الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيم النسبية والقيم السيولية الشاملة

عماد صلاح الدين

2015 / 7 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


القيم النسبية والقيم السيولية الشاملة
عماد صلاح الدين

ما القيم النسبية وما القيم السيولية، وما هي حدود العلاقة بينهما ؟
كتبت فيما مضى، وفي أكثر من مقال وحالة بحثية، أن القيم النسبية هي مجموع حصيلة تجريبية واجتهادية إنسانية، في أكثر من حقل ومجال إنساني واجتماعي، في سياقات فردية وأخرى مجموعية أو مجتمعية أوسع، وحتى على مستوى امة ما، تتكون شيئا فشيئا وعبر عقود زمنية طويلة ومتتالية، فترسخ في وجدان الناس من اطراد الممارسة عليها وفيها، حتى تصبح عرفا وعادات وتقاليد ومبادئ حاكمة وضابطة.

وان هذه الأعراف والعادات والتقاليد والمبادئ الحاكمة والمعيارية، من سماتها الأساسية أن لها ثبات نسبي وتعميمي في أجيال بعينها ولفترات زمنية، قد تكون طويلة أو قصيرة في عرف المراس والنشاط الإنساني، المرتبط بأوضاع اعتقادية ويقينية ما.

وهي إذ ذاك؛ إما أن تكون هذه الأعراف والعادات والتقاليد والمبادئ وربما الأمثال والحكم 1- خصوصية تنوعية بخصوص متسع جغرافي ديموغرافي متعين، أو بشأن جماعات أو مجتمع أو امة من الأمم الكبرى، في إطار محدد متعيني.
2- عمومية وإنسانية مشتركة في إطار من أهمية وخصوصية التجربة في الحالة الزمانية التاريخية وفي المتعين البشري نفسه، فينتج عن ذلك أعراف وتقاليد ومبادئ إنسانية سامية، يكتب لها الخلودية والاستمرارية فيما بعد في الانتشارين والتوسعين المكاني والزماني عبر العالم، بتعاقب مجتمعاته وتجمعاته سواء منها الصغيرة أو العظيمة.
وقد أشرت في أكثر من مقال ومادة بحثية أن القيم النسبية تشتق طريقها وتكوين مادتها المختلطة والعمومية المتكاملة من توجيهات القيم الشمولية والمطلقة، ومن مكونات الحالة الإنسانية الكامنة والمهيأة أساسا؛ على صعد الفطرة والعاطفة والوجدان والروح والعقل؛ واستعداداته التكوينية للتوليد والابتكار، في غير مجال واتجاه إنساني.

وان القيم النسبية أو الجزئية لا يمكن أن تأخذ تسميتها الأساسية في الثبات إلى حد ما، وفي الانتشار والتوسع المحدد والمتعين أو في الانتشار والتوسع المبادئي الثابت والاستثنائي الخالد، إلا من خلال منظومة القيم المطلقة التوجيهية في إطارها الديني والتوحيدي، عبر تاريخ الرسالات السماوية التوحيدية وتجاربها الممارسية على الصعيد الإنساني .

ونحن إذن، أمام قيم مطلقة وقيم نسبية متمازجة ومترابطة ومتداخلة متفاعلة، لسيرورة وصيرورة النسق الإنساني واستمراره على وجه النسبية الصوابية والخيرية إلى قيام الساعة، وتحقق السعادة الأبدية في الدار الآخرة، بعد البعث والحساب الأخروي.

إنها توازنية في نسق من العلمانية الجزئية التي لها جناحان من التعامل الدنيوي والإقرار الأخروي، وفي سياق من العلائقية الفاعلية والايجابية بهذا الخصوص.

وأما القيم السيولية، فهي نسق قيمي مفتعل ومبتدع، وفي إطار من الانفعالية المادية الواحدية الشاملة التي لا تقيم حدودا أو فوارق بين الحضور والغياب أو ما بين الحق والباطل، ولا يوجد في نسقها شيء من ثبات قيمي سواء على مستوى نسبيتها أو مطلقيتها؛ فالسطح واحد ومستو، لا تعرجات فيه ولا انعطافات.
وهي باختصار ممارسة عملانية لحالة العلمانية الشاملة.

والحلولية الشاملة التي لا تعترف بالإله الواحد الأحد، وتنكر كل قيم تجاوزية خارج حدود معاشنا الحياتي والدنيوي، وهي إذ تمارس نشاطها(أي العلمانية الشاملة) في حالة من القيمية السيولية، نجدها لا تستطيع تمرير نفسها ظالمة ومعتدية ومستعمرة وممارسة للاضطهاد ونهب الثروات وإبادة الشعوب والأمم إلا بالاستعانة بالحلولية الشاملة (الاثنية والوثنية الدينية)، في سياقات ديباجية وأسطورية هستيرية لا إنسانية؛ من قبيل شعب الله المختار والرجل الأبيض وعبؤه التاريخي والعرق الآري، وغيرها كثير وكثير.
والحلولية الشاملة مخادعة وكاذبة واعتذارية لا اقل من ذلك ولا أكثر.

وهذه السيولية الشاملة في القيمية التي يراد عولمتها سريعا، وفي قوالب استهلاكية وفوضوية إجرامية ومجنونة لا هم لها غير تحقيق المنفعة واللذة بكل الطرق المؤدية والسريعة، نجدها لا ثبات أو استقرار نسبيين فيها بل هي قيم متحولة ومتغيرة بحسب مبدأ المنفعة واللذة المادية المتحققة، تنشأ سريعا وتتلاشى أيضا سريعا.
وهي الحال هذه أعلاه، نجدها متذبذبة ومتراوحة على أكثر من صعيد وجانب، وتأخذ نمط وشكل الحقانية والبطلانية، والصدقانية والكذبانية، بحسب المصلحية النتشيوية والميكافيللية، حسبما اتفق.

وان وجدنا قيمة غير القيمة السيولية الشاملة، في ظلال العلمانية الشاملة وأداتها الكبرى الحلولية الشاملة، من حيث الثبات والاستقرار، فهي الشيطانية في المنفعة واللذة كقيمة عليا ونهائية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah