الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يسوع الثائر 2 غاندي والمسيح

طوني سماحة

2015 / 7 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لو كانت الحرية والعدالة تشترى بالمال لكان الامر سهلا، لكن معظم الثورات في العالم لم تكن ترضى ثمنا لها بأقل من أرواح الناس. منذ ثورة سبارتكوس، مرورا بالثورة الفرنسية والاميركية وصولا الى الثورة الشيوعية في أوائل القرن الماضي وانتهاء بكل الثورات التي عمت المسكونة، كان هناك رجال ونساء يضعون دماءهم في كفة الميزان للحصول على العدالة والحرية في الكفة الاخرى. لو استطاع المرء قياس كميات الدماء المراقة على مر الزمن خلال الثورات، لربما فاق حجمها مياه النيل والامازون. لكن من الملفت للنظر أن ثمة ثورات نشأت في القرن الماضي، وضعت نصب عينيها مقاومة الظلم بالطرق السلمية وكان النجاح حليفها. أهم هذه الثورات قادها غاندي لتحرير الهند من الاستعمار البريطاني، وأخرى قادها مارتن لوثر كينغ للمطالبة بالعدالة للأمريكيين من اصول افريقية وأخيرا ثورة مانديلا على حكومة الابارتيد في جنوب أفريقيا.

ولد غاندي في الهند في مدينة Porbandar عام 1869 وفارق الحياة إثر اعتداء عليه من متشددين هنود عام 1948. أرسله والداه الى الهند لدراسة القانون وهو في الثامنة عشرة من عمره. لكن بالاضافة الى القانون، اظهر غاندي اهتماما بدراسة الاديان، خاصة الهندوسية، المسيحية و البوذية. إثر عودته الى الهند لم يستطع الحصول على عمل، لذا لم يكن أمامه سوى القبول بعقد عمل لحساب شركة هندية في جنوب افريقيا عام 1893. أمضى غاندي 21 عاما في جنوب افريقيا وكان شاهدا على الظلم والتمييز العنصري الذي يتعرض له الافارقة والهنود على يد نظام الابارتيد Apartheid. خلال إحدى رحلاته في القطار، تم إخراجه من مقطورة الدرجة الاولى المخصصة للبيض على الرغم من حمله تذكرة سفر صالحة المفعول. أنشأ غاندي حركة سياسية هدفها التعبير عن رفض الظلم بالطرق السلمية.

لدى عودته الى الهند عام 1916، طور غاندي مسيرته السلمية في مقاومة سلطات الاحتلال. دعا الى مظاهرات سلمية واحتجاجات مشجعا الناس من خلالها على عدم التعاون مع السلطات وقام بتثقيف العامة من الشعب من خلال رفض الظلم والدعوة لتحسين اوضاع الناس. زاع صيت غاندي في كل الهند حيث أصبح يعرف بالمهاتما أو "الروح العظيمة".

بالتوازي مع الشهرة، أخذ نجم غاندي السياسي يسطع. أوكل اليه مهمة قيادة الكونغرس الهندي الوطني الذي كان يسعى للخلاص من الاستعمار البريطاني. شجع غاندي الناس على مقاطعة البضائع الانكليزية مما أدى الى ضرر اقتصادي وبالتالي الى سجنه سنتين عام 1922. عندما أقرت الحكومة البريطانية ضرائب على الملح عام 1930، واجهها غاندي بمسيرة رمزية مسافة 250 ميلا من أجل الحصول على هذا المنتج. لم تستطع بريطانيا تجاهل تأثير غاندي على الشعب مما دفعها لتوقيع اتفاقات كان من نتائجها التخفيف من حالة الفقر التي يعاني منها الشعب، الاعتراف بطبقة المنبوذين "The Untouchables "، العمل على تفعيل حقوق المرأة وبالتالي التحرر من الاستعمار البريطاني. تعرض غاندي خلال حياته لست محاولات اغتيال، أدت الاخيرة لمصرعه عام 1948. من أقوال غاندي "قد يحقق العنف نتائج جيدة في المنظور القريب، لكن نتائجه السيئة تكون دائمة"، "دعونا نكره الخطيئة ونحب الخاطئ"، "عندما نطبق مبدأ العين بالعين لسوف تكون النتيجة عالما من العميان"، "علينا ألا نفقد الامل بالانسانية. الجنس البشري بحر. بعض القطرات المتسخة لا تؤدي الى اتساخ البحر".

