الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد التراث الديني .

حسام المنفي

2015 / 8 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كثيرة هي الأفات التي علقت بعقولنا نحن العرب والمسلمين عبر قرون خلت كان سمتها الإنحطاط والتخلف ، وكثيرا ما تعمل هذه الأفات بطبيعة الحال على تسطيح وتخريب عقولنا حتى أصبحنا غير قادرين على ممارسة التفكير المنطقي سواء في مشكلاتنا الحياتية أو عندما نريد التوصل إلى حقيقة أموضوع مجرد مثل الحرية والأخلاق و الجمال و النفس والألوهية ، والتفكير الفلسفي أو المنطقي هو ذلك التفكير الذي يبحث في علل الأشياء وأسبابها ، والإنتقال من مقدمات قد إقتضى صحتها إلى نتائج تلزم عنها بالضرورة . . . إلخ وإذا سألتني ما هي الأفة التي تكون أشد خطرا على عقولنا في الوقت الراهن ؟ لن أتردد مطلقا في القول بأنها غياب " مهارة النقد " عندنا ، فنحن في أغلب الأوقات غير قادرين على تفنيد وتحليل وتمحيص ما يعرض على عقولنا من أفكار وتصورات ومعتقدات ، أو ربما تنقصنا الشجاعة في نقد بعض التصورات خاصة إن كانت مستقاه من الدين ، فعقولنا اعتادة على تلقي الأجوبة فضلا عن طرح الأسئلة . يعلق د. مصطفى النشار مبينا ضرورة النقد في المسار الحضاري للأمم والشعوب فيقول "إن التفكير العفلي و النقدي ضروري لحياة الأمم والشعوب التي تسعى للنهضة والتقدم . ولا مجال أمامنا الأن ونحن نسعى لذلك إلى أن نعطل العقل أو نلجمه بشروط مسبقة للتفكير ، بل كل ما علينا أن ندربه على كيفية التفكير العقلي عموما والتفكير النقدي خصوصا ، لأن هذا هو الأساس لنهضتنا وتقدمنا المنشود . (التفكير الفلسفي ص131) " أي أن نمو وتقدم ورقي المجتمعات البشرية مرهون بقدرة هذه المجتمعات على ممارسة مهارة النقد فإننا لا نستطيع مطلقا أن ننشد رقي وتقدم ونهضة بلادنا ومجتمعاتنا ما دمنا لا نجرأ على وضع تراثنا الفكري تحت مجهر النقد وخاصة التراث الديني ، لأن معظم الأفراد في مصر والبلدان العربية والإسلامية مازالت تستقي قيمها وأخلاقها ومعايير سلوكها من التراث الديني الذي ما زال حتى يومنا هذا يأبى الخضوع لمعايير العقل والمنطق لأنه ما زال معيار تقيمنا له هو صحة السند (أي قال فلان) ولكن المشكلة تكمن في الحالات الغير قليلة التي يتعارض فيها النص الديني مع منطق العقل أو عندما يتعارض النص الديني مع قيم الأخلاق والجمال التي جائت الأديان لتحض عليها وتغرس بذورها في وجدان المتلقي ، ففي هذه الحالات إما أن نؤول النص الديني لنزيل أوجه التعارض القائم بين النص الديني من جهه والعقل من جهه أخرى كما فعل قديما الفيلسوف الإسلامي الكبير ابن رشد وحديثا الإمام محمد عبده ، أو نرفض قبول النص الديني كلية في حالة التعارض السافر الذي يتبدى أمام أعيننا بين النص والعقل واستحالة التوفيق بينهما ، وفي هذه الحالة سيكون الدين هو أول الرابحين لأننا سننقيه من الشوائب والأدران التي علقت به عبر أزمان خلت . يقول د. حسن حنفي "التراث هو مجموعة الأجوبة لمجموع الأسئلة التي طرحها جيل معين في ظروف تاريخية خاصة . ولما كان الزمان متغيرا فلكل جيل أسئلته وأجوبته التي قد تتفق وقد تختلف مع أسئلة جيل أخر وأجاباته ، لذلك رأى بعض الأصوليين القدماء أن إجماع عصر سابق ليس بالضرورة ملزما لعصر لاحق ، وأن تقليد المجتهد اللاحق لمجتهد سابق لا يجوز لأن التقليد ليس مصدرا للعلم " وتنشأ قدسية التراث عندما يعجز جيل عن وضع أسئلته وبالتالي استحالة الإجابة على شيء . ثم يزايد في إيمانه على نفسه وعلى الله وعلى الناس كلما اشتد الكرب ، وعظم العجز ، وسدت أمامه السبل . يهرب إلى الوراء بعد أن يعجزه التقدم إلى الأمام ، ويدافع عن تراثه القديم بعد أن عجز عن إبداع تراث جديد . (هموم الفكر والوطن ص589) " أي أن أسلافنا كانت تشغلهم قضايا فكرية مختلفة تماما عن القضايا التي تسيطر على فكرنا نحن اليوم في القرن الواحد والعشرين ، فقديما لم تظهر إلى الوجود مفاهيم ومصطلحات مثل الديموقراطية أو العلمانية أو العولمة ، الليبرالية ، الرأسمالية ، الإشتراكية ....إلخ وكما أن أسلافنا استطاعوا أن يتوصلو إلى بعض الإجوبة التي تخص القضايا التي كانت تشغلهم في ذلك الوقت فمن حقنا نحن أن نبحث عن حلول وأجوبة للقضايا المطروحة على أذهاننا دون التقيد بأراء وأفكار وتصورات مسبقة تعيق حركة تفكيرنا وتقيد من قدراتنا الإبداعية . وأخيرا أود أن أقول : إنني لا أستطيع مطلقا أن أكون عبدا لأقوال وأراء ومعتقدات أرسوا قواعدها أناس رحلوا عن عالمنا منذ مئات السنين ما دام قد وهبني الله عقلا أتخذه إماما ومرشدا أستطيع أن أميز به وأفرق بين الصحيح والسقيم وبين الصالح والطالح وبين القبح والجمال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل