الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يمكن قيام ثورة دينية إسلاموية

ياسين المصري

2015 / 8 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الثورة بالمصطلح السّياسي تعني الخروج باندفاعٍ يحرّكه عدم الرِّضا أو الغضب عن وضع سيّء يعاني منه الغالبية العظمى من المواطنين إلى وضع أفضل يتوقون إلى تحقيقه. ولكن هذا الاندفاع قد يصاحبه سوء التقدير أوسوء التدبير أو الجهل، فيؤدي إلى وضع أسوأ من الوضع القائم، أو يحدث ذلك كنتيجة لما يُعرف بـ" الثورة المضادة " التي يقوم بها المستفيدون من الوضع القديم في محاولة إرجاعه إلى سابق عهده.

وقد اكتسبت الثّورة تعريفات معجميّة تمت صياغتها مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الشعبيّة الفرنسيّة عام 1789 والتي استمرت عشر سنوات، قام خلالها الشعب بقيادة النّخب وطلائع المثقفين بتغيير نظام الحكم في فرنسا بالقوّة وإجراء تغييرات دستورية ومؤسساتية جذرية أهمها إقرار حقوق الإنسان والفصل بين السلطات وإبعاد الدين عن سياسة الدولة.

ومن التعريفات أو المفاهيم المعاصر والأكثر حداثةً للثورة هو التغيير الكامل لجميع المؤسسات والسلطات الحكومية في النظام السابق نحو الأفضل بحيث يحقق طموحات الشعب في تحقيق نظام سياسي نزيه وعادل ويوفر الحقوق الكاملة للمواطنين والحرية والنهضة للمجتمع بعيدا عن الأيدولوجيات المضللة سواء كانت دينية أو سياسية أو اقتصادية.
هناك أيضا مفهوم دارج أو شعبي للثورة هو الانتفاضة ضد الحكم الغاشم.

وبهذا التعريف أو المفهوم الحديث يمكن القول بعدم حدوث ثورة سياسية حقيقية واحدة على مر التاريخ في أية دولة من دول المنطقة المستعرَبة، فضلا عن استحالة حدوثها في دول العربان أنفسهم. ومع ذلك كثيرا ما تتردد كلمة " الثورة " في الخطاب السياسي العام، لوصف الانقلابات والتغيرات العشوائية، التي تتم عادة على أيدي طغمة جاهلة من العسكر والمغامرين. لذلك من المحتم أن يكون أثرها في التغيير إلى الأفضل محدودًا جدًا أو يكاد لا يذكر، وغالبا ما يتجه التغيير بعنف وجهل إلى إحداث مزيدٍ من السوء والتخلف والانحطاط.

فمثلا الثوره الشعبية المصرية التي تزعمها احمد عرابي مابين عامي 1881و1882 وكان هدفها خلق حياة نيابية دستورية فى مصر. أسفرت عن حياة نيابية بالفعل، ولكن بصورة هشة، مما جعلها تهوي بسرعة تحت ضغوط قوية من الرجعيين والمتخلفين والمتجمدين ثقافيا وسياسيا الذين أسموها عندئذ " هوجه " و" عصيان عسكرى ".

وثورة 1919 التى كانت سلسلة من الاحتجاجات الطلابية والشعبية على السياسة البريطانية في مصر عقب الحرب العالمية الأولى، بقيادة سعد زغلول رئيس حزب الوفد المصري آنذاك، ومعه مجموعة كبيرة من السياسين المصريين، فحققت الكثير من المطالب السياسية الآنية دون غيرها، إذ ألغت بريطانيا في 28 فبراير من نفس العام الحماية المفروضة على مصر منذ 1914. وفي 1923، صدر الدستور المصري وقانون الانتخابات وألغيت الأحكام العرفية. ولكنها لم تستطع تحقيق الاستقلال التام، فقد ظلت القوات البريطانية متواجدة في مصر. ولم تحقق للبلاد نهضة من نوع ما.

و في عام 1952 قفزت مجموعة من ضباط الجيش الفاشلين في مهنتهم بزعامة عبد الناصر إلى السلطة في إنقلاب عسكري، فأطاحوا بالملكية والحياة البرلمانية، وحولوا البلاد إلى " مزرعة دواجن " خاصة بهم، وجروها إلى مغامرات سياسية واقتصادية قلبت المجتمع رأسا على عقب وأفضت إلى فوضى عارمة في كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مازالت تسيطر على المجتمع حتى الآن، فكانت النتيجة هي الفقر والجهل والمرض، ومن ثم فقدت مصر دورها الريادي في المنطقة وفي العالم، وتحولت بذلك ولأول مرة في تاريخا العريق من دولة جاذبة وحاضنة للغرباء إلى دولة طاردة لهم ولأبنائها.

