الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قبل الثورة ..الحداثة اولا

سعاد الحياني

2015 / 8 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن ما آلت له الأوضاع بالبلدان العربية التي عرفت تحركات اجتماعية قبل أكثر من أربع سنوات يجعلنا نقر أن الطريق أمام هذه الشعوب من أجل التحرر الحقيقي طويل جدا.فالإحتقان الاجتماعي وعدم الرضى على السياسات المتبعة من قبل الأنظمة الحاكمة بلغ أعتى درجاته .الكل يدرك ويعترف ان هناك خلل ما كان قبل الثورات ولا زال مستمرا بعدها .ما نراه اليوم في سوريا واليمن و ليبيا و مصروتونس مع تفاوت الاوضاع والحدة ينبؤنا ان القيام بثورات اجتماعية وخروج مختلف فئات الشعب تعبيرا عن الغضب والرفض للواقع المهين الذي تعيشه .وتقديم شهداء ضحوا بأرواحهم من أجل تحقيق عدالة اجتماعية وديمقراطية سياسية لم يكن كافيا لإحقاق التغيير المنشود.فإن كان الغضب والإحتقان الإجتماعي هو الشرارة التي تشعل الثورة فلا يجب أن يكون هو كل زادها .وهذا ما نلمسه في هذه الثورات ففضلا عن عنصر المفاجئة بحيث أنها كانت ثورات فجائية غير مدروسة .فمجتمعاتنا لم تؤسس للثورة ولم تنضج البديل الحقيقي الذي سيسود بعد الثورة ويكون فعليا معبرا عن الفئات والطبقات التي قامت بهذا الحراك الاجتماعي.ان صعود التيارات الاسلامية بعد هذه الثورات وبأشكال مختلفة تصل الى حد التناقض.:الانتخابات أو المواجهة المسلحة.ليس إلا ارتدادا يعبر عن الواقع المرير الذي لازال الوعي العربي يتخبط فيه وعن بؤس البنية المغلقة التقليدية التي يعجز الوعي الشعبي عن الخروج منها مهما تنوعت آليات الخطاب ومهما تطورت تفاصيل الحياة اليومية للإنسان العربي على امتداد الخريطة الإسلامية .يبقى التخلف الفكري والسلوكي مهيمنا .ويبقى الانسان محاصرا بمفاهيم غاية في التخلف والرجعية تمنعه من الانسجام مع عصره وتجعله أسيرا للإزدواجية في كل أمور حياته .فاستيراد العالم العربي لمؤسسات سياسية ديمقراطية من الغرب لم يحقق سياسة ديمقراطية .كل هذه البلدان تتوفر على برلمانات وحكومات و تنظم انتخابات واستفتاءات كما تتوفر على أحزاب وإعلام وصحافة وأجهزة قضائية وترسانة قانونية توافقا مع أكثر الديمقراطيات تجدرا.ومع ذلك تتحول هذه الأجهزة _المصممة خصيصا لتحقيق الديمقراطية _ إلى وسائل لتبرير ديكتاتورية الأنظمة السائدة هنا وإقرار حكمها الفردي .وتتحول إلى عصا بيدها لقهر وقمع الشعوب وتغييبها.ولا يقتصر هذا الحال فقط على المستوى السياسي الفوقي بل يمتد ليشمل كل مناحي الحياة فمع التطور التكنولوجي وتطور الحياة العامة يبقى الإنسان العربي عموما حبيس عقلية متخلفة . فتتحول في يده كل آليات التطور الى نقيضها كما تتحول كل آليات الديمقراطية في يد الديكتاتور الى نقيضها.فان كان من حيث الشكل والمظهر قادرا على التعامل مع كل ما أتاحه التطور الغربي من وسائل تكنولوجية أو على مستوى متطلبات الحياة اليومية من وسائل تجعلها أكثر سهولة وترفا فانه من حيث الجوهر لا زال منغمسا في أكثر المفاهيم رجعية وبها يحلل ويفسر كل أموره الحياتية والعائلية والشخصية وبها يحكم علاقاته الاجتماعية .دون ان يجد أي تناقض بين شكل حياته وجوهرها.ولعل رؤية الإنسان العربي للمرأة لأكبر تمظهر لهذا التناقض الذي يتخبط فيه فمع خروج المرأة للتعليم والعمل وحصولها على هامش أكبر من الحرية وتزايد الخطاب التحرري لا زال المجتمع ككل لم يخرج من حيز الإختزال المهين لها في جسد واختزال العلاقة المفترضة بين الجنسين في مستواها الحيواني البدائي ذلك أن الرجل مهما تقدم مستوى إيمانه بانسانية المرأة يبقى حبيس البحث عن موطن الإثارة في جسد كل امرأة صادفها لأول وهلة قبل أن يتدخل عقله لتهذيب حواسه لينقله إلى المستوى الثاني الذي يؤمن به ويدافع عنه متمثلا في انسانية المرأة ومساواتها بالرجل .حيث يبقى المستوى الحيواني هو المهيمن والطاغي ويبقى جسد المرأة منتهكا وموضوعا مفترضا لتقديم متعة ولو سطحية وعابرة .فضلا عن كون المحك الحقيقي لاختبار مدى الترسخ العميق للخطاب التحرري هو العلاقات الفعلية والواقعية مع النساء سواء الزوجة أو الإبنة أو الأخت والأم وما يقع فيه من مواقف تجعل الخطاب السابق يتبخر أمام تبريرات سخيفة باسم عدم القدرة على تحدي القيم السائدة وقوة المجتمع في مقابل ضعف الفرد والتي هي في الواقع قوة الجوهر في مواجهة الشكل والمظهر . فالمجتمع الذي تهيمن فيه الخرافة والدين والإيمان بقوى غيبية . وينغلق أفراده في انتمائهم القبلي والجغرافي .ويرفضون تكسير الجدران التي بناها الأجداد باسم الهوية والدين والمقدس .وينبدون العلم والعقل مع كل ما يرونه أمامهم من حقائق علمية ومنجزات علمية ومع كل ما يستفيدونه من هذا العلم عمليا في شتى مناح الحياة. هو مجتمع من حيث الجوهر والأساس مجتمع يعيش في قرون مضت ولا يمكنه دفع عجلة تاريخه إلى الأمام أبدا .وهذا ما يجعل هذه البلدان الآن تتخبط وتدور في دائرة واحدة قوامها الاستبداد والظلم الاجتماعي واحتقار المراة والحد من قدراتها .هي مجتمعات حبيسة سياج سميك يتطلب الخروج منه تهديم البنية ككل وبناء أسس جديدة ترتكز على العلم والعقل والمحسوس الملموس والثورة على تاريخ الأجداد ومفاهيمهم .وتحطيم الأصنام المقدسة والتحلي بالشجاعة لمواجهة الاشعة الساطعة والتعود عليها.والتمرد على القبيلة والهوية الزائفة لصنع هوية جديدة تتلائم مع معطيات العصر من علوم وتفكير حر لا يعرف حدا ولا مقدسا حيث كل شيء قابل للهدم والتجديد.ولعل هذا اصعب ما يكون الآن سيما وأن هذه الشعوب لم تعد ترى ذلك التناقض الصارخ والمثير للسخرية والضحك بين جوهرها المفلس البئيس والرث وبين شكلها المتطور المنمق.فولدت هذه الاجيال لتجد المجتمع على هذا الحال فلم تستطع أن ترى النشاز في صورة الشيخ الملتحي المتزوج بأربع نساء وهو يتلو تخاريف لا يصدقها طفل صغير على شاشة تلفاز أو حاسوب هما نتاج حضارة وفكر مناقض تماما.وكلما امتد الوقت يصبح النشاز أكثر ألفة فيطمئن الفرد له ولا يرى عيبا فيه.ثم يصبح أكثر فأكثر مؤمنا بأن ما ينقصه مجرد شكليات أخرى لتكتمل سعادته.الثورة حدث لا يجزء لا يمكن تحقيق رخاء اقتصادي أو ديمقراطية سياسية في بنية أسسها ما قبل _حداثية. لأن حركة التاريخ تمضي بشكل متواتر ومتلازم .تغيير الجوهر أولا هو الخطوة الاساسية والأولى حين ذاك يبحث الجوهر الجديد لنفسه عن كساء يلائمه بكل تلقائية وسلاسة .إن شعوبا تؤمن بنص يدين نفسه ويلفه الغموض والعوج من كل جانب ويناقض كل ما هو ملموس لمجرد انها وجدت الآباء عليه .هي شعوب ميتة لا أمل منها فإما أن تترك ورائها عفن ورطوبة القبور وتنهض إلى السطح أو ستبقى كما هي الأن تبحث في عمق الحفر وتتباهى بمن يصل العمق الأكبر. مقبرة ذاتها مبتعدة كل مدى عن طريق النهوض فأشعة الشمس آتية من فوق .ووحده من يملك الشجاعة على النظر إلى أعلى بامكانه التعود عليها ورؤية الطريق إلى فوق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تقتل رجلا حاول إضرام النار في كنيس يهودي شمال غرب فرن


.. الاحتلال يعتدي على شاب فلسطيني وتعتقله خلال توجهه لأداء صلاة




.. تحت مظلة التحالف الوطني.. الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات ا


.. فرنسا: الشرطة تطوّق مكان الحادث بعد القضاء على رجل يشتبه في




.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - قوات الاحتلال تعتدي على المصلين