنما على أساس المنهج التجريبي، و بالتالي فالقرآن لا يمكن أبدا أن يكون أساسا أو منطلقا للبحث العلمي. أما بول البعير فـقد افسد علينا متعة الاستـئناس بتـثبيت القرآن في عصر العلم...
كيف لمناهج تعليمية لدول تعتبر نفـسها حداثية تلخص الأديان في الإسلام دون تدريس الأديان الأخرى بما فيها البوذية على سبيل إتباع منهج المقارنة. ألم يكن في ذلك ترسيخ أفضل لفكرة تميز الإسلام عن بقية الأديان فيما يخص وضوح التجـريد المطلق و التوحيد الصارم للذات الالاهية. لكن هذه الفكرة بالذات تمثل خطرا ماحقا بالاستبداد لان عبادة الله وحده مباشرة و حبه و التحرر من كل شيء في ذلك يؤسس للوعي الحر و الذاتية الفردية الحرة. ألم يكن من الأجدى التركيز على الجانب الأخلاقي في الأديان؟ ألم يكن الأجدى التركيز على البناء الأخلاقي من حيث الصدق و عدم الكذب، و الأمانة و عدم الغش، و غيرها من القيم التي تبني الحضارة و إنسانية الإنسان؟
مثـقـفون يتجهون بسهولة إلى رمي أسباب التخلف على الاستعمار الأوربي، بينما الحقيقة أن هذا الاستعمار كان ضربات المطرقة المدوية على الرأس العربي الأجوف. على الأقل قام الاستعمار بفعل الرجة و الخلخلة للبنى التـقـليدية البالية. الحقيقة التي يهرب منها الجميع أن أسباب التخلف هي النحن العربية الإسلامية الجاهلة المتخلفة المضحكة الفضائحية. أسباب التخلف كامنة في هذه الدول الاستبدادية التي لم تـتجه إلى نقل المجتمعات إلى عصر العلم. ذاك أن عصر العلم لا يتساوق مع حكومات الظلم و الجريمة و الاستبداد العوائلي و القهر للفردانية الحرة..
و اليوم حتى امتلاكنا لأفضل منطقة جغرافية في العالم أصبح مهددا بفعل الدوعشة و الاسلمة و الإرهاب و التـقاتـل.. نحن أمام المحك التاريخي الكبير، فإما أن نتجاوز مرحلة قـتـل العربي للعربي نحو الحداثة و العلم و الحضارة، و إما أن يتم طردنا جميعا بفعل الشعوب الحرة العقلانية التي تفكر بالعلم لتستوطن قلب العالم. فالأرض جديرة بالأفضل دوما و محال أن يكون عـربي الفضيحة الإنسانية اليوم هو الأفضل، سواء من الناحية القيمية الأخلاقية أو من الناحية الذهنية العقلية.. فهذه مجتمعات مريضة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يزور كنيسا يهوديا في لندن


.. -الجنة المفقودة-.. مصري يستكشف دولة ربما تسمع عنها أول مرة




.. وجوه تقارب بين تنظيم الاخوان المسلمين والتنظيم الماسوني يطرح


.. الدوحة.. انعقاد الاجتماع الأممي الثالث للمبعوثين الخاصين الم




.. الهيئة القبطية الإنجيلية تنظم قافلة طبية لفحص واكتشاف أمراض