الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العبء الذى قتل أمى وأبى

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2015 / 8 / 5
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات



تقوم التربية فى بيوتنا ومدارسنا على الخوف، بل الرعب من الاختلاف، لهذا نتهم المختلفين عنا بشتى أنواع القبح أو الفسق أو على الأقل النشوز والشذوذ، لم تشارك عقولنا فى الاكتشافات العلمية على مدى القرون لهذا السبب، فالإنسان، المبدع يكون متفردا، مختلفا، الإبداع هو الجديد غير المألوف، وكم من مبدعين ومبدعات قتلوا إبداعهم خوفا من الاتهام بالكفر أو الجنون، وقد يكون الاختلاف عقليا، فى الطريقة التى نفكر بها، وقد يكون الاختلاف جسديا، شكل الوجه مثلا أو لون البشرة، وقد ورثت أمى عن جدتها التركية الخوف من ذوى البشرة السوداء، كانت تصرخ ان اقترب منها رجل أسود أو صرصور، وحين جاءنى (فى مراهقتى) عريس أسود اقشعر بدنى وتصورته الشيطان، لكنى انتصرت على عنصريتى الموروثة بعد أن سافرت إلى بلاد العالم، وتعرفت على ثقافات مختلفة وشخصيات مبدعة، من النساء والرجال السود، فى إفريقيا وآسيا وأوروبا والامريكتين الوعى والرقى الإنسانى ضرورى لنا، للتغلب على الفكر الأحادى العنصرى الذى تربينا عليه منذ الطفولة.
إذ نعتقد أننا أفضل من غيرنا، وعرقنا أسمى الأعراق، وجنسيتنا أرقى الجنسيات، وحضارتنا المصرية ليس لها مثيل، وديننا الإسلامى هو الحقيقة والأديان الأخرى باطلة، ولغتنا العربية من صنع الآلهة واللغات الأخرى بشرية، وطريقتنا هى الأفضل: فى الأكل والشرب والنوم والحب والجنس والزواج والطلاق وتعدد الزوجات والنسب، وأخلاقنا المزدوجة هى أفضل الأخلاق، وقيمنا وتقاليدنا هى المثلى، وغير قابلة للشك أو النقد، ينشدون آفاقا جديدة للتفكير، لكن فى مصر اليوم ظاهرة تدعو للتفاؤل، أصبح الشباب والشابات، منذ ثورة يناير 2011 يتجمعون بالمئات فى الندوات المفتوحة، ومنها الملتقى الذى أعطوه اسمى، يختارون لكل ندوة كتابا من كتبى، يقدمه أحد الشباب أو الشابات ثم يدور النقاش، انتظم الملتقى كل شهر منذ العام الماضى، تمت مناقشة كتب متعددة فى حوارات فكرية متعمقة، ثم، حيث قدم الشاب محمد هشام المدرس بالجامعة كتاب الرجل 22 يوليو 2015 الملتقى فى أتيليه الإسكندرية الرجل والجنس تقديما علميا رصينا، ورأست الندوة الدكتورة ريم حسن أستاذة الفنون التشكيلية، وأدارت الحوار الشابة داليا وصفى لأكثر من ساعتين، حول التاريخ والطب والجنس والفلسفة والفن والرجل والمرأة والختان والزواج والطلاق وتعدد الزوجات، وغيرها من الأمور الملتبسة عندنا، بسبب الخوف والتعصب لأفكار موروثة منذ القدم كانت الندوة علمية أدبية مميزة، تباينت فيها الآراء والمعتقدات، وتم الحوار الراقى بين وجهات النظر المختلفة، رغم الازدحام فى القاعة ساد الهدوء، لا أحد يقاطع أحدا، لا أحد يتهم أحدا، كلمة الشذوذ لم ينطقها أحد، وتمت مناقشة قضية الجنسية المثلية بالتحليل العلمى وشرح أسبابها البيولوجية والاجتماعية، إنه أسلوب العلم والطب والأدب، أن نفهم ونحلل، ولا نتسرع لإدانة أى إنسان يختلف عنا فى الشكل أو الفكر أو الفعل، حتى فى جرائم القتل، يجب أن نفهم الدوافع والأسباب قبل أن نحكم بالإعدام، كان الحوار يدور بالعقل الهادئ، وإتساع الأفق والرقى الإنسانى، وظهرت السعادة على الوجوه والتشوق للمعرفة لكن بعد يومين بدأ الإعلام التجارى ينشر الأكاذيب للكسب السريع عن طريق الإثارة، وتشويه سمعة هذه الندوة الجميلة، تحت اسم العرف والتقاليد والدين، والدفاع عن الختان الذى اعتبروه أمر الله وركنا من أركان هويتنا الوطنية.
