الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محطات ما بعد الخمسين من العمر (3) الحلقة الثالثة والأخيرة

فارس التميمي
كاتب

(Faris Al-timimi)

2015 / 8 / 5
كتابات ساخرة


إن معظم الرجال عندما يبلغون العقد الثالث من العمر، يعتقدون بأنهم قد بلغوا مبلغاً يستحق الإحترام من قبل الآخرين، وربما يستحق الإعجاب والمديح والإطراء، فقد أصبحوا رجالاً وتجاوزوا مرحلة الشباب التي في الغالب (خصوصا في مجتمعاتنا الشرقية) هي موضع تساؤل وربما تشكيك من قبل الآخرين فيما يتعلق برجاحة العقل وحسن التصرف!
أما المرأة، فإن بلوغها العقد الثالث من العمر، يمكن في الغالب أن يكون بداية مرحلة الإنحدار النفسي (وهذه طبعا مسألة نسبية تختلف شدتها من إمرأة إلى أخرى)، لكن المرأة وبشكل عام تبدأ ملاحظة التغيرات التي تطرأ على بشرتها خصوصاً الوجه، وتبدأ بتفحص شعر رأسها بحثاً عما يمكن أن يكون بداية ظهور الشيب، لكي تسارع بإستخدام أنواع وألوان صبغ الشعر، والذي هو محاولة مغلفة لمحاربة الشيب الذي عندما يبدأ لن يستطيع أن يوقفه أحد،، ولكن هذا ما لاتدركه معظم النساء على ما يبدو،، فمعظم النساء بمجرد ظهور هذه البوادر فإنهن يبدأن بعيش كابوس إحتمال فقدانهن لعرش الجمال!! والذي هو بحد ذاته وهم وكذبة يحلو للنساء أن يخدعن أنفسهن بها!! ذلك أن الذي كن يتصورنه هو أنهن يجب أن يبقين متربعات على عرش الجمال الوهمي هذا،، لما لا حد له من العقود... شعور غريب فعلاً،، ويكون الرجل منافقاً جداً إن إدعى أنه يستطيع أن يفهم لماذا يحدث هذا للنساء وهل هو من صفاتهن البايولوجية الأساسية أم أنه مما إكتسبن من التربية والمعايشة المدنية وحسب المجتمعات المختلفة،،، إنه بالتأكيد أمر خلقته المدنية وشجعت عليه تجارة لها أول وليس لها آخر من مواد تجميل تنهك ميزانية معظم النساء،، يضاف لها الأساليب الرخيصة مما يسمى عمليات التجميل التي تشوه الوجوه كما نشاهده حاصلا للكثير من مشاهير السينما،، والذي يبدو أن الرجال أيضاً قد أصيبوا بعدوى هذا المرض الخبيث!! ولينعم أطباء التجميل ويتقاضوا أجورهم على ما يشوهونه من وجوه مخلوقات الله!! فالمرأة في الحقيقة بحاجة لعلاج نفسي منذ بلوغها العقد الثالث ولا يجب الإنتظار لحين بلوغها العقد الخامس، لأنها تكون عند ذلك قد بلغت مرحلة الإنهيار،، لكنه مما يمكن أن يساعد على توفير بعض الراحة النفسية للنساء اللواتي بلغن العقد الخامس من العمر، هو ما إقترحته سابقاً من (عزل جزئي) للنساء عن الرجال والذي أعتقد أنه سيساعد الإثنين على تجاوز التحول البايولوجي النفسي لتلك المرحلة من العمر. ولا يفوتني هنا للإنصاف أن أذكر وجود الكثير من النساء الواثقات بأنفسهن والواقعيات المدركات لحقيقة التقدم في العمر، ممن يواجهن هذه المرحلة بشجاعة ملفتة للإنتباه، ولا يكون لهذه المرحلة تأثير على سير حياتهن!
لا يبدو أن الرجل يهتم أو ينتابه شعور سلبي عند بلوغه العقد الثالث، بل كما ذكرت إنه على العكس سوف يكون شعوره مفعما بالفخر ولا يهتم بأنه قد وضع رجله على أول عتبة الإنحدار نحو النهاية،، إذا ما إعتبرنا أن معدل عمر الرجل هو 60-70 عاماً في مناطقنا التي تعاني من عدة عوامل تساعد في تقصير عمر الإنسان، ليس أقل هذه العوامل ما حدث ويحدث حالياً في العراق بشكل خاص من إنتهاك لكل قيم الحياة والقيم الأخلاقية والإنسانية ومنذ ما يقرب من نصف قرن من الزمن!! والذي هو موضوع مزعج يصيب الإنسان المحب لبلده بالغثيان وليس هنا مجاله، بل يلزمه صفحات لسرده وتوثيقه.
الشباب،، كلمة تعني ببساطة وبشكل عام لدى الناس: القوة على تحمل المشاق، الإقبال على الحياة والبدء في تحمل مسؤولية العيش والإستقلالية،، ومن الأكيد أنها تعني لدى الكثيرين (الرياضة)!! هذه الرياضة التي أصبحت مكانتها عالية كثيراً، وللعقود الثلاث الماضية يقف العالم لها على أرجله إحتراماً وتبجيلا لا نفهم كنهه وسببه؟،، وذلك ربما لما يقرب من 24 ساعة في اليوم ولسبعة أيام في الأسبوع و12 شهرا في العام، أينما تولي وجهك أمامك في التلفزيون الرياضة وأخبار الرياضة وكل ما يخص الرياضة،،، لا يوقفها موسم ولا طقس سيئ، ولا حرب قائمة، ولا معاناة شعوب تعاني شظف العيش، ولا يتوفر لأبناءها التعليم المطلوب، ولا الرعاية الصحية، لكنها تبقى تصرف مبالغ طائلة على الرياضة!!! ولم تكن كلمة الشباب تتمتع بوجود ولا دور في الإبداع العلمي، فهذا من إختصاص كبار السن، وعندما يكون هنالك شباب يهتمون ويبدعون في الإبتكار والعلوم التطبيقية المختلفة، لن يجدوا من يدعمهم ولا من يهتم بهم في عالمنا ودولنا،، ولكن من يركضون وراء كرة، أو يرفعون أوزاناً ثقيلة من الحديد، أو لهم باع في السباحة، سرعان ما يعتبرون فخراً للأمة، ومن أجل المشاركة بواحد منهم في دورة دولية، لا تتوانى الدول الفقيرة عن إرسالهم للمشاركة لكي يذهب في صحبتهم أعداد غفيرة من الإداريين في عملية فساد وسرقة للمال العام،، هذه الرياضة التي كان أول ظهورها في دول بلغت من القوة والغنى والترف مثل روما وأثينا مبلغاً كبيراً، فأراد حكامها أن يستمتعوا، فإبتكروا الرياضات المختلفة لمتعتهم، وكان البعض منها مخالفاً لكل الإعتبارات الإنسانية والمتمثلة بالمصارعات الرومانية القديمة التي كانت تقام بين العبيد، والتي تنتهي بمقتل أحدهم وصلب الآخر، واليوم هنالك إشارات لعودة مثل هذه الرياضات التي كثيراً ما إنتهت بقتل أحد المتبارين مثل ما يسمى (Kick Boxing)، والتي تجرى على مرأى ومسمع من دول العالم التي تدعي الإنسانية وحفظ الآدمية!!!
عندما يتجاوز الرجل مرحلة الثلاثين من عمره، يبقى متماسكاً بقواه، بل قد يزداد قوة وثقة وصلابة، حتى يبلغ مرحلة العقد الخامس والذي نخصص معظم حديثنا عنه، إلى أن يصل إلى مرحلة مفترق الطريق، حتى لو لم تظهر عليه بوادر الإصابات المعهودة والتي تظهر في مثل هذا العمر أو بعده،، لكنه لا يستطيع أن يمنع التغير الهورموني الذي يطرق بابه، وهنا سيكون عليه أن يحدد رده على هذا الطرق على بابه،، في الغالب فإن الرجال في العهود القديمة كانوا يتقبلون الوضع وكأنه حقيقة واقعة تعرض لها من سبقوهم في مراحل العمر، وكان ذلك في أوقات ما قبل التسعينات وقبل شيوع أخبار (الفتح الدوائي) عندما إكتشفت وعن طريق الصدفة شركة Pfizer الحبة الزرقاء، والتي مات من سوء إستخدامها كثيرون،، أذكر قبل ذلك وفي سنوات الثمانينات وحتى التسعينات ولأنني أقوم بتركيب الأدوية التي استعملها في علاج الصقور بنفسي من مكونات مختلفة لعدم وجود أدوية فعالة حقيقية تنفع في علاج أمراض الصقور ويستطيع القناص هاوي الصقور إستخدامها عندما يكون بعيداً عن المراكز والعيادات البيطرية، ومما أنتجه نوع من الكبسول يرفع من قدرة الصقر على المطاولة في الطيران والرغبة والقوة في الإنجاز، وهو من العلاجات التي يقبل على إستخدامها القناصون لصقورهم بشكل كبير، كان البعض من زبائني الذين أعتبر معظمهم أصدقاء لي أعتز بهم، كانوا يسألونني في بعض الأحيان بصورة همس، وأحيانا أخرى بصورة علنية بحيث يسمع كل الجالسين في العيادة صوته عندما يقول: (دكتور،،،، أبو حيدر،، ما عندك شي تنفعنا بيه بهالعمر،، يمكن شي (صافطه) لأحد يعز عليك!! ترانا إحنا بعد ربعك!!!)، ثم يتبع البعض منهم سؤاله هذا ببيت الشعر: ألا ليت الشباب يعود يوماً،،،!!
(صافطه): تعني الشيئ الذي تحتفظ به وتخفيه للأقربين إلى نفسك.
عندها أول ما أنتبه له هو ردة فعل القول على وجوه الجالسين، فالكبار في السن منهم تظهر عليهم علامات الترقب! لعله يأتي في كلامي ما يتأملون منه خيراً لأنفسهم هم أيضاً!!،، أما الشباب فيأخذون الأمر على محمل المزحة إذ أنهم لا يبدون بحاجة إلى مواد مساعدة، وربما يتهكم أحدهم بتعليق على ما يدور،، والذي يجب أن أقره هنا هو الروعة واللباقة وسرعة البديهة التي يتمتع بها الكثيرون من معارفي من الذين ينحدرون من أصول بدوية قبلية عربية أصيلة،، أقرأ في كلمات وتعليقات الكثيرين منهم روعة وأصالة مقولات ودهاء العرب وبعد نظرهم،، والذي قد لايشاركني في الإعتقاد به بعض القراء، ولكنني رأيت ذلك واقعاً وأعجبت به بالأمس واليوم ولن أنسى البعض منه، رغم أني قد نسيت الكثير،، وسوف يكون لي موقف مستقبلا مع هذه القراءات ومحاولة لتدوينها.
لايخفى مما سبق أن السلوك للإنسان محكوم ولدرجة كبيرة بهذه الهورمونات التي تظهر وتقوى في فترة عمرية، ثم تتضاءل وتختفي في فترات عمرية لاحقة، وإذا ما تركنا الأمر يجري على هواه وبطبيعته ومن دون الوقوع تحت المؤثرات الخارجية (المجتمع المتخلف أهمها)، فإنه في الغالب ستكون النهاية هي أن يبدأ الإنسان (ذكراً كان أو أنثى) بتقبل الواقع والعزوف عن الرغبة في مزاولة ما كان يزاوله أيام الشباب،، لكن المجتمع يأبى أن يعطي كلا الرجل والمرأة فسحة من الراحة،، فيبقى متابعاً لهما ويحاول إغوائهما فيروح الإثنان في مسعى محموم لمواصلة طريقة في الحياة لا تتناسب وقدراتهم الطبيعية،،، وهنا تحدث النكبة عندما يقرر الرجل مثلا أن يتزوج من هي بعمر إبنته، فقط لكي يثبت أنه مازال فاعلاً وإيجابياً في هذه الحياة وأنه جاهز للمهام الصعبة!!، ومن ثم يبدأ البحث عن الحبة الزرقاء،، وأنا واثق أنه بهذه الحبة الزرقاء أو بغيرها لن يكون في الأمر ما يمتع مثلما كان ممتعاً عند عمر الشباب،، ولكنك أسمعت لو ناديت حياً،،، ولكن لا حياة لمن تنادي!!!؟؟ يقال أن معظم من دخلوا العراق بعد عام 2003 وإستطاعوا بدعوى الدين أن يتسلموا مناصب حكومية هم غير مؤهلين لها فعلا، ولذا فقد قرروا أن يعلنوا على الملأ تأهلهم في قدراتهم الجنسية بدل ذلك،، بالزواج من بنات في عمر أبنائهم، وتلعب في ذلك دوراً كبيراً حالة الشبع المفاجئ التي أحسوا بها عندما إستولوا على أموال البلد، فأصبح لزاماً أن يثبتوا أن لهم قدرة، إستطاعوا أن يدعموها بإسناد شرعي وتأريخي!!!!
أما المرأة التي تقرر أن تنساب مع مؤثرات المجتمع، فإنها ستبدأ معاناة لا نهاية لها،، فتبدأ بإستخدام المستحضرات التجميلية والترقيعية للبشرة والجلد أولا، ومن ثم إذا ما سمحت ميزانيتها أو ميزانية زوجها، فإنها ستخصص منحة كبيرة لأحد الأطباء الذين يسمونهم (جراحي التجميل) والذين هم في الحقيقة في معظم الحالات (خبراء في إجراء التجارب على النساء) وربما هنالك القليلين منهم من يعرفون ماذا يفعلون، ومن هنا نشاهد التشويه الذي يحل بالكثير من الوجوه النسائية في عالم السينما العربية!!! وهنالك من الرجال الكثيرين الذين يُبيح لهم قِصَر عقولهم بالقيام بالشيئ نفسه،، هؤلاء يبدو أنهم لا يدركون أن الطبيعة لن تقوى ولن ترغب في أن تُبقي على الجمال في أي موقع منها، فالجمال نسبي ومرحلي وموسمي،، فما تراه جميلا في الربيع والصيف لا تراه جميلا في الشتاء في المناطق الشديدة البرودة، وماتراه من جمال الخريف هو جمال عابر ليس إلا وله طعمه الخاص،، ليس هنالك مقدرة على أن (نصبغ) الأشياء من حولنا بصبغة جمال تروق لنا على الدوام، ولكن أكثرهم لا يعقلون!!!!
هنا أعود قأقول أن المجتمع يجب أن يتحمل مسؤوليته في مواجهة هذه المرحلة من عمر الإنسان من خلال التربية المناسبة والحكيمة والتي تأخذ بنظر الإعتبار طبيعة الأشياء وأن تقدم النصح للناس جميعا لتبيان ما هو خطر، وأعني ما يمكن أن يكون مسعى للناس من دون الوصول لنتيجة، فيصبح هؤلاء الناس أشبه بالمعاقين في المجتمع، وتترتب على ذلك الكثير من المشكلات النفسية مما يؤدي إلى تفاقم الكثير من الأمور ووصولها إلى مواقع يصبح علاجها مجتمعياً من أصعب الأمور. ولكن يبدو أن القائمين على الحكومات (وهنا أقصد الدول المتقدمة الغربية بشكل خاص) لايعنيهم ذلك بإعتبار أنه جانب من الحرية الشخصية وعدم جواز التدخل في حياة الناس الخاصة،، ولكن الحقيقة هي بالتأكيد غير ذلك، وقد تقع هذه ظمن عدم تدخل الحكومات الغربية عندما لا تتدخل لحماية خصوصية الناس، وذلك عندما تزعجهم النداءات التلفونية وبتكرار يومي، كما أنها لا تتدخل عندما يطرق بابك داعية يدعوك لمذهب أو فرع جديد لدين قديم، ويُفرض عليك أدبياً أن تتحدث معه بأدب ولياقة، ويستغرق من وقتك ما أنت بحاجة له في شأن آخر،، لا تستطيع أن تقوم بشيئ إلا أن تصبر.. على أمرٍ أمَرُّ من الصبر!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس