الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نسبية القرآن

هيثم بن محمد شطورو

2015 / 8 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مرّت الطائرة من هنا, بالقرب مني مرت, بالقرب من الأرض مرت و عبر ذهني من خلال جسمها الحديدي السائر في الجو سبٌحت لعبقرية الإنسان الغربي الذي أبدع فصوٌر فخلق. و هنا تمر عبر ذهني مقولات الحسد العربي عـديم المعنى، و مثل أن الـذهن العربي هو أول من أبدع الفكرة فما الطائرة إلا السجاد الطائر في ألف ليلة و ليلة، ثم أن عباس ابن فرناس كان أول من جـرب الطيران و بمثل هذه الكلمات يترنح الذهن العربي مزهوا بنرجسيته الباهـتة الزائـفـة.
أتصور أن الرغبة في الطيران متأصلة في الإنسان بما أنها رغبة في التحرر من قانون الجاذبية. ألا يحسد الإنسان العـصفور و جميع أنواع الطيور؟..و لكن ما يصل إلى حد المأساة في الذهنية العربية اليوم هو التركيب الخاطئ للنـتائج القائمة على مقـدمات صحيحة على ما يـبدو. الأجدر أن نعترف بعبقرية الإنسان الاوربي و بالتالي نحاول فهم آليات تـفكيره لنكون عقلا إنسانيا خالـقا و مبدعا مثله. في المقابل يبدو من السذاجة المروعة المقيتـة أن يقابل العربي كل منجزات الشمال الاوربي العـلمية بالقول إن القرآن الكريم فيه كل تلك العلوم. لقد قرأت القرآن فلم أجده كتابا في علوم الفيـزياء أو الطبيعة أو الكيمياء أو الاجتماع أو النـفـس. إن ما وجـدته من بعض التـلميحات العلمية مثل إنـزال الحديد من السماء و غيرها لا يمكن اعـتبارها نـظريات عـلمية و إنما تـلميحات علمية في عصر العلم، بما هو معلوم حدوثه في المستـقبل الانساني في علم الغيب الرباني، و ذاك لهداية البشر لحقيقة الوحي الإلهي و حقيقية القرآن كخطاب إلاهي و ليس إنسي، و لكنه بلغة الإنسان لأنه موجه إلى الإنسان. المسافة واضحة بين الله و خطابه المحكوم بتـركيـبة العـقـل الإنساني المتلقي و لذهنيته الـزمكانية. و يمكن قراءة النظرية الفـذة حول الخطاب و تـقـنياته و قياس الخطاب القرآني على الآليات العـلمية للخطاب مثلما ذكر المفكر المصري "نصر حامد ابو زيد"، و الذي تمكـنت سلطة الكهنوت المصرية من تـطليقه من زوجته بدعوى ارتـداده عن الإسلام، و طبعا فصنيع الكهنوت و القضاء المصري في عهد الرئيس مبارك لا يمكن وصفه بغير شعر المتـنبي القائل: يا أمة ضحكت من جهلها الأمم...
فمن خلال التـدقيق في آلية الخطاب باعتباره متوقـفا اساسا على ايصال رسالة الى متـلقي يمكننا بناء مناخ معرفي اسلامي جديد. المتلقي يجب ان يفهم الرسالة و بالتالي الخطاب يجب ان يكون في حدود قـدرة المتـلقي على فهمه. أي ان الخطاب هو اساسا مفاهيم المتـلقي و ليس المرسل. من هنا، فالقرآن هو من حيث كونه خطابا الاهيا الى الانسان هو في مضمونه خطاب انساني بما ان المتلقي هو الانسان. من هنا كذلك نستـنـتـج ان تـقـنيات الخطاب من استعمال للأسطورة و من خلق ثـنائية الجحيم و النعيم و وتلك الاوصاف لكليهما و التي لم تخرج عن المخيال الانساني في اغـلب الثـقـافات زمن التـنـزيل.. من هنا يجب ان يقرأ القرآن علميا بما فيها و اساسا قرائته تاريخيا أي نسبيا و ليس اطلاقيا. على الاقـل النسبية فيما ذكر و الاطلاقية في النزعة العامة التي لا تخـرج عن مطلب الحقيقة و الخير و الجمال مثـلما ذهبت الى بلوغه الذهنية اليونانية عبر العـقل و الفـلسفة.
إن التـفكير المنطقي لا يمكن له أبدا أن يغـفل الفارق الهائل بين عربي الصحراء في مكة و المدينة و الطائف و غيرهم في القرن السادس ميلادي و بين عرب اليوم. بل ان اولئك الصحراويـين حين استـقروا فيما بعـد في ارض السواد و الشام و مصر و تونس تمدن اغـلبهم و تـطبع بالمدنية. اما الانـدلس فـقـد كانت اعـظم قـفـزة حضارية مدينية من البداوة الى ذرى المدنية و التحضر و الانجاز الثـقافي المزدهر. فالبدوي مادة خام نقية يمكن لها بسرعة ان تـتـطبع بالحضارة. أما تـنـقـلب الحضارة الى البداوة فـذاك انحطاط الى التـوحـش.
العصر غير العصر فما كان مقبولا من عقوبات جسدية غدا اليوم غير مقبول. حين كان عـدد الزوجات غير محدد في الجاهلية حُدد في القرآن بأربع مع التـنويه بعـدم قـدرة الرجل على العـدل بـينهن، و لكن اليوم تعـدد الزوجات غير مقبول بـرمته. و يجدر بنا كـذلك ان نـقـف عند طلب القرآن العـدل مع المرأة. المرأة التي اعتبرت في الثـقافة الاسلامية الذكورية شيطانا. فهل يطلب الله العـدل مع الشيطان؟
سمح القرآن بامتلاك الجواري و العبيد مثـلما شجع على تحريرهم و لكنه أمر غير مقبول بالمرة اليوم. كانت المرأة لا ترث في الجاهلية و في الإسلام أصبح للذكر مثل حظ الأنـثيـين لكن هل يعني ذلك ان الرب يرفض المساواة في الميراث بين المرأة و الرجل اذا امكن ذلك اليوم؟ هناك نزعة إنسانية تحررية في القرآن عبر عنها نسبيا و هذا ما يجب أن نأخذ به في تـفكيرنا بشكل عام .
الله هو الحق, هو الجميل, هو الخير. إذا, العقل الإنساني الذي يتعـشق الخير و الحق و الجمال إنما يتعـشق ربه.” إنا نـفـخـنا فيه من روحنا”. الله فينا, في أعماق الكـون الإنساني مثـلما هو في أعماق الكون برمته. إن ما نهـفو إليه من حق و خير و جمال هو تـطلع إلى الله. إن شرط عمل العقل هو الحرية, ابحث عن الحقيقة بحرية تامة, أبحر في البحث عن الجمال و تعـشـقـه, تصيد ما هو خير في كل زمان و مكان.. انك بذلك تـلتـقي رب الوجود فـينعم عليك بالغبطة الناشئـة عن وقــدة الاتحاد بروحك التي هي روح الله..
إني حين سبحت للعـقل الاوربي الذي صنع الطائرة و غيرها إنما سبحت للعقل الإنساني – الذي ساهم العربي في تـقـدمه ذات يوم عربي حضاري إنساني – الذي يعبر عن شغف الإنسانية إلى الحقيقة و الخير و الجمال..إلى الله سبحانه الواحد الأحـد... اليست غاية القرآن هداية البشر الى نور الله في الكون و في القلب البشري؟ فما بال الاسلام التـقـليدي و الاسلامويات تعمل بجهد جهيد على حجب نور الله في الوجود؟
ترحل الطائرة في السماء, كأن روحي تهـفهف في السماء بحـرية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #شاهد بعد تدمير الاحتلال مساجد غزة.. طفل يرفع الأذان من شرفة


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تفاجئ الاحتلال بعمل




.. لبنان: نازحون مسيحيون من القرى الجنوبية يأملون بالعودة سريعا


.. 124-Al-Aanaam




.. المقاومة الإسلامية في العراق: إطلاق طيران مسير باتجاه شمال ا