الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا بد من الثورة الثقافية في تركيا

مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)

2005 / 10 / 16
القضية الكردية


لا شك في أنّ كلّ كردي عاين عن قرب الممارسات التركية المنافية لحقوق الإنسان والديمقراطية سيشدُّ على يد الرئيس الفرنسي جاك شيراك في دعوته إلى ضرورة قيام الأتراك بثورة ثقافية ليكونوا جديرين بدخول الفضاء الأوروبي المنفتح والديمقراطي .
أيما كردي يفكر كردياً وانطلاقاً من مصالح القومية الكردية المهدورة الدم في كردستان الشمالية , والتي كانت مهددة بالانقراض أسوة بالأرمن والسريان حتى الأمس القريب سيصفق ولا شك للرئيس شيراك, فالذي يُفهم من مقولة الثورة الثقافية ليس التخلي عن الإسلام والخصوصية الثقافية للشعب التركي والشعوب الأخرى الموزعة على خارطة آسيا الصغرى . إنّ الخصوصيات المحلية والتعددية الثقافية في أيما مجتمع أو دولة تشكل في المحصلة إغناءً لثقافة ذلكم المجتمع أو تلكم الدولة , ويستفاد من التجربة الفرنسية في إطار الفرانكفونية هذا الانفتاح واسع النطاق على المكونات الثقافية الأخرى والحوامل الثقافية الأخرى التي تغني الثقافة الفرنسية ولا سيما لغتها المهددة بانتشار الإنكليزية .
قطعاً ليس شيراك من دعاة الاستئصال أو الإلغاء أو تهميش الثقافات الأخرى التي تضفي على الحضارة الإنسانية والثقافة العالمية رونقاً وغنى معرفياً لا يمكن تجاهله .
ما يريده شيراك لتركيا يريده الكثيرون غيره لتركيا . بمعنى أن الثورة الثقافية التي أشار إليها تُفهم في إطار سياسي وليس في إطار ثقافي واجتماعي كما فهم أردوغان ودشن بها حملة شعواء على الرئيس الفرنسي .
منذ سنوات والنظام التركي يقارب المسائل الداخلية العالقة بمزيج من عقلية الميت ( الاستخبارات التركية ) والذهنية الانكشارية لجنرالاتها عبر تلويحهم الدائم بورقة التدخل العسكري وحدث هذا بالفعل في قبرص 1974 وحدث هذا في كردستان الجنوبية مراراً ولم يتوانوا عن الاستعداد العسكري لاجتياح سوريا في 1958 و 1998وكذلك أرمينيا في التسعينيات إبان الصراع الأذربيجاني والأرمني حول كاراباخ .
ربما كان النظام التركي المتباهي بالديمقراطية ( لا شك أنها ديمقراطية مشوهة وممسوخة ) مخفوراً في عقده العسكرية تلك بمناخات الحرب الباردة , ولكن العالم تغير رأساً على عقب , وتركيا مدعوة إلى الابتعاد عن أوهام التاريخ العثماني والدخول في حقبة إصلاحات حقيقية يفرضها منطق العصر ومنطق النظام العالمي الجديد وبمقارنة سريعة بين تركيا الحديثة والدولة العثمانية السلف الصالح نلحظ أن السلطنة العثمانية على علاتها كانت مقدامة وجريئة فيما يتعلق بالإصلاحات في مفارق الدولة أكثر بكثير من الجمهورية الحديثة الخلف الطالح , ولعل الجميع يدرك معنى القيام بإصلاحات همايون وخط الكلخانة الشريف في دولة يشار إليها الآن في الدراسات التاريخية والأدبيات السياسية على أنها الرجل المريض .
بنيت تركيا الحديثة على عقلية اجتثاث واستئصال الزوائد القومية الأخرى ( أرمن – كرد – آشوريين ...إلخ ) والاعتقالات الجماعية وحملات التهجير وتغيير التركيبة الديمغرافية والمحاكمات الارتجالية وإعمال يد الحكام العسكريين للمقاطعات في نفض الخارطة التركية المزعومة من كل فكر مختلف وكل قومية لا تقر بتركيتها وانتماءها إلى آسيا الوسطى وإلى الطوطم التركي تحديداً .
طيلة عقود والساسة الأتراك في تحالفهم السري والمعلن مع الجنرالات والمافيات يمرغون القانون والديمقراطية في الوحل الطوراني , فتساوي الحاكم والمحكوم أمام سيادة القانون من تجليات العقلانية في الفكر السياسي وستؤدي علائقية الديمقراطية والعقلانية وفكرة حاكمية القانون إلى انبثاق الدولة من المجتمع وليس العكس , وتكشف التجارب التنويرية في عالمنا لا سيما في الديمقراطيات الغربية أن ثمة توفيقاً بين العقل المبدأ الناظم للعالم والقانون المبدأ الناظم للمجتمعات , والقانون في المحصلة هو النويّة الخصب لوحدة الدولة ( لا السلطة ) والمجتمع .
وتكشف تجربة الجمهورية التركية بما لا يدع مجالاً للشك سيادة ثقافة الرعب والعنف والإقصاء التي لا تترك مجالاً للقانون لكي يتسيد فيتحول المجتمع إلى حالة قطيع بحاجة إلى الجنرالات / الرعاة وما أكثرهم في تركيا .
في تركيا تغيب الدولة وتحضر السلطة , ويغيب المجتمع أو يغيّب لصالح فئات صغيرة من المنتفعين والملاكين الكبار والمافيات والجنرالات الذين لا تخدمهم الديمقراطية في شيء بل على العكس تقضّ من مضاجعهم وتقضي على امتيازاتهم ومكتسباتهم .
لا بد لتركيا من إدراك أن سياستها التي كانت باتجاه واحد هو الغرب ومنذ تأسيس الجمهورية 1923تبوء بالفشل , فالأوربيون والغربيون لا يهمهم بتاتاً هذا الارتماء التركي المنافق في أحضانهم , ولا ريب في أن ساسة تركيا / صُنّاع القرار فيها يدركون بما لا يدع مجالاً للشك أن مكانة تركيا الدولية المرتقبة لا يمكن لها التبلور إلا إذا تقدمت تركيا على طريق الإصلاح السياسي والثقافي بما يمثله من تعزيز للحريات الذي من شأنه تصفير كل المشاكل الداخلية المزمنة وأبرزها القضية الكردية .
إن تركيا من أكثر دول الشرق الأوسط حديثاً في الديمقراطية والعلمانية والحريات , لكن الواقع يثبت أن طريقة تعامل العقل التركي مع تلكم الملفات لم تتغير , فالديمقراطية مستباحة والجيش يروض طبقة السياسيين الفاسدة والمخابرات التركية تصادر حقوق الإنسان وتنتعل الحريات .
مشروع الثورة الثقافية الذي يريده شيراك لتركيا دعوة للقيام بالمزيد من الأوربة السياسية والاقتصادية الذي سينعكس على مجالات أخرى , فلكي تصبح تركيا أوربية وعاصمتها أوربية لا بد لها من ثورة ثقافية ضد الإرث السلجوقي / العثماني / الطوراني للدخول إلى المنتدى الأوروبي الذي ستبقى تركيا فيه وإلى أمد طويل مجرد تلميذٍ غير نجيب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي ينشر صورا جديدة للحظة استعادة الأسرى من غزة


.. حكم تاريخي في إسبانيا.. السجن لـ3 متهمين بالعنصرية ضد فينيسي




.. فياض للحرة: سوريا ترى أن تعاطي اللبنانيين في ملف اللاجئين ال


.. وزير المالية الإسرائيلي: إسرائيل لن تنتحر للإفراج عن الأسرى.




.. مراسل العربية: قصف إسرائيلي يستهدف النازحين في المواصي ونسف