الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيم النسبية والعلمانية الجزئية

عماد صلاح الدين

2015 / 7 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




ما علاقة القيم النسبية بالعلمانية الجزئية، وما علاقة الأخيرة بالأولى؟

سبق لي أن حاولت إيضاح المقصود بالقيم النسبية، وقد ذهبت في هذا المنحى إلى أنها خلاصات واستنتاجات، تحولت إلى منظومة شبه متكاملة، من الأعراف والعادات والتقاليد الملزمة تقريبا بين الأجيال البشرية السارية والنافذة فيها، ضمن علاقات التفاعل والاجتماع، خارج الرسمية السياسية المنظمة، إن جاز التعبير هنا، والملزمة حتما بموجب القوانين النافذة؛ حينما يتم إدخال جوانب ومجالات وأنواع من شبه المنظومة المتكاملة، من سوابق العرف والتقليد والعادة ورسوخها، إلى المجال التشريعي الرسمي، سواء في القوانين الدستورية والأساسية، أو في القوانين العادية والتنظيمية البينية؛ فيما بين أفراد المجتمع نفسه، أو فيما بينهم وبين الدولة، والعكس صحيح – كذلك- هنا.

وتتحول هذه المنظومة شبه المتكاملة والمحددة في إطار زمني وجيلي طال أم قصر، إلى منظومة قيم جزئية أو نسبية، كيفما اتفق.

وان منظومة القيم الجزئية هذه، ستكون في غالب عمومها والنظر إليها قيما غير ثابتة، وغير عالمية، وتتسم بخصوصية ما داخل زمانها ومكانها المحددين والمعروفين. وان اتسام بعض محدود من سوابق هذه القيم بالانتشارية فوق مكانيتها، وامتدادها الزماني فوق زمانيتها، سواء في داخل التجربة (الزمانية والمكانية)التي نمت وكبرت فيها، أو في خارج نسق التجربة أعلاه، يعود في الأساس إلى خصوصية الجهد المبذول إنسانيا، على تكوين عرف أو عادة، وكذلك إلى أهمية المجال المبذول فيه النشاط والفاعلية الإنسانية، وأخيرا إلى المرحلة الجيلية وربما الدهرية(القرنية) عبر الزمان وتحولاته المهمة والاهم، وانعطافاته التاريخية والإنسانية الكبرى في سياق بعض تشكلات قيم جزئية ونسبية، سيصبح لها إثر القيمة والممارسة الإنسانية سمة خصوصية في التشارك الايجابي نحو الميل الإنساني إليها؛ لما يتوافر بها ومن خلالها مصالح ومنافع في نسقية مادية وأخرى معنوية، في سياق إما متفارد أو متلازم، على اكبر تقدير بخصوص الأخيرة.

ومن مثل ذلك أعلاه، نجد سجايا صارت مراسا حاضرا وتلقائيا مستمرا في مجتمع أو امة ما، كحال الانضباط والمبادأة والمبادرة والشجاعة والإقدام والابتكار والابتداع الاجتماعي الايجابي والمثابرة وغيرها، فتلك سجايا تحبها النفس، ولكن محكها الممارسة أو عدمها، والصبر والتجلد عليها أو عدمهما كذلك.

وما بين الأهمية أعلاه، وما بين ممارسة لها أو عدمها، وما بين الصبر والتجلد عليها أو عدمهما، نجد أنفسنا بالفعل في حال حضور سموي خاص بخصوص قيم نسبية أو جزئية، صار لها منسوق إنساني مشترك ما بين إيجاب أو سلب.

والقيمية النسبية أو الجزئية، لا يمكن إلا أن تكون بشكل عام قيمية مهتدية ومستنيرة بمنظومة القيم المطلقة أو الكلية أو الثابتة، كيفما اتفق؛ لان القيم الجزئية الناتجة عن تفاعلات إنسانية كتب لها أن تكون سوابق في العرف والاعتياد والتقليد، لا يمكن أن تكون نسبية بدون هذه المنارية الأعلى والمرشد الابين في المنظومة القيمية المطلقة، وان بالتالي أي منظومة قيمية بدون ذلك أعلاه، لا استطيع تسميتها نسبية، وإنما هي مخرجات واستخلاصات سريعة تنتهي في نسق الحضور –أيضا- سريعا قياسا إلى زمن التاريخ، أو هي جدا متذبذبة الحضور والغياب معا، وهي إما أن تكون تعبيرا عن متطلب تحقق المنفعة واللذة كغاية نهائية، أو هي محاولة لتبرير وتمرير التخلف والاستبداد والتمييز والاستعمار في حالات أخرى.

وبذلك، فان القيمية النسبية (الحقيقية، وذات الثبات النسبي أيضا وربما في بعض الحالات القليلة الخالدة) مع العلمانية الجزئية؛ من حيث أن القيم النسبية بمجملها تبقى موصولة الاستنارة والسعي بمنظومة القيم الشاملة أو المطلقة، وهي لا تنفك عنها في كل الأحوال، سواء في سياق الانضباط الصارم، أو حيث تتطلب المرونة الحالات الإنسانية المختلفة. وهما( القيم النسبية والمطلقة) يبقيان في حالة من التمازجية المستمرة لبقاء النسق الإنساني سواء في جانب الكينونة الكلية للإنسان، أو في السمة الأبرز في تجلي إنسانيته ومعانيها المختلفة والمتنوعة.
وبرأيي أن هذا الحضور التمازجي بين القيم المطلقة والقيم النسبية، سيبقى متلازما، ما حضرت الظرفية الشاملة للإنسان، كمسلمة طبيعية وإنسانية تاريخية. ولكن تبقى مساحة الحضور ونوعه ومجالاته لهذا التمازج محكومة بعوامل الإرادة والتصور الإنسانيين، واختلاف الأجيال وتعاقبها عبر الزمن.

والقيم النسبية تلتقي - والحال أعلاه- مع العلمانية الجزئية التي تقيم توازنا روحيا وعقليا وماديا شاملا بين الحضور الإنساني الدنيوي وواقعيته الطبيعية، وما بين البعد الديني والأخروي المتجاوز لعالم الإنسان والطبيعة. وهو توازن شامل ضمن منظومة شاملة – أيضا- في الرؤية والتصور والممارسة. وتدخل القيمية النسبية كجزء في نسق العلمانية الجزئية، وهو جزء يعتبر المكون الأساس في النسق الإنساني الشامل؛ باعتبار التمازج - المشار إليه سابقا- بين القيم الجزئية والقيم المطلقة؛ في تلازم الحضور والاستمرار، وبغض النظر عن مساحتهما، على أي حال.

عليه، أرى أن العلمانية الجزئية هي المفهوم المعرفي والديني الدنيوي الحضاري في التعبير عن ماهية النسق الإنساني وعلاقاته وتداخلاته في غير اتجاه ومجال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah