الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أن تكون طائفيا ً !

نزار حمود
أستاذ جامعي وكاتب

(Nezar Hammoud)

2015 / 8 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أن تكون طائفياً!

أنا هنا أتوجه بالكلام لك أنتْ... أنتَ أيها الطائفي السوري (1) الذي أعماك الغضب واليأس والإحباط فلجأت لانتمائك القبلي البدائي وربما للعنف "المقدس"... هربا ً من الواقع المؤلم المعاش راجيا ً منه أن يكون الحل لمأساتك المتكررة اليومية! أريدك أن تعرف من أنت... أن تعرف حقيقتك المرة... أريدك أن تفهم أنك أنت بالذات سبب مأساتك التي تعيشها... وأنك أنت بالذات حطب المحرقة الذي تحترق به اليوم مع أهلك وقبيلتك. سواء كنت طائفيا ً تابعا ً للـ "عباقرة" المعممين بالأسود أم بالأبيض أم بالأخضر، الذين تسميهم ظلما ً وجهلا ً وعدوانا ً بالعلماء وهم من ذلك براء!

- أن تكون طائفيا ً يا سيدي(2) يعني أنك إنسان مغلق غير قابل للنقاش يصعب عليك أن تنظر لوطنك وقريتك وبيتك وأهلك إلا من ثقب الطائفة الدينية التي تنتمي إليها. فمن انتمى لهذه القبيلة - الطائفة كان سيدا ً عزيزا ً محبوبا ً مغفور الذنب ولو كان من أقذر الناس وأكثرهم إجراما ً وقتلا ً وسفكا ً للدماء. أما من انتمى للقبيلة - الطائفة الأخرى فهو حقيرٌ مكروهٌ بغيضٌ مهدورٌ دمه وماله حتى لو كان من خيرة الناس وأكثرهم صدقا ً وإخلاصا ً في معاملته مع الناس أجمعين.

- أن تكون طائفيا ً يعني أنك قد سلمت أمرك، دنيا وآخرة، لمن هم برأيك أفهم وأقدر منك على التفكير واتخاذ القرارات المناسبة لك ولأسرتك. يعني أنك تقر وتعترف بقصور عقلك ومداركك... مع معرفتك "أحيانا ً نادرة" بأن هذه الجهة التي سلمتها قيادة روحك وجسدك مجرد مجموعة من الجاهلين المفوهين المتحذلقين، أنصاف وأرباع المتعلمين. مجموعة من الذين يعتقدون ببساطة شديدة بالخرافة والمعجزات الخارقة في زمن علم الوراثة والفلك وداروين وأنشتاين والفيزياء الكوانتية وما بعد الفيزياء الكوانتية. أولئك العاجزين تماماً عن الفهم المجازي لقصص القرآن الكريم وحوريات الجنة وغلمانها... المصرين على الفهم الحرفي الغبي القاصر للنص المقدس.

- أن تكون طائفياً... يعني حكما ً أنك كافرٌ بوطنك. أن انتماءك الحقيقي لم يكن ولن يكون يوما ً للوطن الذي نشأت وترعرعت فيه... بل للجهة التي تعتبرها أنت في مخيلتك المريضة مرجعيتك الشرعية الدينية. فإن كنت من جماعة العمائم والغترات البيضاء كانت مرجعيتك لآل سعود وتركيا السلطان العثماني ومن لف لفَّهم... وإن كنت من جماعة العمائم والعباءات السود كانت مرجعيتك لملالي طهران. وإن كنت من جماعة القلنسوات الملونة والصولجانات كانت تبعيتك لروما. وفي كل الحالات... أنت لست سورياً... أنت جاحدٌ كافرٌ بوطنك... لا تستطيع أن تستوعب أن الوطن يمكن أن يكون لك ولغيرك من السوريين. الوطن برأيك... إن لم يكن لك... يجب ألا يكون لأحد!!! وما شعارات الأسد أو نحرق البلد... أو الدولة أو نحرق الكرة الأرضية... إلا تعبير قبيح ٌ دموي عنك، أيها السوري الطائفي القبيح...

- أن تكون طائفيا ً يعني أن تقبل وتفضل، وبكل سهولة ويسر، الأجنبي الأفغاني أو الماليزي أو الفرنسي أو الإيراني على ابن بلدك المنتمي لقبيلة - طائفة سورية أخرى. أي أنك في حال قيام حرب طائفية أو فتنة كالتي نحن فيها اليوم... تستطيع أن تقبل تدخل الأجنبي المنتمي لتخلفك الديني بكل "أريحية" ودون أي وازع من ضمير... والأدهى من ذلك... أنك تستطيع أن تدين وتشجب وتستنكر عمل القبيلة السورية الأخرى المناوئة إن قامت باستقدام الأجنبي... أي عته ٍ تعاني منه أنت، يا أخي السوري الطائفي!

