الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيم النسبية والحلولية الشاملة

عماد صلاح الدين

2015 / 7 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


القيم النسبية والحلولية الشاملة
عماد صلاح الدين

ما العلاقة التي تجمع أو تفرق ما بين القيم النسبية والحلولية الشاملة إن وجدت؟

إن القيم النسبية، وعلى وجه الاختصار، طالقها وموجهها الأساس - على الأقل من وجهة نظري الفكرية والمعرفية بالإضافة إلى المنهجية البحثية التي اعمل عليها- هو:

1- البعد الديني التأسيسي من خلال منظومة القيم الكلية المطلقة
2- البعد الفطري والوجداني.

وهذان البعدان متفاعلان ومتداخلان إلى حد الاتحاد، في توليد وإخراج جمل النشاط والحراك الإنساني العام، على شكل انضباطات والتزامات وتقييدات، بل واتجاهات وتصورات ثقافية واجتماعية، تصير مستقبلا عادات وتقاليد وأعراف وموجهات خصوصية وعمومية تبادلية، تشكل فيما تشكل نسق مجتمع أو امة، يطلق عليه اليوم - وقد صار تقليديا أيضا- النظام العام والأمن العام والأخلاق والمبادئ العامة.

وتبقى القيم النسبية على الدوام، وكقاعدة عامة جيلية وزمنية محددة، ولها خصوصية جغرافية على وجه العموم، لتنقلب تراثا إما على الخصوص وفيما يخص أجيالا لاحقة لمجتمع إنساني أو لأمة من الأمم، أو أن يقع هذا التراث في جزء منه ضمن تراث المشترك الإنساني. وأخيرا، إما أن يكون في جزء قليل منه ولدواعي موضوعية وتاريخية وعموم ظرفية محددة، قد آل قيمة جزئية أو نسبية خالدة، على صورة الموجه الأساس، في منظومة القيم المطلقة المنارية والثابتة، في آن معا.

والحلولية الشاملة هي احد دعامات وأساسات الفكر العلماني الشامل وتطبيقاته وتجلياته العديدة والمختلفة؛ حيث أن العلمانية الشاملة تعتبر أن كل شيء هو مرجعية نفسه، وبشكل غير ثابت على الدوام وباستمرار، يتدنى عن النسبية التي تنادي بها شكلا وليس موضوعا يراد له التطبيق، بدرجات كثيرة جدا، لا نستطيع عدها أو ضبطها أو تحديدها؛ فمساحة الثابت فيها وتحديدا ما بعد الحداثة ونهاية التاريخ وصراع الحضارات، أصبح تقريبا لا معنى وجودي لها، إذ يتغير الثابت فيها ما بين عشية أو ضحاها.

ويأتي هنا دور الحلولية الشاملة التي تنكر من الأصل فكرة التجاوز خارج حدود الإنسان والمكان والزمان، وتعتبر أن الإله إما قد حل في الإنسان أو في الوطن أو الشعب أو الجيش، أو في قوانين الطبيعة، في نسختها ما بعد الحداثية؛ حيث صار الإله ميتا، بعد أن كان باهتا. وإذن الإله حال في كل شيء، وليس هنالك اله على وجه التجاوز والاستقلال، ولا مسافات أو فواصل بين الخالق والخلق.

والحلولية الشاملة تستعين بالفكر الديني الاثني الديباجي في تبرير أبعاد وممارسات وجرائم خطيرة بحق الإنسانية، سواء على شكل احتلالات أو استعمار كولونيالي كما هو الحال مع تجربة الاستعمار الغربي ومن ثم الأمريكي، وكذلك الأمر بخصوص التجربة الاستعمارية الصهيونية في فلسطين منذ قريب المائة عام على مشروع الحركة الصهيونية نفسه.

واذا، فان القيم النسبية تتعارض كل التعارض في النظرة الكلية والتفصيلية الثانوية مع الحلولية الشاملة؛ حيث إن القيم النسبية لها مرجعية دينية توحيدية عليا، ولها كذلك مرجعية إنسانية بما هو مفطور عليه الإنسان سجيا وعاطفيا ووجدانيا، وبالطبع كذلك عقليا؛ إذ أن عقل الإنسان ليس صفحة بيضاء منذ ولادته الأولى، فهو مؤسس بنيويا على التركيبية وليس الأحادية الواحدية، وهو في هذه التركيبية تجد عموم التمازجية إلى درجة الانسجام وتاليا متصلا إلى درجة الاتحاد في تجليات تطبيقاته الإنسانية بمرجعياتها الطالقة لطاقاته ومقدراته سواء الدينية أو الإنسانية المودعة فيه.

إن الحلولية الشاملة غايتها النهائية القضاء على المرجعيات الحقيقية والمتجاوزة لعالم المحسوس والملموس، سواء في السماء أو في الإنسان نفسه، لصالح تحقيق المنفعة واللذة لعوالم متوحشة وقوية في مواجهة أطراف إنسانية اقل منها قدرة، وهذه الحلولية الشاملة هي تجل واضح ومباشر للفكر الاستعماري الغربي ولمؤسسيه الأوائل من فلاسفة ومفكرين كنيتشه وهيجل وداروين وغيرهم، ممن كانوا روادا في التنظير للعلمانية الشاملة، وفي استخدام الذرائعية الديباجية بواسطة الحلولية الشاملة.

والقيم النسبية تختلف كل الاختلاف عن الحلولية الشاملة؛ بان الأولى تولد في الاهتداء والممارسة الإنسانية - بخصوص مبادئ وقيم المجتمع على نسبيتها الزمانية والثباتية- جانبا معتبرا من استمراريتها المنضبطة والثابتة المتواترة إلى حد ما، دون انفلات الأمور من عقالها بدون ضوابط أو مقيدات أو حدود.

والقيم النسبية لا تغفل عن القيامة الدائمة لمنظومات القيمية الأصلية أو المطلقة حتى قيام الساعة بالمفهوم الديني؛ فلا يعقل أن يكون الصدق مرة صدقا، ومرة أخرى كذبا، والعكس صحيح هنا في السياق نفسه.

أما الحلولية الشاملة فهي ترفض مسالة القيامة الثابتة للقيم الأصلية، وهي أيضا ترفض كذلك القيامة شبه الثابتة لكثير من أعراف وعادات وخصوصيات المجتمعات المختلفة؛ فلا ثبات عندها بالمطلق، والأمور دائما في حالة فوضى وسيولة شاملة.

وهي تريد( الحلولية الشاملة) جعل المرجعية الحصرية - وفقط - للمادية وعلى أن الأخيرة مطلقة، ولذلك فهي تستخدم الدين بجوهرية ونمطية وثنية واثنيه لعولمة هذه المادية الواحدية وجعلها المطلق المرجعي الأوحد والوحيد، وكذلك لتبرر كل ظلم أو عدوان أو استبداد، أو لتمرير سيطرة كارتيلات تكنولوجية ومجمعات عسكرية وصناعية ونفطية رأسمالية امبريالية متوحشة على دول ومجتمعات متقدمة ومتخلفة، وان كان في حسبان مثل هذه المنظومات ومراكزها البحثية والإستراتيجية ضرورة الحفاظ على شكل وأيضا حضور مهم لجانب من فائض الرأسمالية الامبريالية على حياة أناس المجتمعات المتقدمة؛ لدواعي استقرار وسلامة واستمرار مشروع السيطرة الاستعمارية بإشكاله المختلفة، وبالتالي تحقيق اللذة والمنفعة بأي وسيلة وبأي ثمن.

لكن القيمية النسبية بمرجعياتها الدينية والهيومانية وتفاعل السجية والفطرة بينهما على وجه انسجامي واتحادي، تحقق الغاية من الوجود الإنساني في التوازن العام ما بين الديني والدنيوي، وعلى العموم فهي تحقق الخير العام للإنسانية دون تمييز حلولي كموني شامل وأساطيري، لا ينظر إلى الإنسان بفكرة الحق والباطل، وتحت سقف من التبادلية في الحقوق والواجبات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah