الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دفاع عن كتب العهد القديم (1)

سامي المصري

2015 / 8 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أعرف تماما أين أقف عندما أتجاسر اليوم لأقوم بالدفاع عن كتب العهد القديم في منطقتنا العربية خصوصا في مصر بعد كل ما يتعرض له هذا الكتاب من هجوم وتشويه لمدة قاربت من نصف قرن. أعلم أني أقف في موقع السد العالي لأصد تيارا أقوى من نهر النيل لأحجز تدفقه بصدري العاري. لكني أعرف أيضا أنه ينتج عن ذلك طاقة معرفية هائلة كنتاج السد العالي!!! لست أغامر بهذا العمل من موقع ديني، وليس دفاعي عن الكتاب من منطلق يقوم على أي أساس لاهوتي بأي شكل، لكني أرى نفسي واقفا في القرن الثالث قبل الميلاد وبجواري مسئول مكتبة الإسكندرية التاريخية الذي قرر أن يختار كتاب العهد القديم العبري بأقسامه الـ 39 ليقوم بترجمته إلى اللغة اليونانية حتى يضعه في المكتبة التي حوت كل كنوز المعرفة من أغنى كتب التراث العالمي. أقف بجوار أمين مكتبة بطليموس فيلاديلفوس التاريخية لأحتمي بمنطقه في تقديره لأهمية كتاب العهد القديم الذي اختاره ليضمه مع باقة من أعظم كتب التراث الإنساني، بل أحتمي بالملك بطليموس الثاني نفسه الذي أصر أن يشرف شخصيا على ترجمة هذا الكتاب، فأحضر 72 شيخا من علماء اليهود الضليعين في اللغتين العبرية واليونانية ليقوموا بترجمة كتابا كان يهمه جدا.

الكشوف الأركيولوجية الحديثة لكتب التراث القديم لمنطقة الشرق الأدنى، كشفت عن كتب الأديان القديمة السومرية والبابلية والأشورية والحثية والكنعانية والأفريقية والمصرية القديمة، وحتى ديانات الهنود الحمر بالقارة الأمريكية. وتم دراستها دراسة علمية مدققة جدا ومقارنتها معا في محاولة لدراسة الإنسان وأصل المعرفة. كان لكل ذلك آثارا غاية في الأهمية لفهم الكتاب المقدس ومعرفة أصوله وتوضيح أبعاد ما يعرضه من فكر ساهم بشكل عملي بقوة في تحضر الإنسان. لقد ساهمت معاهد دراسة الكتاب المقدس في العالم بالنصيب الأوفر في الكشف عن كتب التراث القديم وترجمتها من لغاتها الأصلية، وتقديم الدراسات العلمية عنها. لم يكن لذلك العمل العلمي الكبير أثرا على الكتاب المقدس سوى إبراز ثراء قيمته الحضارية على الإنسانية. لقد ظهرت آلاف الكتب العلمية الغنية بكل اللغات عن الديانات القديمة، ولم يكن لتلك سوى إظهار وتأكيدا للأثر الإيجابي في فهم كتاب العهد القديم العبراني وأثره الحضاري على الإنسانية، عدا قليل من أصوات نشاز لقلة من الملحدين.

أما في المنطقة العربية خصوصا في مصر فإن ترجمات أساطير الشرق القديمة كانت فرصة للكل ليدلي بدلوه في ما لا يفهم، لتلوين الصورة بلون عنصري متعصب فاقع، مغلف بالجهل دون محاولة للدراسة العلمية الموضوعية الجادة. ومن الغريب أن البعض ممن ترجموا الكتب الجادة إلى العربية قدم لكتابه بما يدل على أنه لم يفهم ما قام بترجمته بسبب تعصبه وتحامله الشديد الذي عوقه عن الفهم، إذ كان جل هدفه هو الهجوم على كتاب العهد القديم بلا دراية، لما يحمله من مشاعر عنصرية مسبقة شوهت الحقيقة. لقد ساهمت كتب كثيرة ظهرت في الربع الأخير من القرن العشرين بعمل غمامة مظلمة في سماء الثقافة المصرية بهدف تشويه سمعة كتاب العهد القديم بما أثارته من عواصف عاتية غاشة للحقيقة. لذلك وجدت أنه من الضروري أن أقوم بمغامرتي الصعبة هذه حتى أظهر الحقيقة المغيِّبة للقيمة الحضارية وأثر كتاب العهد القديم على تراث الإنسانية.

أول مشكلة تعتبر السبب الرئيسي في عدم إمكان فهم الكتاب المقدس في منطقتنا العربية بالذات هو التعامل مع الكتاب باعتبار اللوح المحفوظ والنص المنزل من عند الله، بينما الكتاب المقدس بعهديه لم يزعم ذلك ولا يمكن التعامل معه أو فهمه اعتمادا على أنه نصا منزلا. الكتاب المقدس هو مجموعة من الكتب من تأليف بشر بلغ عدد كتابه لحوالي 50 كاتب. كل الكتب كتبت في ظروف متباينة جدا على مدى ما يزيد من 1500 عام، حوت كل صور الكتابة من شعر ونثر وتاريخ وتعليم وحكمة وأمثال. كل كاتب كان يكتب بكل حرية حسب قدراته الشخصية وثقافته وأسلوبه في الكتابة دون أي إملاء من قوى عليا تفرض عليه نصا منزلا. النص في الكتاب المقدس بعهديه هو تأليف بشري ينقل خبرة شخصية للكاتب عن الله وإرادته نحو الإنسان. كل كتاب من كتب العهد القديم كتب في ظروف مختلفة بلغة بشرية موجه لبشر مختلفي الثقافة والبيئة ليلائم ظروفهم ومستواهم المعرفي والحضاري. التعامل مع الكتاب المقدس باعتباره كتابا منزلا بنصه لا بد وأن يحدث تصادما شديدا مع المفهوم الكتابي نفسه. لذلك أرددت التوضيح قبل أن أبدأ الحديث.

كتاب العهد القديم يحوي 39 كتابا ويمكن تقليص هذا العدد بنفس نصوصه إلى 24 كتابا فقط حيث كانت بعض المخطوطات والأدراج القديمة تضم مجموعة من الكتب معا لتشكل كتابا واحدا. فمثلا الخمسة كتب الأولى المنسوبة لموسى النبي اعتبرت في بعض المخطوطات القديمة كتابا واحدا يسمى التوراة، أي كتاب الشريعة. فالكاتب الذي يريد تشويه الحقيقة سواء عن علم أو جهل مدعيا أن العهد القديم غير محدد حتى أن عدد كتبه غير متفق عليها، فذلك جهل واضح أو تجاهل فاضح لحقيقة كتاب موجود ومجمع ومترجم للغات متعددة ومنتشر في كل الأرض، منذ ما يقرب من 2300 عام مضت! وتم ترجمته إلى مئات اللغات كما لم يحدث لكتاب آخر في التاريخ كله.

موضوع الحديث في كل كتب العهد القديم موضوع محدد هو عن الله والإنسان. فالكتاب هو كتاب متخصص لا يتعدى هدفه. فلا يزعم أنه مصدرا للمعرفة في غير تخصصه. إنه ليس مرجعا علميا أو تاريخيا، وليس هو كتاب في علم الاجتماع أو علم النفس، لكنه كتاب الإنسان. وإذا كان يتعرض لبعض العلم أو التاريخ بشكل عرضي فذلك حتى يصل لمقصده، فيقدم ذلك بحسب المستوى والفهم العلمي في وقت كتابة كل كتاب. ويقدم ذلك لا كمصدر علمي بل يقدمه عرضا حتى يتخطاه ليصل إلى هدفه الأساسي.