عندما أصابت الرصاصة غاندي قتلت الانسان فيه، لكنها لم تمح من ذاكرة التاريخ الرجل المقاوم اللطيف. عوامل كثيرة صاغت شخصية هذا الرجل منها نشأته الهندية، الحقبة الاستعمارية، دراسته القانون في بريطانيا، اهتمامه بالأديان، ومعاصرته للظلم في جنوب أفريقيا كما في الهند. لكن غاندي استمد الكثير من طاقته في محاربة الظلم من شخص سبقه الى الحياة ألفي عاما. ابتدأ غاندي قراءة الكتاب المقدس كيما يحافظ على وعد قطعه لأحد الاصدقاء بقراءته. وجد غاندي العهد القديم مملا بعض الشيء خاصة كتاب العدد، لكنه أصبح صيدا ثمينا في شبكة المسيح. ليس من دليل على أن غاندي اعتنق اللاهوت المسيحي، لكنه، ومن خلال قراءته الموعظة على الجبل (متى 5-7)، طوّر رؤيته وفلسفته السلمية للحياة التي قادته فيما بعد لتطبيقها على نطاق واسع في مقاومته الاستعمار. "يحتل يسوع مكانا مميزا في قلبي"، يقول غاندي لأبناء شعبه. "أريد أن أقول للهنود، حياتكم سوف تبقى قاصرة ما لم تتعرفوا على تعاليم المسيح".

الألم، الفقر، الصليب، الموت، السلام، المحبة، كلها جزء من ملكوت السماوات الذي بشر به المسيح. "لكن ما بهرني في شخص المسيح،" يقول غاندي، "هو الناموس الجديد الذي أتى به، ليس ناموس العين بالعين إنما ناموس من ضربك على خدك الايمن در له الايسر، وناموس من طلب منك ان تمشي معه ميلا، إمش معه ميلين". شكلت الموعظة على الجبل نواة المسيحية بالنسبة لغاندي وهذا ما جعل من المسيح شخصاغاليا على قلبه. وفي النهاية، شكل الصليب النهاية المنطقية والحتمية للمسيح الذي على كل من أراد اتباع تعليمه ان يحمله هو أيضا.

عندما توجه غاندي الى مستعمريه الانكليز خاصة والى المسيحيين عامة، قال لهم "أحب مسيحكم وأنفر منكم أيها المسيحيين، لأنكم لا تشبهون مسيحكم أبدا... أيها المسيحيون، خاصة المبشرون فيكم، عليكم ان تعيشوا كالمسيح. عليكم ان تنشروا انجيل المحبة وأن تتعمقوا بدراسة الديانات المختلفة كيما ينشأ لديكم قبولا لإيمان الآخرين."

لن يمضي وقت طويل على موت غاندي حتى تشتعل شرارة سلمية أخرى في مواجهة المظلوم للظالم. هذه المرة، سوف يكون المقاوم الشعب الامريكي من أصول أفريقية وسوف يكون قائد هذه المقاومة قس مسيحي أسود يقتدي بغاندي ويثور على حكومة بلاده التي تطبق سياسة التمييز العنصري بين العرق الابيض والاسود. هذا القس ليس سوى "مارتن لوثر كينغ."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ثورة المسيح وثورةغاندي انتهتا بالصلب والقتل
عبد الله اغونان ( 2015 / 7 / 18 - 23:38 )
صحيح معنويا انتصر المسيح لكنه صلب وثم استغلال هذا الصلب كاعتقاد ح
ولكن من حدد العقيدة كان هو القيصر وهكذا لم يكتف القيصر بما له بل استولى على كل ما لله
واستغلها ابشع استغلال
الاستغلال ثم تابعت الكنيسة هذا الاستغلال وحولته الى استبداد
ثم تم القضاء عليهابثورة علمانية فدخلت الى الكنيسة تمارس الوعظ
ثم انتهى الأمر الى ادعاء نفي الله أو موته
بل اعتبار الانسان هومن خلق هذا الوهم
تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
غاندي قاوم الاستعمار بالسلم والاصرار
لكن الاستعمار ليس هو من قتله بل واحد من ملته
وتبع ذلك انفصال باكستان وبانغلادش عن الهند
فما لم يستطعه الاستعمار كان كامنا في تخلف المجتمع الهندي نفسه
الثورة الصحيحة التاريخية التي نجحت سياسيا وتاريخيا وفكريا هي الاسلام
ولاننسبه الى شخص النبي محمد فهو رسول مبلغ
تجاوز الاسلام المكان والزمان والقوميات وقدم تصورا مازال الى الان يلقى تجاوبا ونقاشا على كل صعيد في الاعتقاد والسلوك والاقتصاد والأخلاق
محمد دعا الى الاسلام لكنه لم يستسلم فعندما هوجم قام بغزوات نصرت الاسلام وأذلت الكفر والشرك. ومايزال الاسلام بكل مايمثله من اعتقاد وتاريخ في لب الصراع
ا


2 - تصحيح
طوني سماحة ( 2015 / 7 / 19 - 13:56 )
سقط سهوا في المقال -أرسله والداه الى الهند لدراسة القانون- والتصحيح هو -أرسله والداه الى بريطانيا لدراسة القانون-. يرجى المعذرة

اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah