الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


. مثقفون ضد الأعراف الديمقراطية.-الهتيفة- في مصر

محمد فاضل رضوان

2005 / 10 / 14
المجتمع المدني


ليس من قبيل المجازفة الاعتقاد أن ما تعيشه بعض الدول العربية ذات الحياة السياسية المحنطة و في مقدمتها مصر كبرى هده الدول و أكثرها تأثيرا هو أقرب إلى حالة من الحراك السياسي الذي قد يفتح المجال أمام ظهور تقاليد و أعراف سياسية جديدة من شأنها أن تعيد تشكيل المنطقة سياسيا بعد عقود طويلة من الجمود السياسي الذي يحيل على الماضي الاستبدادي العربي أكثر بكثير مما ينفتح على التجارب السياسية الحديثة المبنية على الديمقراطية و التداول السلمي للسلطة. و لعل في الانتخابات المصرية بكل ما عليها من مؤاخذات فرصة لتكسير الطابوهات السياسية و الثقافية التي جعلت أرض الكنانة تغرق و على امتداد تاريخها الحديث في طقوس الاستبداد التي عفا عنها الزمن في مناطق كثيرة من العالم .هده الانتخابات و إن ثبتت مبارك ذي الثمانية عقود عمرا و الثلاثة عقود حكما على عرش مصر و بنسبة تقليدية تعدت الثمانية و الثمانين بالمئة فقد ساهمت في فتح أقواس كثيرة تهم الواقع السياسي المصري و العربي في مختلف حيثياته من قبيل حتمية الإصلاح السياسي و تجديد النخب للاندماج في سيرورة التحولات الدولية الهائلة و أدوات هدا التغيير التي لم تعد بالضرورة مقترنة بالبندقية بقدر ما هي مرتبطة بوجود منظمات مدنية نشطة قادرة على تعبئة الشارع السياسي لصالح فرض التغيير من الداخل و هو ما مثلته بفعالية كبيرة حركة كفاية المصرية طيلة فترة الانتخابات و التي و إن لم تتمكن من إسقاط حكم مبارك فقد تمكنت من التغلغل في الشارع المصري و حشده في اتجاه تكسير أسطورة الشرعية الشعبية و التاريخية التي يحظى بها مبارك في مصر و قد تستطيع من وجهة نظر الخبراء إذا واصلت حضورها الفاعل تحقيق الشق الثاني و المهم من أجندتها و المتعلق بقطع الطريق أمام ما أضحى يعرف في الحياة السياسية العربية بالتوريث السياسي و المقصود به تسليم مفاتيح مصر لجمال مبارك في السنوات القليلة القادمة مادام استمرار مبارك الأب لأكثر من الولاية القادمة أمرا مستحيلا بفعل قوانين الطبيعة و ليس بفعل قوانين الحكم التي تضمن له دلك فعلا. و ما دمنا قد افتتحنا الحديث بإمكانية ظهور تقاليد و أعراف سياسية جديدة بدل تلك المتهالكة مع حالة الحراك السياسي هده التي تعم معظم الدول العربية و في مقدمتها مصر, فإنه بإمكاننا التوقف عند ما سجلته الأيام الأولى لولاية مبارك الخامسة و نعني بالأساس حالة التصارع بين القديم و الحديث التي انخرط فيها معظم الفاعلين و المتتبعين للشأن السياسي المصري و دلك على خلفية ما عرف بأزمة استقالة وزير الثقافة المصري فاروق حسني ارتباطا بالحادث الدي أودى بحياة مجموعة كبيرة من الناس أثناء حضورهم لعرض مسرحي ضمن فعاليات إحدى المهرجانات الثقافية. استقالة الوزير الدي قضى في دواوين السلطة أكثر من عشرين عاما و التي سيرفضها مبارك لاحقا أثارت نقاشا خصبا حول مدى جاهزية الأنظمة الراهنة لاحتضان أحد أكبر التقاليد الديمقراطية و المتعلق بتحمل الحكام للمسؤولية السياسية لكل الأخطاء و الحوادث التي قد تقع ضمن دائرة حكمهم.
تشير الرواية الرسمية إلى أن الأمر يتعلق بحريق شب إثر سقوط شمعة كانت جزءا من ديكور عرض مسرحي كان يقدم بأحد المسارح الصغرى بمنطقة بني سويف التي كانت تعيش على إيقاع مهرجان ثقافي مما أدى إلى وفيات و إصابات عديدة في صفوف المشرفين على العرض و المتفرجين بفعل انعدام التدابير الأمنية التي من شأنها السيطرة على الأمور في مثل هده الحالات و تسهيل عمليات الإنفاذ, هكذا و تحت ضغط الانتقادات الكبيرة التي وجهت للجهة الراعية للمهرجان ممثلة في وزارة الثقافة سيقوم الوزير المعني فاروق حسني بتقديم استقالته للرئيس مبارك. لكن حدث تقديم الاستقالة هدا الدي أريد له أن يكون ختما لباب الاجتهاد في تحليل ظروف و حيثيات الحادث و تداعياته سيساهم و ضد مجرى الأمور في خلق أزمة داخل الأوساط الثقافية المصرية بالخصوص كانت الكلمة الفيصل فيها للرئيس مبارك الدي يخول له القانون قبول الاستقالة أو رفضها. ما بين تيارين يمثل الأول تيار الموالين المصنفين تحت يافطة "الهتيفة" و هي كلمة شعبية مصرية تحيل على من يهتفون في المباريات و المظاهرات تأييدا لمن استأجرهم لدلك و الدين سرعان ما حرروا بيانا موجها للرئيس مبارك يناشدونه فيه رفض استقالة فاروق حسني أما الثاني فيضم أغلبية المثقفين التي طالبت بضرورة تحمل الوزير للمسؤولية السياسية في الحادث باعتبار ما جرى كان في نطاق اختصاصه مما يعني بشكل ضمني رسالة موجهة للرئيس مبارك بقبول الاستقالة.
الفريق الأول علل موقفه بكون قبول استقالة الوزير من شأنه أن يقدم المسؤولية السياسية على المسؤولية الجنائية و بالتالي التغطية على المسؤولين المباشرين على الحادث و إغلاق الملف بأكبر سرعة ممكنة أما الفريق الثاني فقد رأى بأن لا شيء يمنع من المزاوجة بين المسؤولية السياسية و الجنائية في الحادث بقبول استقالة الوزير كطرف سياسي في القضية و محاسبة المسؤولين المباشرين علن الحادث جنائيا و هو ما يعني أن علة الهتيفة للمطالبة باستمرار حسني وزيرا للثقافة ترتبط بحرصهم على شخصه أكثر مما ترتبط بإجلاء الحقيقة في حادث بني سويف. أما الرئيس مبارك الموكول إليه الحسم في قضية استقالة أحد أركان نظامه تموقع صف الهتيفة من خلال رفض استقالة فاروق حسني و هو ما يعني ضياع فرصة تاريخية لترسيخ أحد الأعراف الديمقراطية العريقة المرتبط بتحمل المسؤولية السياسية.
الواقع أن ما يثير في القضية ليس موقف الرئيس مبارك شخصيا و الدي يبدو منسجما مع اختياراته السياسية بل موقف الفئات المثقفة التي تمسكت باستمرار وزير حكم المثقفين المصريين لأزيد من عشرين سنة في ظرف كهدا و بالتالي الوقوف حجر عثرة أمام التغيير الدي من المفترض أن يكون المثقف في طليعته الشيء الدي يعيد طرح علاقة المثقف بالسلطة و دوره التاريخي في لحظات التحول الكبرى ما بين الانتصار للتغيير الإيجابي الدي من شانه ترسيخ المؤسسات أو الانبراء للدفاع عن القديم الدي يختصر الدولة في الأشخاص العابرون في الزمان و المكان الأشخاص الدين يستمرون من خلال أطروحة استحالة استمرار العالم بدونهم فهل كانت مصر فعلا بتاريخها و حضارتها و عبقرية أبنائها الفنية و الثقافية تعدم شخصا يشرف على تسيير الشأن الثقافي بها في حال رحيل فاروق حسني؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخيّمات المهاجرين في تونس: صفاقس.. -كاليه- التونسية؟ • فرانس


.. متظاهرون إسرائيليون يطالبون نتنياهو بإتمام صفقة الأسرى مع حم




.. حماس توافق على مقترح الهدنة المصري القطري.. وقف إطـ ـلاق الن


.. العالم الليلة | المسمار الأخير في نعش استعادة الأسرى.. أصوات




.. شبكات | طرد جندي إسرائيلي شارك في حرب غزة من اعتصام تضامني ب