الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوح في جدليات – 12 – عصفور ماريَّا.

نضال الربضي

2015 / 8 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بوح في جدليات – 12 – عصفور ماريـَّـا.

أصدر الروائي: باولو كويلو Paulo Coelho روايته "إحدى عشرة َ دقيقة" Eleven Minutes في طبعتها الأولى في العام 2003. تتحدث ُ الرواية عن فتاة ٍ برازيلية اسمها ماريـَّـا، تبحث ُ عن الحب و تسعى وراء مستقبل ٍ مُشرق فتسافر ُ إلى جينيفا – سويسرا لتعمل َ في ناد ٍ ليلي ٍّ ما يلبث ُ أن يتكشَّف َ أمامها خيبة َ امل ٍ كبيرة حين َ تكتشف ُ ان ْ قد تم َّ خداعُها و التلاعُب ُ بها، و أنها ليست الآن سوى أمـَـة ٍ في خان ِ سيّـِدها الفخم.

لكن َّ سويسرا ليست بلاد َ الظلام، و لا أرض َ الفوضى، إنَّها بلاد ُ القانون و رائِعة ُ النظام، و لماريا في ذكائها حيلة ٌ و مكر، تستطيع ُ بواسطتهما أن تتحرر بقوة ِ القانون بمجرد ِ التلميح ِ به من أسر ِ النادي الليلي و من عبودية السيد و ربقة ِ الخان.

و تستقيل ُ مارية و تقبض ُ تعويضا ً مبلغا ً مركوما ً يتيح ُ لها إن شاءت أن تحجز َ تذكرتها و تعود َ للبرازيل بجيوب ٍ ملأى!

إنـَّما،،،،
و لولا أن َّ،،،،

،،،، هناك َ في أوروبا تلعب ُ الأيـَّام ُ معها جدلية َ: غياب ِ الحب ِّ، و البحث ِ عنه و عن السعادة، و سحر ِ المال و شبع ِ الاكتفاء، و اكتشاف ِ الذات ِ و الجنسية ِ الفردية في الآخر، و دور ِ الألم ِ في تبادلية ِ السادية ِ و المازوخية، فتجد ُ نفسها و قد أسلمت ْ جسدها لتصبح َ بائعة َ هوى.

لكن َّ ماريا ليست بائعة َ هوى ً تقليدية ً تتقاذفها الحياة و تتخبـَّطُها حيث ُ تريد، إنما هي كسفينة ٍ حصينة تتلقى لطمات َ الأمواج و هي طافية ٌ على وجه ِ الماء ِ ترسم ُ طريقها على ضوء ِ نجم ٍ داخلي هو في حقيقتِه ِ هُدى ً من طبيعتها الذاتية و قوَّتها الفردية، إنها نوع ٌ خاص ٌّ من البشر، و صنف ٌ فريد ٌ من النساء، تتعلَّم ُ من الأحداث، و تكتسب ٌ الخبرات من أشد ِّ المواقف ِ أهانة ً و تحقيرا ً للذات، و يشتدُّ قوامُها و تنضج ُ شخصيتها، و يبدو لها أنها قد وجدت في أحد ِ زبائنها الحب َّ الذي تبحث ُ عنه.

أمَّـا الحب ُّ فكشأنِه دائما ً، يأتي حين َ نكون ُ قد ملأنا الأماكن َ الشاغرة َ في أحاسيسنا و قلوبنا و عقولنا فلم يبقى مكان، و لذلك َ يحُضر ُ معه ُ الصراع َ، و ترافِقُه الحيرة، و تأتلفُه ُ الظنون ُ، و ترقص ُ بين يديه ِ عذابات ُ الاحتمالات، و تلعب ُ بين يديه ِ شياطين ُ التوازنات و عفاريت الترجيح و أشباح ُ المُفاضلات،،،

،،، و هو كسيِّد ٍ لا يرحم، يقبض ُ على الأحاسيس ِ و القلوب ِ و العقول و يرمي بها في بوتقة ِ الصراع و يعرّي ِ طمأنينتها لتنهشَها الحيرة، و يكسر ُ هيكل َ اليقين لتنفذ َ إليه الظنون، و يقذف ُ الواقع َ اللذيذ َ المُستكين َ المُستسلم َ المُتخدِّر َ المُخدِّر ِ في خضم ِّ الممكن ِ بين الشياطين و العفاريت و الأشباح ِ لتُوازِن َ و تُرجِّح َ و تُفاضِل َ،،،،

،،،، ثم لتأخُذ َ قرارا ً يحكم ُ بشئ ٍ ما، على شخص ٍ ما، في وقت ٍ ما. و هو كلُّه ُ لو كان لنا خيار ٌ فيه، لم ندعهُ ليكون، و عندها إن لم يكن ْ ما لم ندعْه ُ يكون، ما عاد َ الحبُّ بعدها أو ما يعود ُ الحبُّ بعدها حُبَّـا ً، فالحب ُّ كائن ٌ بقوِّة ِ ذاته لا بحكمة ِ خيارنا!

حين أتى وقت ُ الخيار عند ماريا، كان يجب ُ أن تقرِّر َ، هل ستترك ُ الحب َّ الذي دفعت ْ ثمنه بغاء ً لجسدها و تنبذ ُ الحبيب َ و تعود ُ للبرازيل؟ أم ستأخذ ُ الحبيب َ السويسري إلى برازيلها؟

أترجم ُ لكم ما كتبت ْ ماريا في مذكراتها حينما أتي وقت ُ القرار و حضرت شياطين ُ التوازنات:
---------------------------------------------
ذات َ يوم ٍ، كان هناك َ طائر
يزينُه ُ جناحان ِ كاملان ِ بلا نقص
فيهما الريش ُ لامع ٌ ملوَّن ٌ مدهش!
باختصار
خُلق َ ليطير َ في السَّماء ِ بحرِّية ٍ جالبا ً الفرح َ لكل ِّ من رآه

ذات َ يوم ٍ شاهدته ُ امرأة ٌ فعشقته
راقبت ْ طيرانَهُ فاغرة ً فاها دهشة ً
بينما يضرب ُ قلبُها خفقانا ً
و تلمع ُ مُشرقة ً عيناها في استثارتها

دعت ِ المرأة ُ الطائر ليحلِّقا سويا ً
و قطعا السَّماء بانسجام ٍ تام
لقد تمكَّن َ من إعجابها، و أجلَّته ُ و احتفت به.

لكنَّها فكرت: قد يرغب ُ يوما ً أن يزور جبالا ً بعيدة ً!
أصابها الخوف
خافت أن ْ لن تتمكَّن َ أبدا ً من أن تُحسَّ بذات ِ المشاعر تجاه أي طائر ٍ آخر.
و ضربها الحسد
الحسد لأن طائرها، يستطيع ُ أن يطير.
و شعرت ْ بالوحدة.

فكرت:
سأنصب ُ له ُ شركا ً
في المرَّة ِ القادمة ِ التي سيأتي فيها
لن يتمكَّن َ من المغادرة.

أما الطائر ُ الذي كان يُحبُّها ايضا ً، فقد عاد في اليوم التالي
و وقع َ في الفخ ِّ المنصوب
و تم َّ وضعُه ُ في قفص.

كانت تنظر ُ إليه ِ كل َّ يوم.
ها هو هنا
إنه موضوع ُ شغفها.
أرته ُ لأصدقائها، فقالوا:
الآن أصبح َ لديك ِ كل ُّ ما تتمنين.

لكن
تحوُّل ٌ ما حل َّ عليهما:

- الآن و بما أن الطائر ُ معها
و لم تعد محتاجة ً لخطب ِ ودِّه
فقد فقدت شغفها به.

- أما هو و قد أصبح َ محبوسا ً عن الطيران
و عن التعبير ِ عن معنى حياتِه كطائر
فبداَ يذبُـل، و فقد ريشُه لمعانه
أصبح َ بشعا ً.
و المرأة ُ من جهتها خسرت الاهتمام َ به
فهي تطعمه ُ و تنظف ُ قفصه ُ فقط.

ذات َ يوم ٍ بعدها، مات الطائر.
شعرت المرأة ُ بحزن ٍ شديد و قضت ُ كل وقتها تفكِّر ُ فيه،
لكنها لم تفكِّر أو تتذكر القفص
كانت تفكِّر ُ فقط في اليوم الذي شاهدته ُ فيه لأوَّل ِ مرة
يطير ُ بسعادة ٍ في السماء.

لو أنها نظرت في داخلها بعمق ٍ أكثر،
لأدركت أن حريــَّـتــَـه ُ
و الطاقة َ التي في جناحيهِ
كانتا ما أثارها
لا جسده.

بدون ِ الطائر ِ فقدت معنى حياتها
فأتى الموت ُ بابَها يقرَعُه ُ.
"لماذا أتيت؟" سألت ِ الموتَ
أجابها "حتى تحلقي مع الطائر في السماء َ مرَّة ً أخرى"
ثم أكمل الموت ُ ردَّه ُ:
"لو سمحت ِ للطائر ِ أن يحضر َو أن يغادر َ حين يشاء
لكنت ِ أحببتِه ِ أكثر
و لأعجبك ِ أكثر
لكن الآن، يا للخسارة
فأنت ِ تحتاجينني أنا الموتُ حتى تجديه ِ من جديد"
---------------------------------------------

تُرى هل عادت ماريا للبرازيل مع حبيبها؟
هل عادت بدون ِ حبيبها؟
هل بقيت في سويسرا مع حبيبها؟
هل بقيت في سويسرا بدون ِ حبيبها؟

أسئلة ٌ عليكم أن تجدوا الإجابة َ عليها حينما تقرأون القصة َ.
إلى هنا أتوقف.


ملاحظة أخيرة: يقدِّم ُ باولو كويلو في نهاية ِ قصَّتِه خاتمة ً جميلة، يذكر فيها أنه قد بناها على،،،،
،،،، على ماذا؟

هذا أيضا ً عليكم أن تقرأوا القصة َ لتعرفوه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ نضال الربضي المحترم
وليد يوسف عطو ( 2015 / 8 / 14 - 13:18 )
المقال ممتع لولا الامتناع عن تسجيل النهاية ..

الملاحظ ان بائعات الجسد في اوربا والامريكيتين يكتبن سيرتهن الذاتية وبكل صراحة بالضد من السياسيين في عالمنا العربي .
كتبت احدى العاهرات في مذكراتها ( انني اشرف من زوجة رئيس الوزراء )..

بائعة الجسد تحتقرالزبون ولكنها تحترم ماله وتنفذ طلباته بعكس السياسي في العالم العربي والذي يمارس الدعارة السياسية على طريقة العادة السرية ..

فلا هو يحترم نفسه .. ولا هو يحترم المواطن ..

نلتقيكم في مقالات وابحاث قادمة .


2 - الباحث العزيز وليد يوسف عطو
نضال الربضي ( 2015 / 8 / 14 - 13:39 )
أجمل التحيات أيها المفكر الصديق!

أسعدني حضوركم و أبهجني تعليقكم الذي يتيح لنا أن نحكَّ العقل و نستثيره ُ أكثر، فاسمح لي أن أعقِّب:

- امتناعي عن تسجيل النهاية مقصود، لأنني أريد ُ أن يبحث ُ القارئ بنفسه عن ماريا، عن دوافعها، عن ظروفها، أن يقرأ الرواية بنفسه، ليعيش َ ماريا، ليدرك َ ماريا، ليتَّحِد فكريا ً و ثقافيا ً و حضاريا ً مع ماريا، و لكي يصل إلى النهاية مع ماريا،،،،

،،،، لو أني سُقت ُ النهاية لأصبحت قصَّة ً أخرى، قرأناها و ذهبت إلى شأنها (أي شأن ٍ كان ذاك) و هذا بعيد ٌ عن مرماي،،،،

،،،، أريد ُ أن يكون َ مقالي بداية العلاقة مع ماريا، و لتكن لا قصَّة ً واحدة، لكن قصصا ً بتعداد ِ من بحثوا عنها و عاشوا معها!

- التنوير كما أفهمُهُ تجربة ٌ شخصية يصل فيها المُنعتِق ُ إلى حريَّته بقوَّتِه و قناعاته، و أساعده أنا و كلُّ من يكتب تنويرا ً، لكن لا نفرض ُ عليه و لا نمسخ ُ وعيه.

بائعات الهوي في بلداننا كثيرات ٌ و كُثر و البغاء لا في الجسد ِ فقط كما تفضلت َ متفقا ً معي لكن في كل ِّ شئ، و لذلك فالكرامة ُ و الشرف في الاتساق مع حلمنا الإنساني بعالم ٍ أفضل.

دمت بكل الود!


3 - الأحلام والهالة الرومانسية
قاسم حسن محاجنة ( 2015 / 8 / 15 - 10:42 )
سلام يا صاحبي
الانسان يُحيط أحلامه بهالة رومانسية في العادة ، لكنها وعندما تتحقق تفقد هالتها الرومانسية ..
فقدت ماريا شغفها ، لان الحلم قد تحقق ولا تحيطه هالة من الرومانسية .
لك مودتي الخالصة ، وعلى فكرة قرأتُ بابلو كويلو -كُله - ..إنه متكرر في غالبية رواياته ، اللهم إلا فيرونيكا قررت أن تموت ..
يالله باي


4 - العزيز قاسم!
نضال الربضي ( 2015 / 8 / 16 - 08:59 )
صباحا ً ورديا ً طيبا ً!

ماريا ذكية كشعلة ٍ متَّقدة، رومانسية تكبت ُ قلبها، و قاسية ٌ كالصخر ِ حين تريد، لكنها حين أحبت، صارت إنسانا ً آخر، سر قوته: أن حبَّه ُ ولد من الواقع لا من المُفارق، لقد مزجت الواقع بالطموح بالرومانسية بالحلم.

في روايته: الخيميائي، يقدم باولو كويلو عبرة ً مفادُها أن أحلامنا تكون ُ تحت َ أقدامنا لكننا لا نراها، و السبب أننا لا نملك البصيرة، لذلك نتغرب ُ عنها حتى نكتسب َ الحكمة التي تمكننا من إيجادها.

إن المفارقة العجيبة بين قربُ الحلم منا و بُعد ما نقطع حتى نُدرك القرب يجعلنا نفهم و نتأمل ُ مليَّا ً كيف أننا في هذه الحياة لا نقترب ُ و لا نبتعد و إنما نختبر ُ فقط، ثم نعبِّر ُ عن رحلة اختبارنا بأحكام ٍ نسميها: اقترابا ً و ابتعادا ً و عودة ً و تحوُّلا ً.

إنها جدلية ُ و ديناميكية ُ و حركة ُ و تفاعل ُ الحياة ِ معنا في هذه الأربعة ِ من الآليات التي تصف ُ أيضا ً جوهر طبيعتنا البشرية. إننا هنا نتحد مع الوجود لأننا جزء ٌ منه، و نعبِّر ُ عنه في إنسانيتنا، و كم هذا عظيم ٌ و مدهش!

علي الانتهاء ُ من كُتُب ٍحدَّدتُها للقراءة، و بعدها يمكن: فيرونيكا، من يعلم؟!

دمت َ بود!


5 - الاستاذ نضال الربضي المحترم
امال طعمه ( 2015 / 8 / 16 - 11:56 )
بصراحة انا لم اقرا لباولو كويللو سوى روايتين الخيميائي والزانية بصراحة لم احب الاخيرة ووجدتها دون توقعاتي ، لست مثقفة جدا! اما عن ماريا فلم لم جعلتنا هكذا حائرين؟
امنيتي في الحياة ان تزول حيرتي ومع الايام تزيد
تحياتي


6 - العزيزة آمال!
نضال الربضي ( 2015 / 8 / 17 - 06:03 )
تحياتي الصباحية العابقة بقهوتنا الأردنية الغنية بالهيل!

أنا أيضا ً قرأت له روايتين أُولاهما: الخيميائي، و هي جيدة إلا أنها ليست بقوة الروايات التي أفضل، مثل ما يكتب ُ عملاق الأدب العربي نجيب محفوظ في الحرافيش أو في ثلاثيته أو في أولاد حارتنا، لكنها تبقى جميلة و ذات هدف ٍ سقته في تعليقي لعزيزنا قاسم.

يجب أن نحتار حتى نجد الإجابة، و إجابة ماريا غير متوقعة، لا أريد أن أحرق الرواية، فعليك ِ بها، إنها متفرِّدة بكل المقايس. يمكنك شراؤها من مكتبات وسط البلد، أعدت اكتشاف هذا المكان منذ سنتين فقط، إنه يضج بالحياة، و أقضي فيه كل أسبوع أمسية ً أو اثنتين!

حيرتك في الحياة ستزداد إن لم تجدي دائرتك ِ الخاصة، إذا لم تنتخبي لك ِ مجموعتك ِ التي تكونين فيها، و الكينونة هنا تحقيق ٌ لما تحسينه طازجا ً و صحيا ً و جميلا ً. بلداننا العربية لم تعد كما عرفناها سابقا ً، إنها تجتر ُ عوامل الثبات و الاستقرار لتعيد إنتاج ما يجب ألا يُعاد إنتاجه لكن البناء ُ فوقه، لتهدمه، و كأنها على وضعية Self Destruct أو الانتحار الذاتي، و هذا ربما ما يدفع بحيرتك ِ لمستويات عالية.

جدي توازنك ِ مع من تحبين!

أخلص المودة!


7 - القراءة اون لاين
امال طعمه ( 2015 / 8 / 18 - 12:14 )
http://elibrary.mediu.edu.my/books/2014/MEDIU3101.pdf

اخر الافلام

.. المؤتمر الرابع للتيار الديمقراطي العراقي-نجاحات وتهاني-4


.. تونس: البدأ بترحيل مهاجرين أفارقة الى بلدانهم، فما القصة؟ |




.. هجوم إلكتروني على وزارة الدفاع البريطانية.. والصين في قفص ا


.. -سابك- تستضيف منتدى بواو الآسيوي لأول مرة في الرياض




.. السياحة ثروات كامنة وفرص هائلة #بزنس_مع_لبنى PLZ share