- أن تكون طائفياً ... يعني أنك، ومهما بلغت من مراتب التعلم واكتناز المعرفة، ستبقى مدى حياتك مربوطا ً برسن التخلف ومواسم الدم. تستطيع أن تهاجر لأمريكا... أو فرنسا أو السويد أو أستراليا إن شئت... لكنك ستبقى كما أنت... طائفياً... حاملا ً مرضَك بين أضلاعك... حريصاً عليه ومحباً له... ترفض النظر لأبناء بلدك إلا من خلال منظورك المتخلف... ترفض الزواج المدني الذي يشكل الخلاص الاستراتيجي لمشاكل مجتمعنا متعدد الأعراق والأديان. تقبل أن تزوج ابنك أو ابنتك من الأجنبي المنتمي لقبيلتك الدينية... ولا تقبل أن تزوجه أو تزوجها لابن أو بنت بلدك لمجرد الانتماء الديني الطائفي القبلي. ذلك... كي تضمن دوام تخلفك وانتقال الفيروس المميت للأجيال القادمة. ثم بعد ذلك... تجد في نفسك ما يكفي من النفاق كي تتغنى بحبك للوطن وحنينك لملاعب الصبا في ربوعه. أي انفصام في الشخصية تعاني منه أنت، يا أخي السوري الطائفي...

- أن تكون مسلما ً طائفياً... يعني أنك تخالف، ولا شك، العديد من مبادئ العالم الإسلامي الذي تدعي أنك تنتمي إليه... ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، أن لا كهنوت في الإسلام. بينما يزخر العالم الإسلامي بشقيه الرئيسيين بالمؤسسات الكهنوتية التي تحتكر تفسير كلام الله وتتدخل في أدق تفاصيل الحياة اليومية المنتمية للقرن الواحد والعشرين دون خجل أو حياء... يعني أن تستسلم لتفسيرات رجال الكهنوت الإسلامي وتعاليمهم... الذين يدعون جميعا ً أنهم هم من يمثل "الفئة الناجية"، وأنهم هم الإسلام "الحق" وأنهم هم "الأمة"... "خير أمة أخرجت للناس"! بئس الأمة نحن، يا أخي السوري الطائفي...

- أخيراً... وليس آخراً، يا أخي السوري... أن تكون مسلما ً طائفياً... يعني أيضا ً أنك تكفر بكلام الله عز وجلن وبآياته المنزلة التي تدعي أنك قرأتها... وما أنت بعاقلٍ لها. هذه الآيات التي تقر بالاختلاف بين البشر وباستحالة وعدم منطقية وواقعية أن يكون الناس كلهم على دين أو شكل واحد. من نوع "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا ً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"(3)، ومن نوع "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين"(4)، و "من آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم"(5)، و "هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن"(6)، و "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا ً فينبئكم بما كنتم تختلفون"(7). أن تكون طائفيا ً يعني أن تتبع أهواء كهنوت الدين الذين يفضلون آيات العنف والقتل على آيات الرحمة والتآخي في القرآن الكريم... كي يبقوا هم على عروشهم بينما تدفع أنت وأهلك وقبيلتك ووطنك ضريبة الدم الغالية للغاية...
خلاصة الحديث، يا أخي السوري الطائفي... ألا فاعلم أنك تحتاج لكم ٍ هائل من الغباء وتسطح الذهن والجهل بالتاريخ والدين وحقوق الإنسان والأخلاق وألفـباء حكم المجتمعات الحديثة والمواطنة كي تكون طائفياً... لكن يبقى هذا من حقك... يبقى من حقك أن تكون كل ذلك، يا أخي السوري الطائفي... لكني أرجوك رجاءً حارا ً أن لا تقل أنك طائفي لأن الآخر كذلك... فهذا كذب وأنت تعرف ذلك جيداً. أنت طائفي لأنك وأهلك وتربيتك طائفيون. هذا أولاً. أمّا ثانياً، وهو الأهم، فأرجوك، يا أخي، ألا تقول عن نفسك أنك وطني سوري، أو أنك مع الثورة السورية، أو أنك تحب سوريا... فهذا تجديف ونفاق وعهر اجتماعي وسياسي. أنت سوري بالمولد، لكنك لم ولا ولن ترقى لمستوى أن تكون وطنيا ً سوريا ً بالانتماء والممارسة. أنت كل شيء إلا أن تكون وطنيا ً سوريا ً.

اختر ماشئت من التسميات والأديان والطوائف والقوميات إلا أن تكون وطنيا ً سورياً... حريصا ً على سوريا الأم ... أم الجميع ...
لا تنسَ ذلك ... فأنا لن أنساه !!!

====================

1- أو العراقي أو اللبناني أو الفلسطيني أو الخليجي إلخ ...
2- ضمير المذكر هنا مستخدم للتعبير عن المذكر والمؤنث معا ً ...
3- سورة الحجرات 3
4- سورة هود 118
5- سورة الروم 22
6- سورة التغابن 2
7- سورة العنكبوت الآية 43








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب