الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجُرذ

مُضر آل أحميّد

2015 / 8 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الجُرذ

يقف في الحديقة مستعدا لأي طارئ. ينظر يمينا وشمالا، الى الأعلى وبين أرجله. لا يعرف أيذهب يمينا متسللا بين تلك الأغصان ليحصل على اسبقية يسيرة على الحارسين الواقفين تلك الناحية قبل أن يحاول الركض لأجل حياته، أم يذهب شمالاً حيث لا يعرف عدد الكامنين هنالك، ولا تضاريس المنطقة؟ يقرّر أنّ "مجنوناً تعرفه خيرٌ من عاقلٍ تجهله" وبعد أن يمسح أنفه وينفض الغبار عن شاربيه للمرة الأخيرة، يبدأ بتحريك أرجله وكأنه يمشي على الماء. يحافظ على نسقه الجاسوسي المتمرس فلا تشعر الورقة التي يدوس عليها أنها يُداسُ عليها. يعبر الأغصان. يلتفت أحد الحارسين. يتوقف هو؛ ويتوقف قلبه. يعود الحارس الى رفيقه. يعود هو للسير. يجتاز الأغصان. يبدأ الركض. يتنبه حارسا الأدغال. يبدآن الهرولة وكأنهما لا يريدان الإمساك به. يركض هو. يلتفت اليهما فرحاً بنجاح خطّته. يرتفع في الهواء. يحاول تحريك رقبته. لا يستطيع. يصل الحارسان ليشاركان الحارس الثالث في صيده.
هذا ما سيحدث للجرذ إن أطلقتُه في باحة المنزل ضمن منطقة سيطرة عشيرة القطط التي لا تسمح حتى لغيرها من القطط الإقتراب من تلك المنطقة، فكيف بجُرذ؟! قبل خمس سنوات أو أكثر كنتُ لأقتل الجُرذ بدم بارد. أمّا الآن فأنا عاجز عن ايجاد تبرير يمكنّني من العيش مع قتله. فأنا بالطبع لا أهمّ بأكله، ولا اظنه قد أوقع بي ضررا يستحق عقوبة الموت- إلا إن كان عقاب جريمة ثقب كيس معكرونة هو الموت. وبعد أن خلُصت الى استحالة قتلي إيّاه، كان عليّ أن أجد حلاّ بديلا. وبعد أن أَجد الحلّ، وألقي القبض عليه، عليّ أن اختار الوجهة التي سأهجره اليها. شرقاً، حيث عشيرة القطط؟ أم الى الحديقة العامة في الشمال حيث نفوذ عصابة الكلاب. انه احساس رائع، أن تكون شرطي العالم. أن تملك تدابير مصير كائن آخر، وإن كان جرذا. وعلى الرغم من استطاعتي التبرير لنفسي بأن تلك ماهيّة الحياة، وأنّي بتهجيره الى احدى تلك الأماكن لست أفعل غير اعطاءه فرصة متكافئة كان ليتلقى نفسها لو وُلِد في الطبيعة؛ إلّا أنني أعلم يقينا في قرارة نفسي أنّ لا فرصة للجُرذ في البقاء حيّاً في أيِ من هذين المكانين.
أزعجني ذلك الجُرذ. فعدا كيس المعكرونة المثقوب، أضاف الآن سبباً آخر للتخلص منه. انّ وجوده يدفعني الى التفكير في قرارات أخلاقية كُنتُ قد تغاضيت عنها واعتبرتها من المسلّمات. وجوده يجعلني أرى نفسي وما أنا مستعد لفعله في مرآة أخلاقية، وذلك مزعج. جعلّني أفكرّ في دافع أفكاري. جعلني افكّر في السبب الذي دفعني في التفكير بتهجيره. حسنٌ، إنّه يقطن دولاب سُفلي من دواليب المطبخ. دولاب لا أضع فيه إلّا بعض المنظفات والمعقمات- التي كان يجب عليها أن تقتل الجرذان أو تطردها على الأقل- ولا يستطيع، وإن أراد، أن ينقل ليَ عدوى ما. لستُ أحتاج الدولاب، وسيكفي كيس المعكرونة المثقوب لإطعامه لسنوات. ولكنّهُ دولابي. نعم، إنّه دولابي أنا ولا أريده في دولابي. فأنا لم أختر أن يعيش الجُرذ في دولابي. ولكن، هل يعني ذلك أنّ الجُرذ هو من اختار العيش هناك؟ ربما، فقد كان يستطيع العيش في باحة المنزل. ولكنّ باحة المنزل للقطط بمثابة الدولاب لي. الجُرذ صاحب قرار، ولكنّ الأمر كما يبدو من وجهة نظره: أنّه مجبر على الاختيار بين نفسه والآخرين، وقد اختار نفسه. وانا كنتُ لأفعل ذلك، فلو كنت أعيش مع والدتي وخيّرتني بين أن اقتل الجُرذ أو اطرده وإلا سأرافقه الى الخارج، لأخترتُ قتله. بالطبع، لكنتُ قتلتُ الجرذَ وأنا يغمرني الرضا.
أمّا الآن، فلست أعرف ما سأفعل معه. فهو متطفلّ محتلّ لأرض كان أجدادي قد تطفلّ عليها واغتصبوها من المتطفلين الأصليين. وحتى أصلُ الى الخيار الأخلاقي الصحيح، أقطَعتُ الجُرذ رَفيّن من دولاب المطبخ، وكيس المعكرونة المثقوب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الصيني في زيارة إلى فرنسا تركز على العلاقات التجارية


.. مفاوضات حماس وإسرائيل تأتي في ظل مطالبة الحركة بانسحاب كامل




.. مصدر مصري رفيع المستوى يؤكد إحراز تقدم إيجابي بشأن مفاوضات ا


.. النازحون يأملون وصول إسرائيل وحماس إلى اتفاق وقف إطلاق النا




.. Ctقتيلان وعدة إصابات بغارة إسرائيلية استهدفت بلدة ميس الجبل