الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة لا يمثلون الإسلام بالعقل العربي

عبدالعزيز عبدالله القناعي

2015 / 7 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اوشاج
أزمة لا يمثلون الإسلام في العقل العربي

بعد توقف شبه طويل بكتابة المقالات بسبب انشغالي بتأليف كتاب "أزمة الإسلام بين الفهم والتطبيق"، استفزني للعودة الي الكتابة كمية القتل والذبح في شهر رمضان المقدس لدى المسلمين. ففي أيام قلائل تم قتل العديد من الأبرياء والضحايا في الكويت وتونس وفرنسا وغيرها من البلدان العربية من قبل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
في تونس كان الحدث مفاجئا نوعا ما لوقوعه في دولة كانت تعتبر من الدول المحصنة مدنيا من الغزو الديني الهمجي، لتتكرر ثانى عملية إرهابية كبيرة على أراضيها فى غضون ثلاثة شهور وتنال من السياح الأجانب فى محاولة إرهابية تستهدف إجهاض الإقتصاد التونسى وتقويض مجتمعه العلماني ليسقط فى هذه المرة 38 سائحا على شواطئ سوسة بأيدي اسلامية تصلي وتصوم وتقرأ القرأن. وفي الكويت فجر مسلم داعشى مسجدا للشيعة ليخلف 27 قتيل وأكثر من 200 جريح فى مشهد إعتدناه من الصراع السنى الشيعى في دول الجوار، كمنتج من إنتاجنا الإسلامي ومن ثقافتنا ومن سلوكنا، فالجناة والمجنى عليهم عرب ومسلمين, فلا جهاد ضد الغرب الصليبى بل جهادنا المقدس ضد المسلم المختلف بذبحهم وتفجيرهم، كذا نضال بعض الشيعة فى قتل السنه, كما يحدث في العراق والمفترض أن المذهبين مسلمان يؤمنان بالقرآن ورسوله، ولكنها الثقافة العدائية المستوطنة التى لا تقبل أى فكر مغاير لتأكل النار نفسها وتحرق كل معنى للحياة والسلام. وفي فرنسا بلاد الحريات ومنبع التنوير والحضارة والجمال يطل الإرهاب الإسلامى عليها من جديد بعد حادث شارلى أبيدو بقيام إرهابى مسلم بقطع رأس مديره الفرنسى ليتوجه بعدها إلى مصنع للغازات بمدينة ليون ليعلق رأسه على سوره ثم يفجر نفسه مدمراً المصنع. والحدث الأخر كان في مصر التي طالت أحد أكبر الشخصيات في النظام المصري منذ ثورة 30 يونيو، وهو المستشار هشام بركات، النائب العام في مصر، حيث تم تفجير موكبه بسيارة كانت متوقفة على جانب الطريق بمصر الجديدة. أدى الي مقتله واصابة مرافقيه وحمايته. وقد علقت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية على حادث مقتل النائب العام المصري، هشام بركات، بأن تنظيم داعش يجلب شره إلى مصر. وأضافت الصحيفة: "يعتقد أن التنظيم التابع لداعش في مصر، ولاية سيناء، قد يكون هو المسؤول عن حادث الانفجار"، مشيرة إلى أن "بركات أحال مئات المتطرفين للمحاكمات بعد عزل الرئيس المصري الأسبق، محمد مرسي، قبل عامين".
وبعد انتهاء شهر رمضان المبارك اشتعلت حوادث القتل والتفجير لتطال العراق والولايات المتحدة الأمريكية بخلاف استمرارها في سوريا واليمن وليبيا، مما يضعنا أمام أزمة حقيقية وتطور خطير في تحول الإسلام السياسي الي مسخ فكري وعسكري يقوم بأبشع أنواع التصفيات المذهبية والعرقية لنصرة دين الإسلام.
من الخطأ التعامل مع الإرهاب الإسلامي اليوم بالقول انه لا يمثل الإسلام، بل من الجرم الفادح تبرئة النصوص الدينية والتراث الإسلامي من تبعات الجرائم التى يقوم بها تنظيم داعش وغيرها من التيارات الاسلامية الجهادية وإلقاء اللوم على سوء الفهم والتأويل للنصوص الدينية أو التغرير بالشباب لتفخيخ أجسادهم وقتل الأبرياء، خصوصا إذا عرفنا ان غالبية من يموت في سبيل الله يحمل الشهادات العليا والمستوى المعيشي الجيد، لنجد أن الإرهاب الإسلامي قبل أن يتحول الي فعل عسكري قد مر بالتعليم والمسجد والتكايا الدينية ولجان التبرعات الخيرية. مما يضعنا أمام إشكالية لن تنتهي طالما أن السبب الأول والأساسي لتغذية العقول بكراهية الآخر وحلم الدولة الدينية مازال حرا طليقا يتم استخدامه كلما أتت الفرصة المناسبة او خلق تلك الفرصة باستغلال الوضع الراهن بعد الثورات العربية. إن المشكلة التى تقع فيها الأنظمة العربية هي في التصرف بعد وقوع الجريمة، فليس هناك احتياطات او أدوات يتم فيها ومن خلالها مراقبة السلوك الديني المتطرف، فالمجتمعات العربية في غالبيتها تسمح او تعطي لرجال الدين السلطة والصلاحية بالتصرف كما يريدون، ولعل من أخطر تصرفات هؤلاء المتأسلمين هو في القدرة على تجنيد الأتباع بعيدا عن الرقابة الحكومية وبث الأفكار الجهادية ومنظومة الولاء والبراء وكراهية الكفار والمختلف في المذهب.
لاشك أن المجتمعات العربية لم تنجح بعد في التحول الي العلمانية الشاملة، وهذا هو السبب الأساسي في تمكن الفكر الديني من السيطرة على العقول والبقاء في مجتمعاتنا طالما أن الوعي المدني لم يتجذر تماما في العقل العربي، مما يجعلنا نتخوف من المستقبل أكثر من سوء حاضرنا، فالديمقراطيات الشكلية المشوهة في بعض مجتمعاتنا لم تستطع بناء مفاهيم التسامح وقبول الآخر واحترام حرية الرأي والإعتقاد نظرا لتدخل الأنظمة العربية في أدلجة الشعوب وفقا لتعاليم ونصائح الكهنوت الإسلامي، كما استطاعت الأنظمة العربية وبالتحالف مع السلطة الدينية في غالبية مجتمعاتنا العربية من إبقاء حالة الجهل والتقاتل المذهبي لما يخلقه هذا الجو الطائفي من ديمومة واستمرارية التحالف الشيطاني بين الأنظمة ورجال الدين..نحن إذا نعيش حالة ميؤوس منها سلطويا وفكريا في ظل غياب او خوف النخب المثقفة العلمانية أو ما تبقي منها من مواجهة الفكر الديني وإيقاظ الشعوب العربية من حالة الخدر الديني والتشوه العقلي. كما لم تستطع تيارات الإسلام المعتدل خلق حالة التوازن أو بناء مفاهيم التسامح الإسلامي، إن كانت موجودة، في مجتمعاتنا لأن فكرة الإعتدال الإسلامي هي فكرة غير صحيحة ووهمية في المخيال الإسلامي، فلم يشهد التاريخ الإسلامي في غالبيته أن حكم الإعتدال الديني دولة أو أمة، فمن تراتب على الحكم في الخلافة الإسلامية إنما كانوا جزءا من منظومة الدفاع عن الدين واستكمال الفتوحات الي أن يرث الله الأرض بمن عليها.
إن وضع الحلول لإشكالية داعش وبقية التيارات والأحزاب الإسلامية على طول البلاد العربية وعرضها، هو كمن يحارب طواحين الهواء بلا فائدة، أو كمن يقدم نفسه وروحه للموت بأحكام الردة والتكفير، نظرا لأن الحل الأول في أيدى الشعوب وليس الأنظمة أو تحول رجال الدين والفقهاء الي حمل وديع. فالتحولات التاريخية الكبري تصنعها الشعوب للتخلص من العبودية الدينية والأنظمة الإستبدادية، ولطالما كانت الثورات الجماهيرية مقياسا لوعي الناس بحقوقها وايمانها بالمساواة والعدالة والحريات، وهذه المنظومات الفكرية لم نستطع جميعا من الإقتراب إليها حتى اليوم لعوائق كثيرة ينبع معظمها من العادات والتقاليد والدين. وحتى نكون أكثر دقة وصراحة لنضع بذور الثورة الحقيقية على أوضاعنا المتهالكة نقول بأن التطور والنهضة والحضارة لن تجد تربتها وطريقها الي مجتمعاتنا طالما لم نبدأ في نقد الدين والثوابت واليقينيات والمسلمات الايمانية، وطالما نخاف من مواجهة النصوص الدينية والتراث الإسلامي، وطالما بقي التاريخ الإسلامي والرموز الدينية مقدسة، وطالما تقبع منظومة العادات والتقاليد دون محاسبة أو إلغاء أو تعديل، وطالما بقيت المرأة العربية أسيرة العادات والتقاليد والدين.
نحن في الحقيقة أمام فكر ديني عنيف يحظي بالحرية والإنتقال من جيل الي آخر، ومن شعب الي آخر، فنهاية داعش لن تكون نهاية للعنف والقتل الديني، فالإرهاب الإسلامي يولد من فكرة حرة مقدسة لا تقبل النقد لتجد حاضنتها في شعوب جاهلة وأنظمة تهتم للكرسي أكثر من أهتمامها بالإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سوء الفهم؟؟
احمد حسن البغدادي ( 2015 / 7 / 19 - 09:34 )
احييك أستاذ عبد العزيز على هذا المقال،

ان تبرير الاٍرهاب الاسلامي، بانه نتيجة لسوء الفهم والتأويل للنص القراني، يسقط ويتهاوى امام الحقائق التالية:

1- ان جميع الإرهابيين هم مسلمون فقط،
فَلَو كان سوء الفهم هو السبب، فماذا لم نجد مسيحيين او بوذيين او هندوس، أصبحوا ارهابيين بسبب سوء الفهم لمعتقداتهم، وسوء الفهم يحصل فقط للمسلمين؟

2- لو كان هناك سوء فهم للعقيدة الاسلامية، فان سوء الفهم يحصل من قبل شخص واحد، او في منطقة محددة او في دولة محددة على اكثر تقدير، في حين نجد ان الإرهابيين لديهم فهم واحد للإسلام في جميع الدول الاسلامية وغير الاسلامية، فهم ياتون من الصين وروسيا وأوروبا وجميع الدول الاسلامية، ياتون بمفهوم واحد للإسلام، وهو الجهاد في سبيل الله، الذي هو فعلياً الاٍرهاب في سبيل الله، لان قرآنهم واحد، ومحمد واحد.

لذلك فان مقولة سوء فهم للإسلام تسقط حين يكون المسلمون من جميع المشارب، من دول ولغات وقوميات مختلفة، يتجمعون للقيام بعمل واحد وهو الاٍرهاب.

لذلك فان هذه المقولة،سوء الفهم، يستخدمها المسلمون للتهرب من الحقيقة المرة، وهي ان الاسلام والارهاب، وجهان لعملة واحدة.

تحياتي....


2 - سوء الفهم
عبدالعزيز القناعي ( 2015 / 7 / 19 - 10:53 )
تحياتي استاذ احمد واشكر مرورك الكريم والتعليق الرائع على المقال

نعم اتفق معك نحن ندور في حلقة مفرغة منذ قرون بسبب عدم قدرتنا على الاعتراف بالحقيقة ومواجهة الارهاب الاسلامي الذي اخذ بالتمدد نظرا لخوفنا من مواجهة الدين كمنظومة عملية تفرز معظم آليات التطرف والقتل..في مجتمعاتنتا اصبح النفاق هو السمة الطاغية في تعاملنا وايضا لخوفنا من مواجهة التاريخ الاسلامي ونصوصه الداعية الي التقية وغيرها..كثير من ثقافتنا وسلوكنا نابع من التأثير الديني الذي لم يتم بعد التخلص من آثاره وابقاءه في اطار التكايا ودور العبادة كما فعلت الأمم المحترمة.

تحياتي


3 - خطوات للقضاء على الارهاب الديني
صباح ابراهيم ( 2015 / 7 / 20 - 09:50 )
لابد للتخلص من الارهاب وجرائمه هو التخلص اولا من الفكر الديني المتطرف .
لابد من مراقبة المساجد والتكيات وتجمعات الاسلاميين ومحاسبة الشيوخ على خطبهم وتحريضهم الرعاع والجهلة على الجهاد الذي هو الارهاب بذاته .
الدولة التي تحترم نفسها وتريد حماية شعبها ، عليها وضع البرامج الامنية الصارمة في تعديل مناهج الدراسات الاسلامية من المدارس الابتدائية والى معاهد العلوم الاسلامية في الجامعات . وحذف كل ايات الجهاد والقتال والعنف ، واحلال ايات التسامح والاعتراف بالاخر والجدال بالكلمة الحسنة .
اصدار اوامر قضائية وتشريعات واحكام صارمة بحق من يتبع النهج الجهادي المسلح وتكفير الاخرين ، او من يلقى القبض عليه محاولا تنفيذ عملية ارهابية بدافع ديني وتكفيري .
نشر ثقافة التسامح والمحبة بين المذاهب وبين المسلمين وغير المسلمين كاخوة في الوطن لا يفرقهم الدين والمذهب .
تنفيذ احكام الاعدام بحق مرتكبي جرائم القتل والتفجيرات والخطف والاغتصاب .
تحياتي للكاتب


4 - خطوات للقضاء على الارهاب
عبدالعزيز القناعي ( 2015 / 7 / 20 - 21:24 )
تحياتي استاذ صباح

لاشك ان خطوات القضاء على الارهاب الديني تنبع من خطوات مادية وفكرية وهي تماما ما أشرت اليها في تعليقك ولكن دعني اضيف عليها اذا تسمح هو البداية الحقيقية التى مارستها شعوب غيرنا ونجحت في التقدم وهاهي ترفل بالسعادة والطمأنينة والإستقرار بدءا من الدول الإسكندنافية الي الغرب وأوروبا..وهذه الخطوة هي نقد الدين ونصوصه وتراثه بشكل علمي والحفر عميقا بأساسيات أركيولوجية لكشف ماوراء التطرف والارهاب ومنابعه..هذه الخطوة هي المستحقة وبعدها نستطيع التقدم ماديا من خلال تنظيف مجتمعاتنا من المؤسسات المتطرفة والمناهج واقصاء رجال الدين والفقهاء عن الدولة عبر اختيار العلمانية.

تحياتي لك واشكر مرورك الكريم.

اخر الافلام

.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت


.. مقتل مسؤولَين من «الجماعة الإسلامية» بضربة إسرائيلية في شرق




.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با