الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماكيافل والنظم العربية

بلال المراكشي

2015 / 8 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ولد المفكر السياسي "نيكولا ماكيافل" في مدينة فلورانسا بايطاليا سنة 1469 م وتوفي في نفس المدينة سنة 1527، حيث أنتج كتابه الشهير "الأمير" ليحمل بين دفتيه جملة من النظريات والتصورات السياسية التي كان لها وقع كبير في تغيير أو قل في قلب المفاهيم والنظريات السياسية القديمة، حيث عد كتابه هذا من ضمن الكتب التي غيرت مجرى العالم بلغة النقاد والمؤرخين للفكر السياسي. و يتموضع "ماكيافل" ضمن لحظة الفترة الحديثة من تاريخ الحضارة الغربية، وهذا يعني مما يعنيه )كما أسلفت التأكيد( قطيعته النهائية مع الفلسفات والتصورات السياسية القديمة كما لدى "أفلاطون" و"أرسطو" وغيره من المدارس والمذاهب و الملل والنحل، منتجا بذلك تصورا سياسيا جديدا ومنهجا منافيا ومغايرا لما كان سائدا في عقول وأفهام المفكرين والفلاسفة القدماء حول طبيعة وجوهر السياسة بصفة أعم، والطريقة المثلى في الحصول على الحكم والوصول إلى السلطة وكيفية تدبير العمل السياسي بصفة أخص. والباعث الرئيسي في انتخابي انجاز مقال حول "ماكيافل والنظم العربية" يكمن في ذلك النقاش الأخوي الذي دار بيني وبين أستاذي المحترم "صلاح الدين الزربوح" حول "ماكيافل" بالذات، مقترحا علي بعد انتهاء النقاش انجاز مقال حول هذا الأخير، وبه تم الانجاز. ومدار حديثنا في هذا المقال يدور حول الكشف عن النظرية السياسية لماكيافل ومدى تأثير هذه النظرية )الماكيافلية ( على النظم العربية.
لم يكن "ماكيافل" منظرا فقط بل كان رجل سياسيا بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، حيث كان فاعلا بشكل قوي في الأحداث السياسية المضطربة التي كانت تمر بها ايطاليا في عصره. حيث عرف "ماكيافل" بذلك المبدأ الشهير الذي مفاده : الغاية تبرر الوسيلة مهما كانت هذه الغاية منافية للدين وخائنة للقيم والأخلاق، مادامت هناك غاية مسطرة ينبغي تحقيقها والوصول إليها بجميع أنواع الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة. وهذا ما دفع "ماكيافل" إلى الجهر بدعوته للانسلاخ من كل ماله علاقة بالدين والأخلاق في مجال السياسية، لأن زواج السياسة بالأخلاق زواج باطل وشاذ، لأن كل له مجاله الخاص منافي للمجال الأخر، كالاستحالة الجمع بين النقيضين بالمنطق الأرسطي. فالدين يقوم على المبادئ والثوابت عكس السياسة التي تقوم في جوهرها على المصالح والمنافع. فالسياسة كالطبيعة إن لم تتحرك ماتت. فلم تعد السياسة من منظور "ماكيافل" مجالا يحكمه الإلهي بل أصبح مجالا خاضع لسلطة الأمير السياسي وأهوائه ومصالحه. مما جعل تصور "ماكيافل" مستقل عن كل التوجيهات الدينية والتحديدات الأخلاقية في التدابير السياسية.
فغاية الدولة ليست تحقيق الفضيلة والسعادة والحكمة كما هو عند أفلاطون وأرسطو، بل غاية الدولة الجوهرية تكمن أساسا في التسلط والإكراه، لهذا حث "ماكيافل" الأمير على أن تكون سلوكياته وأفعاله قائمة على القوة والخديعة لا الأخلاق والفضيلة، فعلى الأمير أن يكون ماكرا كالثعلب قويا كالأسد لأن الطبيعة البشرية بالذات ماكرة وفاسدة، وهنا نشير إلى تشابه تصور "ماكيافل" مع "توماس هوبز" في عنصر الطبيعة الإنسانية حيث اعتبر "هوبز" أن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان. فسياسة الأمير ينبغي لها أن تكون قائمة على القوة والترهيب أكثر من الرأفة واللين، لأن الحق الوحيد الذي يمتلكه الحاكم هو حق القوة. وفي هذا السياق يذهب "ماكيافل" إلى القول في كتاب الأمير "لا ريب في أن الإنسان الذي يريد امتهان الطيبة والخير في كل شيء يصاب بالحزن والأسى عندما يرى نفسه محاطا بهذا العدد الكبير من الناس الذين لا خير فيهم. ولذا، فمن الضروري لكل أمير يرغب في الحفاظ على نفسه أن يتعلم كيف يبتعد عن الطيبة والخير، وأن يستخدم هذه المعرفة أولا يستخدمها وفقا لضرورات الحالات التي يواجهها".
فحتى الوعود التي يمنحها الحاكم لشعبه إن كانت ستضر بمصالحه ومنافعه، فانه يجوز من منظور "ماكيافل" مخالفتها و عدم الوفاء بها. )وهنا نطلب من القارئ إسقاط هذا المبدأ على حكام و ساسة العرب( لهذا دعا "ماكيافل" إلى نوع من ازدواجية شخصية الحاكم، ومرد هذا كون الأمير موجب عليه أن يظهر بمظهر الرحمة والتواضع والتدين، وكذلك بمظهر القوة والعنف والقسوة، فلجوء الحاكم إلى التمظهر بهذه الصفات يكمن أساسا عند اقتضاء الحاجة والضرورة والمواقف. وحتى الدين في حد ذاته يجب على الأمير أن يتظاهر باعتناقه ولو اعتقد ببطلانه مادام يحقق مصالحه ويخضع شعبه لطاعته والخضوع له والسيطرة عليهم. فقيام الدولة كسلطة وسيادة رهين بامتلاك حق القوة لأنه هذه هي الوسيلة الحقيقية لحفاظ الحاكم على عرشه وسلطته. لهذا رأى "ماكيافل" أن الدولة لا بد لها أن تتشخصن في شخصية الأمير، حيث أن الدولة والأمير بمثابة كيانين متلازمين يستحيل الفصل بينهما، وهذا التصور يعد بمثابة تمهيد لولادة الأنظمة الديكتاتورية التي عرفها التاريخ سواء منها الغربية أو العربية، والتي خرجت من رحم الفكر الماكيافلي.
تعد السطور السالفة بمثابة اختزال لتصورات السياسية ل"ماكيافل" ، وبقي لنا الآن أن نعمل على ربط هذه التصورات بالمشهد السياسي العربي أو لنقل بالنظم العربية. حيث يقال أن كتاب الأمير يعد إنجيل حكام الغرب، ويعد "ماكيافل" أطروحة "موسوليني" للدكتوراه، وينقل أيضا عن "هتلر" و"لينين" و"ستالين" على أنهم كانوا يضعون كتاب الأمير على مقربة من رؤوسهم ليقرؤه كل ليلة. وفي السياق نفسه يمكننا اعتبار كتاب الأمير قران حكام العرب. فبدون أدنى شك سيخلص معي القارئ بعد معرفته وكشفه لخبايا التصور السياسي الماكيافلي إلى نتيجة مؤداها أن علاقة حكام العرب بكتاب الأمير علاقة جد قوية ومتينة والتي تتجلى بشكل بارز إلى يومنا هذا، حيث أننا يمكننا أن نترجم به بشكل مباشر ما تقوم به الأنظمة العربية منذ أربعة قرون الى اليوم، من قمع واستبداد وقتل واغتيال وإعدامات بالجملة ...ويمكن أيضا التفسير به المشهد السياسي العربي والشهوات السياسية المفرطة التي تعرفها بعض الأحزاب التي كتب لها بشكل أو بأخر تولي زمام السلطة. وأختم هذا المقال بفصل في كتاب كلام في السياسة لمحمد حسنين هيكل عنونه ب "الحسن الثاني قرأ الأمير أميرا وطبقه ملكا".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط