الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القول الفلسفي في العلمانية

مصطفى حنكر

2015 / 7 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كنت أتورط قبل سنوات في جدالات العلمانية في علاقتها مع العلم و الدين و السياسة .لكنها كانت جدالات سطحية و اندفاعية في أغلبها سواءا من جانب الإسلاميين أومن جهة بعض المتطرفين العلمانيين . بحيث أنها تتخد أشكالا إيديولوجية سياسية أحيانا ، و شخصانية أحيانا أخرى ، و تنتهي كلها بلا شيء كثرثرة عجائزية زاعقة في الشارع . أثير هذا النقاش مؤخرا في وسائل الميديا و حظي بمساحة ضوئية أكبر ، لذلك أردت أن أعود إليه مرة أخرى . ليس بهذه الصيغة العنيفة ، لكي لا أكون مكرورا ومجترا لنفس الأساليب التي تجاوزتها، و لكني سأتناوله هذه المرة من منظور آخر ،أردته أن يكون فلسفيا . لأني متيقن أن النقاش الفلسفي هو أرحب الجدالات على الإطلاق ، و أكثرها هدوءا و عمقا بقدر ما سنتجاوز الصدامات الإيديولوجية القديمة و ننقص من حدتها ، لأنها هي التي تؤثر سلبا في أي حوار .
مشكلة المفهوم :لعنة المصطلح
مفهوم العلمانية أصبح مشكلا بحد ذاته . و قد أصبح المصطلح(العلمانية ككلمة /دال) ذاته يشكل جزءا من هذا المشكل .لأنه يثير بعض التوجسات و التمثلات المشوهة عنه ، و التي ساهم في تعميقها كلا طرفي السجال : الإسلاميين بحدة أكبر ، و بعض العلمانيين أيضا .فالأولون يقدمون إحالات مشوهة و قصدية ، و الأغلب أنها تتم عن قصد ، عن مفهوم العلمانية ، فيرادفونها مع الكفر و اللادينية و الإلحاد و العري و التفسخ الأخلاقي و الإباحية ....إلخ . إنه معجم لغوي موغل في الإدانة و الإتهام في كليته ، يروج له الفقهاء لهدف تشويه العلمانية عن قصد كما قلت ، من ثم تنفير الناس عنها بشكل يثير الرعب أحيانا لتقديم صورة لاأخلاقية عنها بحيث يمكن معاداتها من قبل الجمهور .و الآخرون يساهمون بدورهم في تعميق الإساءة للمفهوم بتجزيئه إلى مجرد إشكال قانوني و سياسي وغض النظر عن جوهرها الأساسي ، بمطالبتهم الفصل المؤسسي للدين عن الدولة، و ما كانت العلمانية يوما بهذا المفهوم المجزأ و السطحي .ما نتج عنه توجس من مصطلح العلمانية ذاته لدى الجمهور لما لحقه من تشويه كهنوتي ،و قد نجده _أي الجمهور_رافضا لاستغلال الدين في السياسة ،أو مطالبا بفصل الدين عن الدولة . و لكنه ، في الآن ذاته ، يرفض العلمانية كمصطلح في حد ذاته رغم أنه مطلبه علماني بامتياز . ما حدا بالجابري ليغير من المفهوم ليضع مكانه مفهوما آخر،إلى حد ما بريء ، هو العقلانية أو الديمقراطية لكونها ،اعتقادا منه ، لن تثير تلك التشنجات التي يثيرها مصطلح العلمانية .
سأترك هذا الجدال لأحاول تأسيس مفهوم العلمانية من منظور فلسفي أنواري الآن دون تناول تاريخ ظهوره و سياق ذلك لأني سأتطرق لمشكلة السياق فيما بعد . سأبدا أولا بتعريف العلمانية لرفع لبس قديم عنها .العلمانية بفتح العين ، و تنطق على نحو سائد بكسر العين على أنها اشتقاق من العلم و ليس العالم . لكني سأتناول المفهوم الأولاني المشتق عن العالم . العلمانية بمقابلها الإنجليزي بمعنى الزمني و الدنيوي ، و هو عالم الآن و ال"هنا " ، و بذلك تسحب العلمانية اهتمامها بعالم ال"هناك " ، أي العالم الأخروي و تركزه في بهذا العالم . نفهم من هذا المفهوم المعجمي أن العلمانية تنزع باهتمامها بالعالم " هنا " في الأرض ، إذ هو اهتمام سيكون محوره الإنسان في علاقته ب"الهنا " و تركيز اهتمامها بالإنسان هنا . لأن السلطة الدينية الكنسية ،في هذا السياق التاريخي ، كانت تركز اهتمامها بشكل سلطوي و استبدادي على الإنسان " هنا " و تربط وجوده في هذا العالم بالعالم الأخروي (الهناك ) عبر فكرة الخلاص .و بالتالي تأخد السلطة الدينية مكانة رقابية مقدسة على الإنسان في الزمنين الآني و الأخروي لتلحق الأول بالثاني . المشكلة إذا هي هذه :أن الدين اتخد من ذاته عبر رجال الكنيسة في السياق الأروبي مرجعا كليانيا لمجالات لها علاقة مباشرة بالإنسان و حياته ،كالسياسة (الدولة ) و العلم و المعرفة و الفن و المجتمع ...إلخ .الحقيقة باتت هي الحقيقة الدينية و غير معترف بحقائق أخرى خارج نصوصه ، و حينما نتحدث عن المعرفة كذلك نتحدث عن المعرفة الدينية.تلك التي تستمد شرعيتها من الدين عبر واسطة كهنوتية ، فالكهنوت هو الذي يحدد مشروعية و قبولية معرفة ما أم رفضها بوصفها هرطقة خارج الدين ، و مدى مطابقتها للدين في حالات أخرى . السياق الذي نتحدث عنه هو سياق الكنيسة بامتياز . و لكن لا يعني هذا أن السياق الإسلامي غير معني بالموضوع . حيث كان رجال الدين عبر مؤِسساتهم الكنسية مصدرا للمعرفة النظرية و العملية للناس في الآن ذاته. جوهر العلمانية كان هذا بالذات ، الإنزياح عن سلطة رجال الدين في مجالات كانو يحتكرونها باللاهوت . و يتضح هنا أن فصل الدين عن الدولة هو أحد سمات العلمانية الثانوية و ليست الجوهرية . أما المطلب الأساسي فكان مطروحا كالتالي :كيف الإنعتاق من احتكار السلطة الدينية لمجالات الحياة ، كان أهمها المعرفة ؟
كان رجال الدين في السياق الهيمني للكنيسة في أروبا قد اتخدو من أنفسهم واسطة يين الإنسان و العالم . وقد كان التفكير خارج هذه الوساطة نوعا من المروق عن الوضع السائد يجلب لصاحبه مشاكل و صدامات مع رجال الدين خصوصا و الناس عموما . فكانت تقام محاكم تفتيش تعقبا و عقابا لمن تتهمهم الكنيسة بالهرطقة ، بالتفكير خارج المسموح به .لأن الكنيسة فرضت حالة من اللاتفكير و الجمود العقلي على الكل . لا أحد يفكر إلا أن يفكر رجال الدين مكانه .الجميع في حالة قصور فكري ، في مقابل نخبة إكليروسية تعرف كل شيء . إذ باتت المسألة الفكرانية شيئا من اختصاص الكنيسة و حدها .لقد غدا العقل موجها بشكل قسري و سلطوي إلى تفكير معين من الكنيسة كسلطة تستمد شرعيتها من السماء .نتيجة ظروف كهذه مقيدة لحرية التفكير و استقلالية الفرد في علاقته بالفكر و المعرفة والأخلاق الحياة عموما ، ستنبعث حركة أنوارية نهضوية تؤسس لذاتها بشكل مستقل عن الكنيسة و تتحررمن سلطة الدين .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يحيى سريع: نفذنا عملية مع المقاومة الإسلامية بالعراق ضد هدف


.. عشرات اليهود الحريديم يغلقون شارعاً في تل أبيب احتجاجاً على




.. بابا الفاتيكان يحذر من تشريع المخدرات ويصف التجار بـ-القتلة-


.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: المسلمون خائفون واليهود منقسم




.. 137-An-Nisa