وفي الجزائر إندلعت ثورة التحرير في 1 نوفمبر 1954 ضد الإستعمار الفرنسي الذي احتلّ البلاد منذ سنة 1830، ودامت طيلة 7 سنوات ونصف من الكفاح المسلح والعمل السياسي، وانتهت بإعلان استقلال الجزائر يوم 5 يوليو 1962 بعد أن سقط فيها أكثر من مليون ونصف مليون شهيد جزائري، ولكنها بعد الاستقلال انخرطت البلد في نفس الفوضى العارمة.

طبعا من العبث مواصلة الحديث عن ثورات متعددة أخرى مزعومة في العديد من بلدان المنطقة مثل ليبيا والسودان والعراق وسوريا واليمن ، وجميعها أدت إلى الأوضاع السيئة التي لا تغفلها الحواس جميعها، ويتسلى حاليا بمشاهدتها الملايين في كافة أنحاء العالم.

ولأن الديانة الإسلاموة ديانة سياسية بامتياز، فقد اعتمد عليها جميع الانقلابيين الجهلة من الضباط والمغامرين في توطيد مكانتهم السلطويون وتبرير تصرفاتهم الخرقاء، وخداع المواطنين وتحويل أنظارهم عن مشاكلهم الحقيقية. خاصة وأن هذه الديانة تتدخل بعنف في شؤون المواطن الشخصية و العامة وتملى عليه ثقافة منقطعة النظير في الحماقة والهمجية.

وفي المقابل نجد الدول النفطية الرجعية بزعامة دولة آلـ سعود وقد بدت تتمتع باستقرار أمني واقتصادي مزيف نتيجة لعائدات النفط الوفيرة، وأصبح من المستحيل قيام ثورة سياسية فيها، وبدلا من أن تتخذ طريق التنمية البشرية والنهضة الثقافية الشاملة راحت تملي على شعبها وشعوب المنطقة برمتها ثقافة العنجهية الشوفينية الإسلاموية بإسم شخوص طوباوية في مقدمتها: الله ورسوله والتابعين وبدعم هائل من فائض عائدات النفط. هنا يكون الجهل مقدسا والقهر فريضة إلهية ويُفهَم معنى الثورة على أنه "فتنة"، يجب التصدي لها ووأدها في مهدها، فإلههم قال ضمن هلوساته المحمدية: "أَطِيعُوا الله وأَطِيعُوا الرسول وألي الأمر منكم". ومن هذا المنطلق الخطير وقفت تلك الدولة بكل ما تملك من أساليب الخداع والكذب والبترودولارات ضد الثورات الشعبية التي اندلعت في تونس ومصر وسوريا واليمن وليبيا وعملت كل ما في استطاعتها على إجهاضها وعدم إحداث أي تغيير فيها نحو الأفضل، بل وسارعت إلى المساهمة بفاعلية في جرها إلى الأسوأ.

ومن الغريب والعجيب أن تتوفر الشجاعة لأول مرة في تاريخ المنطقة لدي الرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي)، فيطالب جمْعًا غفيرًا من عملاء الأزهر في إحدى احتفالاتهم الدينية بضرورة القيام بـ" ثورة دينية " تصلح من الخطاب الديني السائد، الذي يحض على الكراهية والتكفير والقتل. الخشية هنا هي أن يكون قد أجبر على هذه المطالبة وليست نابعة عن قناعتة الذاتية أو أنها مجرد فرقعة إعلامية تهدف إلى ذر الملح في العيون وتهدئة الغضب العالمي من الإرهاب الإسلاموي العابر للقارات.

على كل الأحوال لا يمكن أن تفرض الثورة من أعلى، ولا يمكن أن يقوم بها قط أشخاص وهم على يقين أنها سوف تضر بمصالحهم وتحد من نفوذهم وتقلص من سطوتهم. إنها لا بد أن تنطلق من قاعدة شعبية يملأها عدم الرضا أو الغضب.

فهل القاعدة الشعبية في أي دولة إسلاموية بلغ بها عدم الرضى أو الغضب مما يقدمه الخطاب الديني من هراء وهلوسات وحض على الكراهية والقتل، مبلغا يمكن عنده أن تثور على هذه الديانة الفاشية؟ أم يتطلب الوضع مزيدا من المعاناة حتى تدرك القاعدة الشعبية مدى غباء الخطاب الديني ولا إنسانيته؟

نعم، هذا ما يفسر الإبقاء على إجرام الدواعش أطول وقت ممكن، ونشره في أكبر بقعة ممكنة من المنطقة. التغيير قد يكون ممكنا مع استمرار الدواعش في إجرامهم ومع تقلص عائدات النفط، ومعانات قطاع كبير من المواطنين في قاع مجتمعاتهم.

ومن حسن الطالع أن عملاء الدين وتجاره يساهمون بقدر وفير في سير مجتمعاتهم نحو الثورة الدينية الإسلاموية، مدفوعين بالعناد وعدم الاعـتراف بحقيقة ما ظهر للقاصي والداني من مثالب وأمور مخزية لإله الأسلمة "الأكبر" ونبيه "الأكرم" وخلفائه "الراشدين" والمشايخ والملالي وأولياء الله "الصالحين" .

لوحظ بوجه خاص أثناء الثورة المصرية أن مطالب الشباب المتنور كانت سياسية فقط، ولم تتطرق إلى الأديان، مما مكَّن الأقباط (سكان مصر الأصليين الذين يشكلون النسيج الحيوي والهام للغاية في المجتمع) أن يشاركوا بفاعلية في الثورة ضد الحكم الفاسد. لقد أثبت الشباب في مصر - وربما في دول أخرى من المنطقة الموبوءة بسرطان الأسلمة أنهم يدركون جيدا مدى الهراء الديني الذي تعيش فيه البلاد، ومدى الاهتراء الذي تعيشه طبقة العملاء بهدف الإثراء الرخيص - إن كان له ثمن - على حساب الأغلبية الجاهلة والمقهورة في المجتمع. لذلك لا غرابة في أن يتحوَّل الكثيرون منهم إلى الإلحاد، وأن أعداد الملحدين بينهم يزداد باطراد يوما بعد يوم، إلى أن يجد العملاء أنفسهم في يوم ما عراة مفضوحين في الخلاء.

أما المواطنون في دولة الجهل المقدس الراعية الإرهاب والقتل في العالم فهم من أكثر مواطني المنطقة تعرضا للقهر الديني والانحطاط الثقافي، والخداع المذهبي، إذ أن هذه الديانة، كما تطبق في بلدهم، تتيح لهم العيش حياتين متناقضتين الأولى ظاهرها التقوى والورع والثانية باطنها الفجور والفسق والانحلال الخلقي والسلوكي، تبعا للشريعة المحمدية الغراء. لذلك يخضعون ويخنعون - مع استثناءات قليلة - لأساليب القهر والظلم والفساد، ولا يهتمون كثيرا بالتغيير، ولايسعون جاهدين إليه في الوقت الراهن على الأقل .

الآن أدخلت تلك الدولة من أوسع الأبواب إلى عدم الإستقرار الأمني واستنزاف فائض البترودولار، ومن ثم زيادة معانات مواطنيها إلى أقصى حد ممكن. فمعاناتهم السابقة لم تكن بالقدر الكافي لأن ينتفضوا في ثورة من نوع ما.

لا شك في أن اندلاع ثورة دينة في هذه البلد التي تأوي الأماكن الوثنية المقدسة سوف يكون حدثا مدويا في ربوع العالم، وسوف يكون له أثر هائل على كافة المتأسلمين النيام أو المخدوعين، ولكن لا يجب على أحد أن يكون متفائلا، فالمشوار هناك طويل ومحاط بالتضحيات الجسام وبحار من الدماء.

علينا أن ننتظر من الثورة الدينية القادمة أن تنقذ شعوبها وشعوب العالم من مخاطر الشوفينية والتعصب الإسلاموي الأعمى والحروب الاهلية العنصرية، والتسلح بثقافة التسامح القومي والديني والطائفي وتحريم مبدأ القتل على الهوية أو ذبح البشر بسبب الانتماء القومي أو الديني أو الفكر المخالف ، أو الدعوة الى مايسمى - بالجهاد - لصالح اطراف وجماعات وانظمة غارقة في الشوفينية حتى قمة الرأس.

(المقال القادم عن "شوفينية الديانة الإسلاموية")








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال رائع
مجدي محمدي ( 2015 / 8 / 13 - 16:30 )
مقال رائع ومتوازن يصيب قلب الحقيقة....تحية للكاتب


2 - مقال غير متوازن!
ملحد ( 2015 / 8 / 13 - 21:32 )
مقال جيد بشكل عام , مع بعض التحفضات , ولكنه غير متوازن!
وماذا عن الدور التخريبي المدمر لنظام الملالي الديني الفاشي في ايران???!!!


3 - دور إيران
ياسين المصري ( 2015 / 8 / 13 - 23:22 )
الأستاذ ملحد العزيز
أرجو أن تراجع مقالاتي في هذأ الموقع عن طريق البحث لتعرف كم كتبت من مقالات عن تخريب إيران للمنطقة بأسرها منذ ألاف السنين منها على سبيل المثال عشر مقالات بعنوان : هل الإسلام جاء من بلاد الفرس؟
فضلا عن مقالات أخرى تتحدث عن الشيعة الإثنى عشريَّة في إيران ودورهم في تزييف التاريخ الإسلاموي وتضليل العرب .....الخ
مع أطيب تحياتي وشكرا لتعليقك
ياسين المصري

اخر الافلام

.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: فترة الصوم المقدس هي فترة الخزي


.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: السيد المسيح جه نور للعالم




.. عدد العائلات المسيحية في مدينة الرقة السورية كان يقدر بنحو 8


.. -فيديو لقبر النبي محمد-..حقيقي أم مفبرك؟




.. -روح الروح- يهتم بإطعام القطط رغم النزوح والجوع