الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


!! .. موائد اللئام

ياسر العدل

2005 / 10 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نحن المصريين نعيش كل عام وقائع التعامل مع شهر رمضان، والمراقب لسلوكنا يصل إلى أننا قومَ مسرفون، نظلم أنفسنا جهلا ونفاقا، تعشش فى عقولنا ثقافتنا انتقائية ضعيفة، تسمح بخلط وقائع الفساد مع مظاهر التدين، ثقافتنا السائدة متناقضة ترى من الوجهة النظرية أن شهر رمضان كريم دائما، وفى الوجهة العلمية لا تهتم بتطبيق معايير الحكم على أفعال تجعل من شهر رمضان كريما أحيانا.
فى المؤسسات الإنتاجية، تقام حفلات إفطار وموائد على شرف كبار الموظفين، موائد تتكلف الكثير من المال والنفاق وفتح البطون، لا يلقى فيها الكبار شرف حضور الكثير من العمال وصغار الموظفين، ولا يقدر غالبية الفقراء على تكاليف الانتقال إليها، موائد نفاق ينسى أصحابها أن الجائع الفقير لا يشبع من طعام يقدّم له فى خدمة الفنادق الفاخرة، وأن شبع الفقير لا يعافيه من ألم الحسرة على ما يراه من إسراف.
فى أماكن العمل الحكومية، يقوم بعض الموظفين الأثرياء بنصب موائد علنية يتاجرون فيها بمظاهر تدينهم، يوزعون صدقاتهم تفاخرا على زملائهم، وتنتشر فى الدواوين حركة بيع وشراء بين الجميع، يتداولون أدعية وتعاويذ وصدقات وأكياس أرز وسمن ودقيق وبلح، ويكتشف العاقل أن ثراء بعضهم راجع لأسباب غير أخلاقية واقترافهم الصريح لكثير من الموبقات، فهؤلاء أطباء يثرون على حساب المرضى، وأولئك مسئولون يتعاطون الرشوة، مثل هؤلاء البشر يرتدون أقنعة تخفى فسادهم وراء تفسيرات مغرضة لنصوص دينية.
فى الجامعات ودور العلم، يشترك الكثير فى موائد زيف من تدين موسمى، أساتذة يسرقون الطلاب فى كتبهم الجامعية ويدلسون فى نتائج الامتحانات، يطيلون ترديد الأذكار على حبات مسابح فخمة، طلبة يتوقفون عن التدخين وصبغ الشعر، وطالبات يمتنعن عن استخدام مساحيق التجميل ويرتدين حجاب الرأس، وحين يتخلص الجميع من شهر رمضان ينطلقون فى لهوهم شاغلين بقية العام، يتمسكون بطقوس الدين محصورة على مظهر متغير دون أن تمس لديهم جوهرا مستقرا.
فى أجهزة الأعلام، تنتشر موائد إذاعية يستسلم لها كثير من المشاهدين، تسقى القلوب تخلفا ثقافيا مريعا، تصنع البلاهة فى العقول، تدعو للمقامرة واستهلاك الوقت، تسخر من رغبات البشر وتستهين بمشاعرهم، تدرب نفوس المشاهدين على استجداء التواصل وتسفيه لغة الحوار، وتقلص انتماء الجمهور إلى دوائر العقل والثقافة والتدين.
فى الشّوارع والميادين، وعلى شرف الفقراء وباسم الدين، ينصَبُ الأغنياء موائد طعام وشراب تسحق كرامة كل فقير وتهدر منطق كل دين، يخرق الأثرياء قوانين استخدام الطرق ويشغلون الشوارع، وينصبوا موائدهم تفاخرا أمام بيوتهم، وفى النهاية يرتاد هذه الموائد قليل من الفقراء المعوزين وكثير من الضيوف اللاهين.
وفى كثير من الأماكن تُنصبُ موائد طعام بدوافع دينية، تهدر فيها الأموال وتقصف بها عنق أى اقتصاد، ففى العام قبل الماضى أعلنت إحدى الجمعيات أنها تنفق على موائد الإفطار حوالى المليون جنيه مصرى يوميا، وينسى مديرو تلك الجمعية أن ثمن عربة واحدة لبيع الفول أو الكشرى لا يزيد عن خمسة آلاف من الجنيهات، مثل هذه العربة يمكن أن تكفل حياة كريمة لأسرة متوسطة، أى أن ما تنفقه تلك الجمعية على موائد الإفطار اليومية، يكفى اقتصاديا واجتماعيا لفتح مائتى بيتا جديدا يوميا، إن أنشطة تلك الجمعية وكثير من أمثالها يخرج عن إطار المفاهيم الحديثة للإصلاح والتكافل الاجتماعى، إنها شركات توظيف أموال من نوع أخر تمارس الوصاية الدينية على أموال السذج وصدقات المتطهرين، تتاجر بفقر الناس وتسفه طموحاتهم الدينية، تدير بعض أموال المجتمع بأداء يصنع مزيدا من الكوارث الاقتصادية.
فى بلادنا تنتشر مواسم دينية مغلوطة الفهم، تظهر ملامح تخلف ثقافى وحضارى، تنتشر معها موائد لئام يسعون للغفران مما كسبت أيديهم، وينتقون للتطهر تفسيرات خاطئه لنصوص دينية، إنهم لئام بموائدهم يدربون الضعفاء على الشّحاذة وإهانة الكرامة، وبتفسيراتهم المغلوطة يدافعون عن بناء ثقافى متناقض.
نحن بحاجة إلى مجتهدين ثقاة يعرضون صحيح المفاهيم الدينية على محك التقدم الأخلاقى والاقتصادى والاجتماعى للبشر، نحن بحاجة لأن نخرج من جب تخلفنا المهين، ونملأ وعينا وقلوبنا بثقافة جديدة تجعل منا أمة متحضرة تعيش بين الأمم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التركمان والمسيحيون يقررون خوض الانتخابات المرتقبة في إقليم


.. د. حامد عبد الصمد: الإلحاد جزء من منظومة التنوير والشكّ محرك




.. المجتمع اليهودي.. سلاح بيد -سوناك- لدعمه بالانتخابات البريطا


.. رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يزور كنيسا يهوديا في لندن




.. -الجنة المفقودة-.. مصري يستكشف دولة ربما تسمع عنها أول مرة