أما المثلية الجنسية فهى خطيئة من فعل الشيطان، ويجب عقاب المثليين بأن نقلب عالى أرضهم سافلها، ليكونوا عبرة لغيرهم، ولأن العلاقات الجنسية ثابتة فى الأديان، لا تختلف من مجتمع إلى مجتمع، والعلاقة الجنسية دون تناسل فاحشة كبرى، إنه القانون الطبيعى لاستمرار الجنس البشرى، ومن يخالف ذلك منحرف وشاذ يحرقه الله فى نار جهنم تذكرت الحرب الضارية منذ مائة عام، التى شنتها الكنيسة ضد الطبيبة (ساجنر) التى اكتشفت حبوب منع الحمل، فالجنس فى نظر الكنيسة كان مدنسا، والمولود لا يطهر من الدنس الا بعملية التعميد أو الغطس فى الماء المقدس تعرضت الطبيبة لحملات إدانة وتشويه، من رجال الكنيسة والأطباء معا، اتهموها بالكفر والجنون، ماتت مقهورة، وهى من أعظم الرائدات المبدعات فى مجال الطب والعلوم الإنسانية، فقد أنقذت حبوب منع الحمل الملايين فى العالم، من الحمل والإنجاب اللاإرادى، ومن الجنس الأهوج الذى يجعل الإنسان عبدا للطبيعة الفجة الخام، لا يملك إرادته، ولا يسيطر على نفسه، لا يتحكم فى نسله، ولا يختار شريكه فى الحياة راحت أمى ضحية الحمل والولادة دون إرادتها، والإنجاب غير المرغوب فيه كل عام، الذى أثقلها بتسعة أطفال قبل أن تبلغ الثلاثين من عمرها، حاولت التخلص من الحمل العاشر، وماتت أمى فى ريعان شبابها، أما أبى فقد مات بعدها بخمسة أشهر، مات شابا بثقل العبء الذى حمله بعد موتها، والذى حملته بدورى من بعدهما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - منبع الكوارث
على سالم ( 2015 / 8 / 5 - 20:07 )
الاستاذه نوال , العبأ الذى تتحدثين عنه نحن جميعا مصابين به ,انه عبأ مؤلم وثقيل ومتخلف وغبى ,انه عبأ الاسلام والذى ابتلت به الشعوب المنكوبه عبر التاريخ ,انه عبأ بدوى شرس ودموى يشل العقول ويدمر الحياه ,انه فيروس قاتل وميكروب غبى ,مهم جدا ان نشخص المرض ,المرض اللعين الذى يعانى منه جميع العربان والمسلمين هو دين الاسلام ,الخطوه التاليه هى حتميه القضاء على المرض ,القضاء على هذا المرض لن يكون سهلا ابدا ,انه ارث ضخم من الافكار الصحراويه العقيمه البدويه العفنه ,المؤسف ان هذا الارث اصبح فى وجدان امه المخدوعين والبسطاء والسذج ,القضاء على المرض اللعين سوف يتطلب معارك ومجادلات وصدامات وضحايا ووقت عصيب ,المهم ان نصمم على القضاء على هذا المرض البدوى


2 - تساؤل
نور الحرية ( 2015 / 8 / 5 - 20:24 )
مقالة قوية ورصينة من استاذة خبرت الحياة. بودي ان اسألك استاذتنا هل نؤيدين حكم الاعدام لأني قرأت ما ينبئ بذلك في مقالتك

اخر الافلام

.. تدريب المرأة مهنيا.. أولوية لتمكينها اقتصاديا


.. الأردن.. برامج لتمكين النساء وتوجيههن لدخول سوق العمل




.. الناشطة بالجمعية التونسية من أجل الحقوق والحريات رانيا بن فر


.. حقوقيات تطالبن بتطبيق قانون النفاذ إلى المعلومة في تونس




.. رئيسة الجمعية التونسية للحكومة والمساءلة الاجتماعية هاجر الط