من العجيب أن نرى أن كل الديانات القديمة قدمت رؤية خرافية عن الكون وشكله وتكوينه وضعت فيه تصورات غاية في الغرابة عن الآلهة التي تسيطر وتتحكم فيه. من الغريب أن كل تلك الأعداد الهائلة من الآلهة التي نسجها الخيال في الشرق والغرب كانت كلها آلهة شريرة دموية تمارس أسوء صور الفساد والجرائم من قتل وزنى وخديعة وغش واغتصاب لأنثى الإلهة، حتى أن الابن يغتصب أمه الإلهة، مما ينتج عنه حمل شرير أو غير شرير.

كانت تلك الآلهة تصنع الإنسان لتذله وتسخره في خدمة الآلهة من أجل راحتها دون أي اعتبار لحقه في الحياة حيث كان محكوم على الإنسان الخادم بالموت الحتمي بينما الآلهة خالدة. كانت الآلهة تستبيح دم الإنسان وتتلذذ بإذلاله وتعذيبه في أنانية مفرطة. وقد صور عالم الخرافة القديم الآلهة في كل قوى الطبيعة، السماء والأرض والهواء والرياح كلها آلهة. الماء المالح إله شرير يمثل فوضى الوجود والماء العذب الإله الذي ينظم الكون. أما الشمس والقمر والنجوم فهي آلهة، كل الآلهة تتبادل الأنوثة والذكورة، مع عبادة فاسدة مستبيحة مستهترة تقوم على أساس جنسي مبتذل، يذل المرأة في المعابد ويضعها كأداة قذرة لمتعة الرجل. لم تحاول كل تلك الأديان الكثيرة أن تعطي أي مفهوم واضح لفكرة الخلق العام، بل لم يكن هناك أي اعتبار لأن خلقا قد حدث، فالوجود موجود في ذاته بلا بداية، وجود فوضوى أناني يقوم على الفساد والشر والجريمة. كانت متعة الآلهة في تقديم الذبائح البشرية ورؤيتها للإنسان وهو يعذب بالذبح والحرق بالنيران لتستمتع برائحة شوائه.

إن كل تلك القسوة الشديدة التي ظهرت في الأديان أصبغت على الحياة الإنسانية حياة تعسة جدا اقرب إلى الجحيم. وتميز الحاكم بالقسوة المفرطة جدا على شعبه يسوقهم لتحقيق مظاهر العظمة لشخصه المتأله قد تؤول لإنتاج حضاري مجنون. أغلب الملوك اعتُبِروا آلهة فصاغوا حولهم الخرافات روجها لهم كهنة مرتشين أفسدوا حياة الشعوب، ليقيموا سلطانهم ونفوذهم المخيف على شعب مرهق بالذل والاستعباد. والأخطر جدا عندما يجمع الملك حوله جيشا، ويشعر بالقوة، فيقوم بالسطو المسلح على شعوب الأرض المحيطة ليغتصب ثرواتهم ويبيدهم! وكم من شعوب أبيدت ومن ينجو يؤخذ للسبي فيسوقوه من وطنه لبلادهم البعيدة كالأنعام. ومن هو ضعيف فليمت في الطريق غير مأسوف عليه، ومن يصل فهو القوي الذي يتعرض لصور بشعة من المذلة ويستعبد ليحقق أقصى فائدة منه، وقد سجل التاريخ ما هو مروع جدا. وصار الإنسان هو المصدر الرئيسي للشرور والفساد والجريمة في وسط عالم منضبط جدا بقوانين طبيعية غاية في الدقة لا يشوبها أي خلل. حتى الحيوانات كانت أكثر تعففا ونبلا من الإنسان الذي تورط في حمأة الشر والفساد الذي كان غريبا عن كل ما حوله من جمال فائق. كل ذلك والأديان هي المصدر الرئيسي لجميع الشرور.

الديانات المصرية القديمة كانت أفضل بكثير من كل ديانات العالم، وقامت على أساس من المبادئ والقيم. عقيدة الحساب والعقاب والحياة بعد الموت تعتبر تقدما حضاريا هائلا في تاريخ الإنسانية رجح فكرة الرحمة حتى بالحيوان والنبات وأعطاها بعدا دينيا مغايرا يتميز بالنبل وحب الخير. ولعل أهم أسباب ذلك هو المنطق العلمي الذي ساد الحضارة المصرية وظهور جامعة أون والمدارس التي كانت ملحقة بالمعابد مما حقق التقدم المعرفي المبهر الهائل في مجالات كثيرة من فلك ورياضة وطب وكيمياء وعمارة وفنون، ما زالت حتى اليوم تبهر العالم. كل ذلك كان مقترنا بفكرة الرحمة والعدل والأمانة التي كانت تفتقدها كل شعوب الأرض. ورغم ذلك ظلت الديانات المصرية مقترنة بالخرافة وتأليه كل مظاهر الطبيعة، السماء والأرض والرياح والمياه، كلها آلهة. ولم تستطع الأديان المصرية أن تتحرر من تقديم الذبائح البشرية لآلهتها خصوصا للنيل.

قصة الخلق الأشهر في هذا العالم الخرافي المجنون جاءت من قصيدة "الأينوما إيليش "Enuma Elish" أشهر أساطير الخلق البابلية التي ظهرت في منتصف الألفية الثانية قبل الميلاد. وهي تحكي قصة الخليقة حيث يزعمون أن سفر التكوين سرق قصة الخلق من تلك الملحمة . ولذلك أضع أمام القارئ قصة الخلق في ملحمة "الأينوما إيليش" عن كتاب مغامرة العقل الأولى - فراس السواح.
بعد صراع طويل رهيب مليء بكل صور المفاسد بين الآلهة ختم بأن تعين الإله مردوخ كبيرا للآلهة.

[ثم أتوا بثوب فوضعوه في وسطهم .. وقالوا لبكرهم مردوخ .. سلطانك أيها الرب هو الأقوى بين الآلهة ليفن الثوب بكلمة من فمك .. وليرجع سيرته الأولى بكلمة أخرى .. فأمر بإفناء الثوب، فزال .. ثم أمر به فعاد ثانية كما كان .. فلما رأى آباؤه الآلهة، قوة كلمته (الخالقة) ابتهجوا وأعطوه ولائهم: مردوخ ملكًا .. منحوه الصولجان والعرش والرداء الملكي .. وأعطوه سلاحًا ماضيًا يقضى على الأعداء قائلين .. أمض وأسلب تعامة الحياة ( تعامة أو تيامات هي الإلهة الشريرة التي تمثل الماء المالح) .. ولتحمل الريح دماءها للأماكن القصية .. واستعد مردوخ للمعركة .. فعلق على جنبه القوس والجعبة ملأها بالسهام المسنونة .. كما حمل البرق أمامه .. وكسا جسده بشعل ملتهبة .. وصنع شبكة ليوقع بها تيامات .. وجمع الرياح الأربع ليتصدى لها .. كما صنع ريحًا خبيثًا وعواصف دوامية .. وركب العربة المرعبة والزوبعة التي لا تقاوم .. واحتدمت المعركة الرهيبة .. فوضع مردوخ سلاحه الرهيب فيضان المطر ..
ولتعامة (تيامات) الهائجة توجه قائلًا .. كفى ما رأينا من عجرفتك وتكبرك .. لقد شحنت البغضاء قلبك فحرضت على القتال .. وأوقعت بين الآباء والأبناء .. فنسيت حب من أنجبت ..
أعليت كينغو وجعلتيه زوجًا لك .. وأعطيته منزله آنو، دون حق. لتتقدمي إلىَّ وحيدة في معركة ثنائية .. فلما سمعت تعامة (تيامات) منه ذلك القول .. انتابها السعار وضاع منها الرشد .. في اهتياج أطلقت صراخها عاليًا .. وحتى الأعماق انتفضت ساقاها معًا .. تلت تعويذة ووجهتها مرارًا وتكرارًا (ضد مردوخ) .. بينما آلهة المعركة تشحذ أسلحتها .. ثم تقدما من بعضهما .. تعامة ومردوخ أحكم الآلهة .. اشتبكا في قتال فردى والتحما في عراك (مميت) ..
نشر الرب (مردوخ) شبكتة واحتواها في داخلها .. وفي وجهها أفلت الرياح الشيطانية التي تهب وراءه .. وعندما فتحت فمها لابتلاعه .. دفع في فمها الرياح الشيطانية، فلم تقدر لها إطباقًا .. وامتلأ جوفها بالرياح الصاخبة .. قبضتها منتفخ، وفمها فاغر على اتساعه .. ثم أطلق الرب من سهامه واحدًا فمزق أعماقها... تغلغل في الحشا وشطر منها القلب... فلما تهاوت أمامه أجهز على حياتها... طرح جثتها أرضًا واعتلى عليها ..
وحاول أتباع تيامات الهرب "وما من سبيل .. فهم محاصرون من كل جانب .. ضيق عليهم (مردوخ) وحطم أسلحتهم .. في شبكته وقعوا وفي الشرك استقروا .. تكأكأوا في الزوايا وعلا نحيبهم .. فصب عليهم جام غضبه وهم محتبسون .. أما المخلوقات الإحدى عشرة التي خلقتها وألبستها الجلالة .. وحشد العفاريت التي مشت إلى جانبها .. فقد رماها جميعًا في الأصفاد، وربط أيديهم بعضهم ببعض .. وداسهم بقدميه، رغم كل مقاومة. أما كينغو الذي وضع رئيسًا عليهم، فقد كبله وأسلمه إلى إله الموت (سجينًا) .. جرده من ألواح الأقدار التي حازها دون حق .. فمهرها بخاتمه وزين بها صدره ..
ثم عاد مردوخ إلى تيامات .. فصنع الكون من جسد هذه الإلهة الأم المندحرة .. حيث شق جسدها نصفين .. رفع النصف الأعلى .. فكانت السماء .. وبسط النصف الأسفل فكانت الأرض .. ثم عاد إلى تعامة (تيامات) المقهورة .. وقف على جزئها الخلفي .. وبهراوته العتية فصل رأسها .. شقها نصفين فانفتحت كما الصدفة.. رفع نصفها الأول وشكل منها السماء سقفًا!!! وصنع تحته العوارض وأقام الحراس .. أمرهم بحراسة مواتها فلا يتسرب.]
إنها الملحمة التي يعتبرونها المصدر الذي اقتبس منه سفر التكوين العبري فكره !!!!!

أما سفر التكوين العبري فيختصر كل هذه القصة العجيبة في عبارة واحدة فقط إذ يقول
في البدء خلق الله السماوات والأرض (تكوين 1:1).

ماذا فعل سفر التكوين بعبارته المختصرة جدا هذه؟

أولا: إنه أسقط جميع الآلهة المعروفة في كل العالم شرقا وغربا أرضا وألغى وجودها تماما مع كل شرورها ومفاسدها التي بلغت لأقصى صور التدني والهوس.

ثانيا: إنه أعلن عن الله ألوهيم (بالجمع) Almighty God لأول مرة في التاريخ هذا الإله الذي لا شريك له ولا أحد يصارعه أو يقيمه لكنه الخالق الأوحد الموجود بذاته وأصل الوجود الذي يقيم كل شيء ولا يدنوا منه إله. ثم يكشف عن ماهيته ووجوده المقدس على مدى الكتاب المقدس كله. وسنتكلم بالتفصيل عمن هو هذا الإله في مقالات آتية بحسب المفهوم التوراتي .

ثالثا: هذ العبارة الأولى وضعت الخليقة كلها في موقعها الطبيعي حيث خلصتها من الخرافة كخليقة تحت سلطان الإنسان العلمي ليدرسها ويفهم ماهيتها، فهي ليست آلهة. الأرض والسماء والبحار والمحيطات والهواء والرياح والماء المالح والعذب كلها خليقة الله وموضوع يخضع لفكر الإنسان وإدراكه العلمي.

رابعا: ليس هناك كتاب آخر سابق عليه أو لاحق بعده استطاع أن يقوم بهذا العمل الحضاري الجبار الذي حرر الإنسان من كل تلك الآلهة الخرافية المجنونة التي تذل الإنسان لأبشع مدى وتضعهم تحت سلطان ملوك وكهنة يفسدون الحياة الإنسانية بصورة شنيعة.

خامسا: هذا الكتاب لا يمكن أن يكون نتاجا لسبي اليهود في بابل بأي شكل بينما الفكر البابلي قد بلغ لهذه الدرجة من الخرافة المذرية التي أفسدت حياة البشر كما هو واضح من النص أعلاه.

سادسا: إن مفهوم الخلق كما جاء في التوراة لا يدانيه علميا أي فكر آخر على الأرض سوى الفكر المصري القديم والذي ظهر في مدارس ومعاهد مصر القديمة مثل جامعة أون حيث بلغت المعرفة إلى مستوى مرتفع جدا. وهذا واحد من الأدلة الكثيرة المهمة التي تربط العهد القديم بمصر ومعاهدها وعلمها وليس ببابل كما جاء بالكتاب نفسه ولا يوجد أي مبرر علمي لعدم تصديقه.

سابعا: أن هناك خلقا، وأن هناك بدءً للوجود كله، حدث في الزمن الأمر الذي يعتبر فكرا مصريا مميزا أصيلا. أفلاطون هو أول من نادى بهذه الفلسفة في الغرب بعد أن تلقى تعليمه في مصر حيث قضى 11 عاما في المعاهد المصرية وحضر إليها ثلاث مرات ليتزود بالمعرفة من مصر.
ثم ظهر أرسطو يناقض فكر أفلاطون ليعود للفكر الوثني القديم الذي يعتبر الوجود قائما في ذاته منذ البدء. بين فكر أفلاطون وأرسطو ظل العالم كله يتردد حتى اليوم. فنجد الأفلاطونية تخرج من مصر مرة ثانية في القرن الثالث بعد الميلاد عن طريق الفيلسوف المصري الصعيدي أفلوطين لتغزو روما حيث أقام تلميذ الإسكندرية أفلوطين مدرسته الشهيرة بروما.
أما في العصر الحديث فظهر أينشتاين بنظرية النسيبة التي تعتبر أرستطلية حيث الوجود كله نسبي وقائم وقار بلا بداية أو نهاية. ثم يقوم العالم البلجيكي العملاق Georges Lemaître ليعلن نظرية Big Bang theory ليؤكد أن الوجود له بداية حيث قدر عمر الكون بـ 13 بليون سنة وبذلك يعود العالم للفكر الافلاطوني المصري الأصيل وهو الفكر الذي ظهر في أول عبارة من العهد القديم .

لكل ذلك أرى الأسباب القوية التي دفعت بطليموس الثاني ليختار التوراة ثم كتب العهد القديم ليترجمها لليونانية حتى يضعها بين أهم كتب التراث العالمي بمكتبة الإسكندرية.

ملاحظات هامة
بهذا المقال بدأت الحديث الذي لم يناقش سوى الآية الأولى من سفر التكوين وفي حدود هذه الآية فقط الحوار مسموح. وللحديث بقية طويلة في مقالات قادمة
أي حوار سيخرج عن المنطق العلمي الموضوعي سيكون مرفوضا
أي حوار سيحمل الفكر العنصري المتعصب سواء كان لدافع ديني أو إلحادي سيكون مرفوضا
مع كل التقدير للمحاور المثقف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بحث غاية في الاهمية
nasha ( 2015 / 8 / 12 - 01:42 )
حان وقت وضع النقاط على الحروف .
بحثك هذا مهم جداً لان المجتمعات في الشرق الاوسط (خاصة) تتخبط ولم تعد تميز الاتجاهات وضاع المنطق وسادت المتناقضات اللامنطقية.
العواطف الدينية التي روج لها الجهلة والمتنطعون ابطلت اعمال العقل تماماً وأدخلت مجتمعاتنا بدوامة الحروب الاهلية وما نحتاجه وبأمس الحاجة اليه هو العقل والمنطق والتفكير العلمي بعيداً عن العاطفة القومية والدينية وحتى الجغرافية.
ارجو ان يكون بحثك وتحليلك عقلاني فلسفي تأريخي محايد خالي من كل اشكال الميتافيزيقيا الخرافية .
بدأت بداية موفقة ونرجو ان تستمر على هذا النسق.
تحياتي


2 - رد على بحث في غاية الأهمية
سامي المصري ( 2015 / 8 / 12 - 09:29 )
أشكرك عزيزي لمرورك وتعليقك الثري
صحيح العواطف الدينية أبطلت إعمال العقل بشكل مذري في هذه الأيام لكن الأعجب منهم بعض الملحدين في منطقتنا العربية... إنهم يهاجون مدعيين الممعرفة ويرفضون إعمال العقل والحديث المنطقي... فهم يفرضون رأيهم دون منطق ... الحوار الحر في منطقتنا أصبح صعب جدا فكل واحد يريد أن يفرض رأيه تحت اسم الحوار وهذا يشوه الحقائق فلا نصل لنتيجة منطقية ؛
مرة أخري أشكرك مع كل المحبة والتقدير؛


3 - كله عند العرب صابون
nasha ( 2015 / 8 / 12 - 10:40 )
استاذ سامي هذه اول مرة اقرأ مقال لحضرتك ولكن من خلال المقال وكما يقال قرأت مابين سطوره وفهمت انك مخلص وجاد في بحثك هذا.

انا اتابع الحراك الثقافي المصري بالرغم من انني لست مصرياً ولست متخصصاً في الشأن الادبي .
مع الاسف معظم الملحدين مؤدلجين ايظاً ومن كلا الديانتين .والملحدين من الاصل المسيحي اكثر مغالاة من الاخرين في احتقار النصوص القديمة نفاقاً لاظهار الاخلاص للفكر الالحادي امام اقرانهم من ذوي الاصل المسلم.
انا لا يهمني تقديس النص أبداً ما يهمني اعطائه حقه ونقده بحيادية وتجرد وبدون تزمت.
بالتأكيد الذين كتبوا النصوص الدينية كانوا ادباء ومفكرين وفلاسفة ولولاهم لما وصل العقل البشري من العلم والمعرفة لما وصل اليه اليوم.
الفلاسفة والمفكرون موجودون وبدأوا منذ بداية التحضر البشري ولا زالو مستمرين الى اليوم. انها سلسلة مستمرة دون انقطاع ، وعليه ليس من حق كائن من كان ان ينكر جهودهم وما قدموه للانسانية والحضارة.
والاهم من كل هذا هو الاعتماد على المنطق العلمي والبحث العقلاني اللاعاطفي الموثق.
تحياتي مرة اخرى وأتمنى لك كل التوفيق


4 - رد على كله عند العرب صابون
سامي المصري ( 2015 / 8 / 12 - 14:20 )
الأخ العزيز nasha
سعدت جدا بتشريفك لموقعي وتعليقك العقلاني المتزن جدا... أتفق معك في كل ما قلت -فالمهم هو أن نعطي النص حقه بحيادية وتجرد وبدون تزمت-... أرى أننا متفاهمين تماما فمشكلة العصر في التعصب ورفض استخدام العقل سواء من المتدينين من كل الأديان أو الملحدين؛
تشرفت بك كصديق جديد وكأخ حميم وأعتذر لعدم النطق باسمك ...؛
وإلى لقاء مرات أخرى، مع كل التقدير والتحية لحضرتك ؛

اخر الافلام

.. تأثير مقتل رئيسي على المشهد السياسي في إيران| المسائية


.. محاكمة غيابية بفرنسا لمسؤولين بالنظام السوري بتهمة ارتكاب جر




.. الخطوط السعودية تعلن عن شراء 105 طائرات من إيرباص في أكبر -ص


.. مقتل 7 فلسطينيين في عملية للجيش الإسرائيلي بجنين| #الظهيرة




.. واشنطن: عدد من الدول والجهات قدمت عشرات الأطنان من المساعدات