الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملك طاووس ، يرعاك يا ( آشتي بدل جندي )

امين يونس

2015 / 7 / 21
المجتمع المدني


لأنني مُتعوّدٌ على الذهاب ، الى النادي ، مُبكراً ، قبل موعدي مع الأصدقاء .. فلقد توثقتْ علاقتي مع العاملين في نادي العُمال .. حيثُ أتجاذبُ معهم أطراف الحديث . ولفتَ نظري منذ أكثر من سنتَين ، نادلٌ شاب ، دمث الإخلاق ، هادئ وذكي .. كانَ في التاسعة عشر من عمره ، حسن المظهَر ، تركَ الدراسة في المرحلة الإعدادية ، لكي يعمل ويُساعد عائلته الفقيرة في توفير مُستلزمات الحياة اليومية .
لم يكُن ( آشتي بدل جندي ) يتكلمُ كثيراً ، ولكنهُ بعد أشهُرٍ من تعارُفنا وإطمئنانه إلى أنني لا أسخرُ منهُ ولا أتكبَرُ عليهِ ، كانَ أحياناً يُفضفِض ويُحدثني عن أحلامهِ وطموحاتهِ الواسعة .. هُو بالأصل من قرية " شيخ خدرا " لكن مسقط رأسه ( مُجمَع شاريا ) وأمله هو الزواج من فتاةٍ ، يحبها وتحبهُ . قالَ لي يوماً ، أن أمنيته ، أن يُهاجِر الى أوروبا ويبدأ حياةً جديدة .
............................
منذ مساء يوم 3/8/2014 ، بدأتْ طلائع النازحين الهاربين من سنجار وقُراها ومُحيطها ، بالوصول الى مُجمع شاريا .. وخلال يومَين إكتظَ المُجمع عن آخره .. وعّمتْ الفوضى في ظل غياب خطةٍ حكومية مُسبَقة ، لإستيعاب هذه الأعداد من النازحين .
عاشَ الشاب ( آشتي بدل جندي ) ، شأنهُ شأن بقية أهالي شاريا ، هذه الأجواء المأساوية عن قُرب ، وسمعَ عن الأهوال التي حاقتْ بالذين لم يستطيعوا النجاة من بين أنياب الفاشية الإسلامية الداعشية .
أما القِشة التي قصمتْ ظهر البعير ، كما يُقال .. فلقد كانتْ متمثلة ، في إنسحاب البيشمركة في 7/8/2014 و 8/8/2014 ، من منطقة بعشيقة وبحزاني ومحيطها ، حيث إستولتْ عليها عصابات داعش ، ونزح أهاليها الى محافظة دهوك .. وحتى أهالي قضاء " الشيخان " التي على مرمى حجَر من شاريا ، هجروا المدينة عن بكرة أبيهم ، خوفاً من تقدُم داعش .. لا بل أن العديد من سُكان مدينة دهوك نفسها ، غادروها في أيام 9 و 10 و11 من الشهر الثامِن .. لأنهم لم يعودوا يثقوا بِقُدرة الحكومة على حمايتهم ! .
في هذه اللحظات ، الكئيبة والمُحبِطة والحزينة .. قَررَ ( آشتي ) ، أن يُهاجِر الى أوروبا ، بأي ثَمَن .. فاتحَ أهله ، ورغم إعتراضات من بعضهم ، لكنهُ أقنعهم بسهولة ، لِقوة حجته ومعايشتهم جميعاً ، لهذه الأوضاع المضطربة والأُفُق الغامض ، لما سيجري مُستقبلاً .
........................
خلال الأشهر التالية ، كان ( آشتي ) يأتي للعمل في نادي العمال ، وكنتُ أتبادلُ معه الحديث .. وقالَ أنهُ ومعهُ مجموعةٌ من الشباب الإيزيديين ، بعد ان وّفروا بعض النقود وإستدانوا البعض الآخر ، إتفقوا مع مُهّربٍ شهير ، أن يوصلهم الى ألمانيا ، مُقابل مبلغٍ مُحّدَد من كُل منهم .. وأنهم سوف يُغادرون بعد أيامٍ قليلة .
كانَ بِودي أن أثنيهِ عن نيتهِ " لأني كنتُ أعتبرهُ مثل إبني الأصغَر " ، لكن ماذا سأقول له ؟ وهل من حّقي أن أوعدهُ بوعود عن تحسُن الأوضاع .. ومتى ؟ .. تمنيتُ له الخير وودعته .
....................
كنتُ أسمع من خلال أقرباءه .. أنه وصل الى بلغاريا .. وبعدها الى رومانيا ، ثم بعد أيام وصل الى صربيا .. وأخيراً كانَ في ألمانيا ، جنتهُ الموعودة ! .
فرحتُ كثيراً ، عندما علمتُ ، انهُ إستقرُ في مدينة ( آيسِن ) حيث تُقيم أخته منذ سنوات .
...................
لأنَ الحُزنَ كامنٌ في أعماقنا .. لايُغادِر ، كما يبدو .. ولأن الفرح والسعادة ، تهربُ من بين أيادينا .. فلا بُد أن تنتهي حكاياتنا الواقعية .. بمأساة . ففي يوم عطلة ، قبل أسابيع قليلة .. ذهبَ ( آشتي بدل جندي ) مع عائلة أخته ، للإستمتاع بالطبيعة الساحرة والجو اللطيف ، على ضفاف بُحيرةٍ أو نهرٍ قُرب آيسِن .. إقتربَ لكي يغسل يديه ، فتزحلقَ .. ولأنهُ لايعرف السباحة .. فلقد غاصَ وغرق ! .. نعم .. بهذه البساطة .. ورغم ان العديد من الحاضرين ، حاولوا إنقاذه ، لكن الأوان ، كانَ قد فات !!.
..................
الربُ يرعاك يا آشتي .. ملك طاووس يرعاك أيها الفتى الجميل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موفدة العربية ترصد تطورات التصعيد على الضاحية ومأساة النازحي


.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - ‏الأمم المتحدة تدين العدوان الإسر




.. بتوقيت مصر يناقش رفض مصر للتصعيد في المنطقة أمام الأمم المتح


.. تفاقم معاناة النازحين في لبنان




.. عشرات النازحين يفترشون الأرض في الحدائق ببيروت بعد أن فروا م