الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يسوع الثائر 3 مارتن لوثر كينغ والمسيح

طوني سماحة

2015 / 7 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


السؤال الأكثر إلحاحا في الحياة هو "ماذا ترانا نعمل لأجل الآخرين" (مارتن لوثر كينغ). تختصر هذه المقولة حياة المناضل الاميريكي مارتن لوثر كينغ الذي أفنى عمره لتحسين أوضاع المواطن الاسود في بلاده.

ولد مارتن لوثر كينغ عام 1929 ومات قتلا عام 1968 على يد رجل أبيض البشرة. عمل قسا للطائفة المعمدانية ولعب دورا رئيسا في نشأة ومسيرة حركة حقوق الانسان الاميركية. تأثر كينغ بغاندي وقاد حركة سلمية للمنادة بالمساواة بين المواطنين الامريكيين المختلفي لون البشرة.

ارتاد كينغ مدرسة أميريكية يؤمها فقط السود ثم دخل الجامعة لدراسة الطب والمحاماة. مع أنه لم يرد أن يسير على خطى والده وجده الذين كانا من رجال الدين، إلا أنه وبتأثير من عميد كلية مورهاوز، الدكتور بنجامن مايز، قرر دراسة اللاهوت والدفاع عن حقوق المظلومين من أبناء شعبه.

إثر زواجه من كوريتا سكوت، انتقلت عائلة كينغ للعيش في بلدة مونتغومري. ذات يوم، وفيما كانت روزا بارك السوداء البشرة تركب الحافلة، طلب منها احد الركاب البيض أن تخلي له المقعد. رفضت بارك وتم إيقافها من قبل رجال الشرطة. كانت هذه الحادثة بمثابة اندلاع الشرارة الاولى في مقاومة التمييز العنصري التي قادها كينغ. نظم القس الشاب مسيرات سلمية و طلب من أتباعه مقاطعة شركة الاوتوبيس. كان لهذا القرار الذي دام 381 يوما تأثير مادي سلبي ليس فقط على شركة الاوتوبيس وانما ايضا على الحركة التجارية في سوق البلد الرئيسي. سنة 1956، أصدرت المحكمة الاميريكية العليا قرارا يُمنع بموجبه التمييز العنصري بين ركاب الحافلة البيض والسود. عندها أصبح كينغ نجم المعارضة السلمية والمطالبة بالحقوق والمساواة بين المواطنين . وللتأكيد على سلمية مقاومته، عرف عنه قوله آنذاك " ليس من المفروض أن تسقط شعرة واحدة عن رأس رجل واحد". عند زيارته للهند عام 1959، التقى القس الشاب بعائلة غاندي واتباعه حيث صرّح أن المهاتما كان الضوء المنير له في حركته السلمية. قاد كينغ مسيرة أخرى عام 1963 للاعتراض على التمييز الذي يطال المواطنين السود في الوظائف وتم إيقافه. من سجنه، كتب كينغ رسالته الشهيرة المعروفة باسم "رسالة برمنغهام" حيث دافع عن نضاله السلمي ضد بعض رجال الدين البيض الذين اعترضوا على تكتيكه وأدائه. في أواخر العام ذاته، عمل كييغ مع بعض رجال الدين ومجموعات حقوق الانسان لتنظيم المسيرة المشهورة المعروفة ب"مسيرة واشنطن" حيث تجمع ما يزيد عن ما يقارب الثلاثمائة ألف إنسان للاعتراض على التمييز العنصري الذي يطال السود. اختار كينغ نصب الرئيس الاميريكي الراحل أبراهام لينكولن كيما يكون المنصة التي أطلق منها آنذاك تحفته الادبية الإنسانية التي حملت اسم "أنا أحلم/ I Have a Dream". أدت المسيرة والخطاب الذي أطلقه كنيغ لصعود نجمه حتى أن مجلة التايم الاميريكية أطلقت عليه لقب "رجل العام". في عام 1946 أصبح كينغ أصغر إنسان يحصل على جائزة نوبل. استمر كينغ في العمل السياسي السلمي للمطالبة بحق الرجل الاسود بالاقتراع، كما أنه كان له موقف معاد لحرب فييتنام، وساهم بإلقاء الضوء على الفقر المزمن الذي يعاني منه المواطن الاسود. في الرابع من نيسان/إبريل عام 1968، وبينما كان كينغ واقفا على شرفة الفندق الذي نزل فيه وهو في طريقه لمساندة حق العمال بالعمل في أجواء نظيفة وصحية، أطلق عليه النار المدعو جيمس إرل راي الذي كان عنصريا وفارا من العدالة. سادت الاضطرابات إثر مقتل كينغ وأعلن الرئيس الاميريكي آنذاك جونسون هذا اليوم يوم حداد عام. عام 1983، وافق الرئيس الاميريكي رونالد ريغن على تعيين ثالث اثنين من كانون الثاني/يناير عيدا فدراليا رسميا كل سنة.

إن كان كينغ قد استلهم غاندي في تكتيكه السلمي لمقاومة الظلم، إلا أنه بنى فلسفته في الحياة ومبادءه على تعاليم السيد المسيح. درس كينغ اللاهوت وسار على خطى أبيه وجده كيما يصبح قسا مسيحيا. طبق كينغ تعاليم الانجيل في مقاومته للظلم ومنها محبة الاعداء كما وردت في موعظة الجبل "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم". من هنا نستطيع أن نفهم جيدا قوله الشهير "الحب هو القوة الوحيدة القادرة على تغيير الانسان من عدو الى صديق". وللدلالة على الصراع بين النور والظلمة عرف عنه القول "لا تستطيع الظلمة أن تطرد الظلمة أو أن تقهرها، وحده النور قادر على ذلك.... الكراهية لا تسطيع التغلب على الكراهية. وحده الحب يستطيع ذلك". بصفته قسا، كان كينغ من دون شك يحفظ الصلاة الربانية التي علمها المسيح لتلاميذه خاصة مقولة "واغفر لنا ذنوبنا وخطايانا كما نغفر نحن لمن أساء إلينا". ترجم كينغ هذه الصلاة بقوله الشهير "علينا أن نطوّر ونحافظ على مقومات المغفرة. من كان عاجزا عن المغفرة للآخرين هو إنسان مجرد من القدرة على المحبة... هناك بعض الخير فينا رغم كل السوء الذي يعترينا، كما أن الجانب السيّء الذي فينا لا يخلو من الشر. عندما ندرك هذه الحقيقة، يكون لدينا إمكانية أقل لكراهية أعدائنا... على الإنسان أن يطوّر نموذجا لحل الخلافات بعيدا عن الانتقام والرد، والسبيل الوحيد لذلك هو الحب... على كل منا أن يقرر إن كنا نريد أن نسير في سبيل حب الغير الخلاق أو على درب الانانية المدمرة..." وسط كل المحبطات التي أحاطت بكينغ حافظ على إيمانه بمستقبل أفضل "علينا أن نقبل بالإحباط وسط الفشل دون أن نفقد الأمل"، ومن هنا قوله "أنا أرفض التسليم بليل حالك تسوده العنصرية والحروب وأنه لا سبيل للأخوة والسلام بين البشر. أنا أؤمن أن الكلمة الاخيرة سوف تكون للحق والحب الغير المشروط". وفي سعيه لرفض الظلم، يقول كينغ "الظلم في أي مكان من العالم هو تهديد للعدالة في كل مكان". وفي رفضه للعنصرية، أضاف "أنا أحلم بيوم يعيش فيه أبنائي الاربعة في وطن لا يقيّمهم بناء على لون بشرتهم بل أخلاقهم."

مشى كينغ على خطى غاندي والمسيح. حقق بالسلم ما لم تحققه شعوب كثيرة بالعنف. حصل على اعتراف اميريكي بحق السود في الوظائف والاقتراع والمساواة دون أن ترتوي الارض بدماء الثوار.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصحيح
طوني سماحة ( 2015 / 7 / 27 - 22:48 )
ورد في المقال خطأ -كما أن الجانب السيّء الذي فينا لا يخلو من الشر-. والتصحيح هو -كما أن الجانب الجيد الذي فينا لا يخلو من الشر-. يرجى المعذرة


2 - عناصر الثورة متوفرة في دعوة المسيح
اسامة علي عبد الحليم ( 2015 / 7 / 28 - 20:21 )
اعتقد انه كان ثائرا كبيرا وسياسيا عظيما ايضا
( فقد ورد في الانجيل ان (دخل يسوع الى هيكل الله واخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحما)م)
و انه صنع صوتا من حبال وطرد به من يزاولون تجارة الغنم والصيرفة فى داخل الهيكل حيث يقول لوقا(فصنع سوطا من حبال وطرد الجميع من الهيكل.الغنم والبقر وكب دراهم الصيارف وقلب
موائدهم.
وعندما ارسلوا له جواسيس لاحراجه حول مسألة الضرائب قال اعطوا ما لله لله وما لقيصر لقيصر كان في الحقيقة يتحدث عن صورة قيصر علي الفلوس ولم يكن يتحدث عن تقسيم السلطة العليا في المجتمع بين قيصر والله
اضافة الي انه واجه مجلس السنهدرين ومجمع العلماء واثبت لهم ان ملكوت الله يختلف عن الملك الارضي وان الاصلاح الديني والتسك بالناموس والتوراة هو الاهم حتي من ايكون ملكا عليهم


3 - عناصر الثورة متوفرة في دعوة المسيح
طوني سماحة ( 2015 / 7 / 28 - 21:36 )
سيد اسامة على عبد الحليم
شكرا لهذا التعليق الجميل واتفق معك تماما وعليّ الاعتراف بأنك أمددتني بمادة غنية لمقالات مقبلة في الموضوع ذاته.
تحياتي ومودتي

اخر الافلام

.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah


.. 104-Al-Baqarah




.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في