الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيم المطلقة والعلمانية الجزئية

عماد صلاح الدين

2015 / 7 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


القيم المطلقة والعلمانية الجزئية
عماد صلاح الدين

ما هو الرابط بين القيم المطلقة والعلمانية الجزئية؟
إن القيم المطلقة، هي قيم سماوية توحيدية، جاءت عبر رسالات التوحيد، سواء في اليهودية أو المسيحية، وأخيرا في الإسلام؛ باعتبار الأخير الشريعة الخاتمة. وهذه القيم في نسقها الآخر، والمرتبط ارتباط الانسجام والاتحاد، هي قيم إنسانية أيضا، وهي كائنة وكامنة في هذا النسق الإنساني؛ بشكل فطري ووجداني مشترك من جهة، وكذلك في الترجمة والتطبيقية التنفيذية الإنسانية، على الجهة الأخرى.

وهي بذلك، قيم دينية إيمانية وإنسانية عالمية مشتركة بين بني الإنسان، وهي ثابتة ودائمة ومستمرة ومنارية عليا؛ يعمل في ظلالها وخلالها، ضمن منظومة التصور المناهجي والفكري والعملي الإنساني، في سياق من التوازنية، بحسب المقتضيات والظروف الموجودة، في البيئات والمجتمعات الإنسانية العديدة.

والعلمانية الجزئية منظومة أو تصورية فكرية وذهنية إنسانية شاملة، في النظر إلى عموم الحياة، بل وعموم العلاقة الخالقية والمخلوقية، بما فيها الأشياء والطبيعة والإنسان.

والعلمانية الجزئية تنظر بتوازنية وبطريقة أميل واقرب إلى العقلانية والمنطقية والتجريبية الإنسانية، في السياق الدنيوي؛ لما للطبيعة الدنيوية من غلبة الجوانب الحقائقية والمادية عليها. وهي على العموم اقرب إلى معادلة المدخلات وطرائق المعالجة المحددة، وأخيرا مخرجات هذه المعادلة أو العملية، لكنها (العلمانية الجزئية) لا تغفل عن الروحية والإيمانية والفكرة الإلهية المتجاوزة لعالم الدنيا، بكل ما فيها من كائنات وحقائق موجودات، وبهذا فان العلمانية الجزئية بذهنيتها الفكرية وبسيرها المنهجي العملي، يتحقق من خلالها قاعدة أو مبدأ التوكلية؛ حيث يعد الإنسان ويستعد، ويحتاط لكل مقومات وعوامل النجاح وأسباب الفشل، لكنه في النهاية يعتقد ويوقن أن المآل النهائي لاستحصال النتيجة المطلوبة أو عكسها، مسألة توقفها أو توفيقها على الخالق سبحانه وتعالى.

والعلمانية الجزئية تعمل دائما في ظلال روحي وإيماني علوي؛ كجهة مرشدة في قيمها المطلقة أو الكلية الشاملة، وكجهة عليا تبعث الحافزية وعدم اليأس والقنوط، نحو عمارة الدنيا بمجالاتها المتنوعة والمختلفة، والفوز في الدار الآخرة، في الاتجاه المسيري نفسه أيضا.

والقيم المطلقة تعطي جوابا للإنسان بخصوص هذه العقلانية والتوازنية، من خلال المبدئية النظرية والممارسة العملية، وعبر إدراك هذه التمازجية الكلية والشاملة؛ ما بين تعليمات وتوجيهات إرشادية سماوية وبين عوامل التوجيه الذاتي؛ بالفطرة والوجدانية الإنسانية الكامنة، وهوامش الذاتية الإنسانية في مساحة ملء الفراغ؛ حيث لا يصل التوحيد إليها، لمحدودية القدرة والفهم الإنساني(الحلولية الجزئية والتهويمية المعقولة)، وكذلك حراك ونشاط الإنسان، على وجهي الخصوص والعموم.

بظني أن كل ذلك أعلاه هو تصور سير العلمانية الجزئية المؤمنة والعاقلة والمتوكلة.
إن العلمانية الجزئية هي مصنع التشغيل الإنساني، في سياقيه الديني والدنيوي، بعد كل هذا التمازج والتفاعل والتداخل فيما بينهما؛ كي تتحقق رسالة وغاية الإنسان في السعادة الدنيوية والسعادة الأبدية.

وعليه، فإنني أرى أن القيم المطلقة، وبشيء من تفصيل العقل الإنساني ارتباطا بكليته المقدرية كذلك، هذه القيم مرة تكون حاضرة من خارج العلمانية الجزئية، كحالة كلية موجهة ومعيارية على الصوابية أو الخطأ أو غيرهما، ومرة هي حاضرة في سياق الداخل لمنظومة التصور والممارسة في العلمانية الجزئية؛ لدواعي التكاملية والسيرورة والصيرورة والاستمرار واكتمال المنحى النشاطي وتحققه، وكحالة كلية دائمة في التوجيهية والمعيارية قبلا وبعدا.

وعلى رغم كل توضيح أو تفسير أو محاولة للفهم العلائقي بين القيم المطلقة والعلمانية الجزئية، إلا انه يبقى الغالب الطاغي والحاد على قدرة الإنسان على إدراك الحقائق وكنهها، هي هذه التركيبية الإنسانية وعوامل التفاعل والتداخل في مقومات ومكونات ذهنيته وعاطفته ووجدانه ونشاطه على المجمل، سواء ما كان منه موضوعيا خارجيا أو ذاتيا داخليا، وكذلك في سياق الارتباط مع كل ما يحيطه من كائنات وأشياء وطبيعيات وغيرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على وقع الحرب في غزة.. حج يهودي محدود في تونس


.. 17-Ali-Imran




.. 18-Ali-Imran


.. 19-Ali-Imran




.. 20-Ali-Imran