الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين التعاطف مع اليهودي وبين اجباره على البصق على قضيبه

سيلوس العراقي

2015 / 7 / 30
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


من المعروف أنه خلال فترة الامبراطور شارلمن، ملك الافرنجة ( 768 ـ 814 م) ازدهرت حال اليهود بشكل كبير بسبب اتصالات اليهود الواسعة مع العالم الاسلامي وبالخصوص منها نشاطاتهم التجارية الواسعة والعبرة للقارات. فكانت أغلب التجارة الفرنسية بيد اليهود وكانت لهم حرية الحركة في المملكة. ويمكن لنا أن نتصور مكانة ونفوذ اليهود في التجارة بحيث أن مدينة ليون الفرنسية ألغت يوم السوق في المدينة الذي كان يوم السبت وجعلته في يوم آخر من أجل تأمين الراحة لليهود في التعامل في سوق المدينة، الذين لا يمكنهم التعامل والعمل في السبت (ماكس ماركوليز واليكسندر ماركس: تاريخ الشعب اليهودي، فيلادلفيا 1927).
فأدرك شارلمن أهمية وقيمة اليهود ، وحماهم الى حدّ أن بابا روما ، الذي كان يعتقد بأنه لا يجب أن يزدهر اليهود، تجادل مع شارلمن وطلب منه إخضاع اليهود وكبحهم. لكن شارلمن لم ينحنِ ولم يسمع للبابا، بالرغم من أن التجار المسيحيين كانوا يدفعون ضريبة بنسبة 1 من 11 من قيمة دخلهم بينما التجار اليهود كانوا يدفعون 1 من 10 من قيمة دخلهم.
وهناك مثال لطيف يوضح علاقة شارلمن باليهود.
كانت الكنيسة قد سنّت تعليمًا يمنع على اليهود من أخذ أثريات وتحفٍ نادرة كضمانة أو رهنًا لقاء الديون التي يقدمونها للكنيسة بشخص رجالاتها ورؤسائها ، وكانت عقوبة من يخالف هذا التعليم قاسية جدًا.
موقف شارلمن ازاء هذا التعليم كان أنْ قلَبه بشكل كامل، بالقول بأنه اذا الشخص المسؤول في الكنيسة قدّم كنوز الكنيسة الأثرية كرهنٍ للديون من اليهودي ، فيعتبر هو الشخص الذي يجب أن تقع عليه العقوبة وليس الدائن اليهودي. (هنريك كرايتز: تاريخ اليهود ج3، فيلادلفيا 1894م).

لكن هذا لا يعني أنه خلال حكم شارلمن الذي عُرف عنه بأنه كان يحمي اليهود، لم تحدث أيّ من الاعتداءات عليهم، بل كانت تحدث بعض الحوادث الغريبة جدًا مع اليهود بالرغم من تعاطف شارلمن معهم. فالحادثة التالية في عهد شارلمن كما يوردها الكاتب جاك كوبر في قصصه غير العادية في تاريخ اليهود،مثال على ذلك.

اليهودي يبصق على زبّه ثلاث مرات:

هناك في أغلب الأديان عادة قيام المؤمن بنذرٍ معينٍ للاله، في حالات خاصة وشخصية، فإن تمّ وأن تخلّص من ضيقٍ أو تحقق له الحصول على مرادٍ معين، ينذر المؤمن القيام بعملٍ معين أو دفع مالٍ كثمنٍ معين يحدده لقاء تحقق نذره.
وعادة النذور هذه كانت منتشرة بين الشعب اليهودي أيضًا، وكثيرًا ما كان البسطاء منهم يقومون بالنذور والوعود بطريقة متسرعة وفي لحظة يمكن وصفها بالمتهورة من دون أي تروّ أو تفكير، ولهذا السبب قام الرابيون المعلمون بانشاء وتأسيس صلاة تدعى بـ (كُـل نُدري ـ أي كل النذور)، ويتم تلاوة هذه الصلاة في بداية يوم عيد التكفير (عيد كيبوريم). والذي يتم في هذه الصلاة هو محو وتخلٍّ وتنازل عن أي نذرٍ قام به المؤمن ولم يتمكن من الايفاء به خلال سنة واحدة، أي منذ نهاية عيد كيبوريم في السنة السابقة.
هناك العديد من اليهود وبعض الرابيين في وقتها رفضوا هذه الممارسة لأنها قد تعطي للمسيحيين الاوربيين حجّة قوية ودليلا ضد اليهود، فيبدأوا بترويج فكرة عدم الثقة بكلام اليهود ووعودهم.
في خلال فترة حكم شارلمن، امبراطور الامبراطورية الرومانية المقدسة : إن كان شخصًا يهوديًا معنيًا بقضية في المحكمة وقضيته تتطلب الى شهود، فكان معرّضًا للأذلال، بالطلب منه الحلف والقسم على التوراة، الأمر الذي كان محضورًا في الشريعة اليهودية ، إلا في حالات نادرة وخطيرة ومحددة ومقدسة.
والغريب في احدى المرات أنه لم تتوقف المحاكم القضائية المسيحية الغربية بذلك فقط ، بل تطلب من اليهودي أن يحمل لفافة التوراة بيده ، ويطوقونه بطوق من الشوك، وينزل الى حوض ماء، ويُطلب منه أن يبصق على زبّه ثلاث مرات، وعليه أن يذكر العقوبة التي تحددها التوراة في حال ثبت أن شهادته زائفة. كما كان يحتاج اليهودي لاثبات قضيته الى أكثر من أربعة شهودٍ اعتمادًا على مدى أهمية وخطورة القضية، بينما للمسيحي كانت تكفي شهادة 3 شهود.
ان تشريعات (غريبة) كهذه كانت غير ثابتة ، تتغير بين وقت وآخر، ومن بلدٍ وبلدةٍ الى أخرى، ومن مزاج الى آخر، وبقيت الحالة متبذبة لغاية القرن التاسع عشر. وكانت بروسيا هي الدولة الأخيرة التي ألغت هذه الممارسات في عام 1869 (مارك والدمن : جوته واليهود ، تحدّ الهتلرية، نيويورك ، بتنام 1934، ص 26).
ومن الجدير بالذكر فأن صلاة (كُل نُدري) بقيت لغاية اليوم من الصلوات المهمة والرئيسية في عيد كيبور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وما ذنب المسكين؟
سمير ( 2015 / 7 / 30 - 20:41 )
هاي شغلة تعبانة يا استاذ سيلوس, يعني ما ذنب المسكين ان يبصق عليه؟ هذا اضبط من القانون الوضعي البريطاني. يذكر مورافيا في كتابه العظيم(انا وهو) ان احدى الاساليب التي كانت الكنيسة تتبعها لمعرفة الهراطقة, ان زوجة المشتبه به تصعد على سلم برج الكنيسة وظهرها الى الخلف وتكشفت عن...... , فينتصب ..... الرجل ويعلقون به اناء ماء, فاذا اكمل الرجل المشوار كان بريئا, اما اذا انحنى ال.... فمعنى ذلك ان الرجل هرطوقي فيحرق. احدهم وقبل ان يصل الى اعلى البرج ارتخى ال.... وكاد الاناء ان يسقط فما كان من المراة الا ان استدارت ورفعت ردائها فعاد ال.. الى حاله ونجى الزوج. الا ترى انكم كنتم احسن حالا؟ حتما سيزعل ال... على اليهودي بضعة ايام لانه بصق عليه, ثم سيتصالحان وتعود المياه الى مجاريها


2 - السيد سمير
سيلوس العراقي ( 2015 / 7 / 30 - 20:57 )
مرحبا وشكرا لمرورك والتعليق
انها حقب تاريخية خاصة جدا في بعض دول اوربا ، جرت فيها أمور غريبة عجيبة
شكرا لاضافتك عزيزي
نعم لا ذنب للقضيب المسكين ، لكن فقط لاهانة صاحبه
نتمنى اليوم الكرامة والحياة الكريمة لكل انسان
تقبل تقديري


3 - نحو سلام عالمي شامل
بارباروسا آكيم ( 2015 / 8 / 1 - 00:03 )
النظام العلماني والدولة المدنية في اوربا كان افضل نتيجة وصل اليها العقل البشري . ومظالم الكنيسة وظلماتها وَلَّتْ ولكن لا يزال تاريخٌ من الإجرام عالق في الأَذهان ..أَتمنى صادقاً أَن يكون هناك مراجعة للذات وأَن يعترف رجالات طبقة الكهنوت بسلسلة الأَذى والجرائِم التي إِقترفها أَسلافهم ، وهذا لا ينقص من قدر أَحد .. ففي النهاية الإعتراف بالخطأ فضيلة ...تحياتي وتقديري لصاحب المقال


4 - كنيسة اليوم مختلفة
سيلوس العراقي ( 2015 / 8 / 1 - 14:16 )
الاخ بارباروسا
مرحبا وشكرا لمرورك وتعليقك
ان الكنيسة الكاثوليكية قد اعترفت منذ الستينات وبعدها قدم يوحنا بولس الثاني اعترافا رسميا لليهود عن كل سلبيات الماضي
الماضي بقي فقط (نتمنى هكذا دائما) في كتب التاريخ الماضي وموضوع بحث للدارسين والباحثين في التاريخ
ان الاعتراف بالاخطاء والاعتذار عنها هي مصدر قوة لبناء ثقافة الحياة ومجتمعات مسالمة تحترم الانسان في قيمته
للاسف فان ثقافة الاعتراف بالاخطاء والاعتذار عنها لا علاقة للاسلام والمسلمين بها لانهم خير امة لا تخطأ فلاتعتذر ولا يمكن ان تعتذر لانها اعلى من وفوق كل شعوب وامم العالم
ومصير العالم هو في سيفها الذي رفعته لقتل كل مختلف عنها
تقبل تقديري واحترامي


5 - طلب وتحية
nasha ( 2015 / 8 / 1 - 15:30 )
استاذ سيلوس انا انتظر مقالاتك لاستمتع بقرائتها ولكنني دائماً اعثر عليها بالصدفة او من خلال اسماء المعلقين.

هل بأمكانك وضع صورة او اي علامة تميز مقالك من فضلك؟

تحية واحترام استاذ سيلوس وتحية للاخ الحبيب بربروسا وللمعلقين والقراء جميعاً


6 - الى الأخ ناشا
سيلوس العراقي ( 2015 / 8 / 1 - 15:53 )
مرحبا أخي ناشا
شكرا لمرورك وتعليقك
ويسعدني انك تسعد بمقالاتي خاصة وانها ليست من المقالات السياسية أو الدينية
التي يعشقها قراء هذا الموقع
أعدك أنني سأفكر بموضوع وضع صورة أو علامة
لكنني لا أعلم كيف يتم ذلك في هذا الموقع
تقبل تقديري واحترامي


7 - هناك ايضاً نماذج خيّرة
بارباروسا آكيم ( 2015 / 8 / 2 - 09:51 )
الحقيقة يعني أَنا لم أَكن أَقصد الكنيسة الكاثوليكية فحسب ، بل كل الكنائِس على مختلف الإنتمائات الطائفية كان هناك لكل منهم سجل إِجرامي حافل .! ولكن قد كان هناك ايضاً نماذج نيّرة وخيّرة وخدمت البشرية بتفاني وإِخلاص .. والكنيسة الكاثوليكية نفسها قدمت مئات القامات العلمية العملاقة مثل ( كريكور يوهان مندل ) ابو علم الوراثة ، القديس البرتوس ، ألبيرتوس ماكنوس مكتشف عنصر الزرنيخ ، نيكولاوس كوبرنيكوس ابو علم الفلك الحديث ، الناس مثلاً لحد هذا اليوم تتخيل إِن نظرية ( الإنفجار العظيم ) وضعها الملحدون.! ولا يعرفون ان واضع النظرية هو رجل دين وراهب وعالم كاثوليكي إِسمه (جورج لومتر) .!! اليوم الناس تتخيل إِن التحليل العلمي لطبقات الأَرض وتحليل المتحجرات بدأ بين أَظهر الملحدين ولا يعرفون إِن ابو هذه العلوم بلا منازع هو (نيكولاس ستينو) وهو رجل دين كاثوليكي ..تحياتي للأخويين سيلوس وناشا

اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب