الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الأخلاق

مضر الحوراني

2015 / 8 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الأخلاق من أكثر المسائل التي شغلت الإنسان فكرياً منذ فجر التاريخ والتي مازالت تشغله حتى الآن سواء بشكل فردي أو شكل اجتماعي.
وللبحث في الأخلاق هنالك أربعة مجالات رئيسية ممكن للباحث والدارس أن ينطلق منها:
- مجال الفلسفة وهي أول من طرحت مشكلة الأخلاق وتعريفها وتحديدها فالفيلسوف اليوناني سقراط يُعتبر مؤسس علم الأخلاق في مواجهاته ونقاشاته مع السفسطائيين.
- مجال الأديان حيث يرى قسم كبير من الناس أن الدين أحد مصادر الأخلاق ومحدداتها ويرى البعض أنه المصدر الوحيد لها.
- مجال علم الإجتماع وعلم النفس حيث يدرس عن طريقها مهيّة الأخلاق وتكوينها في نفس الإنسان وكيفية ترابط البشر وتشابكهم فيما بينهم أخلاقياً.
- واخيراً المجال العلمي وهو مجال حديث نسبياً حيث مازال الجدال قائماً حتى الآن حول قدرة العلم الحديث "كعلم الأعصاب والبيولوجيا التطورية" على وضع تعريف للأخلاق وتحديدها والتفريق بين "ماهو شر وماهو خير".
برأيي يمكننا أن نعرف الأخلاق بشكل أساسي رغم أنه تعريف غير شامل وغير مكتمل كالتالي: ((بأنها مجموعة من القواعد التي تخاطب ضمير الإنسان والتي يشعر نحوها بنوع من الالتزام رغم عدم إلزاميتها له من الناحية القانونية في قسم منها، والتي يتعارف عليها الناس وتقود سلوكياتهم وأفكارهم مع بعضهم ومع الطبيعة والأشياء من حولهم في زمان ومكان محددين))
من هذا التعريف يتبين لنا نسبية الأخلاق مع اختلاف الزمان والمكان وارتباطها الوثيق مع السلوك الإنساني كمحدد رئيسي لها.
مع ذلك هنالك (مبادئ) رئيسية وثابتة شكلاً تنضوي تحتها سلوكيات وأفعال الإنسان والتي تخضع للتغيير من ناحية الجوهر, أي أن المصطلح اللغوي الدال عليها يبقى ثابتاً بين المتحدثين باللغة نفسها مع تغيره من ناحية المضمون حسب المتلقي له ومقصد المتحدث به وتركيبته الفكرية والعقائدية كالمفاهيم الأخلاقية الأساسية التالية "الخير - الشر - العدالة - المساواة ...إلخ"
إن هذا الكلام لايعجب أصحاب المرجعية الدينية بإعتبار أن الدين والخالق من وجهة نظرهم هو مصدر ثبات الأخلاق ومحددها.
فما هو خير منذ ألف عام هو خير الآن وسيبقى خيراً بعد ألف عام كقتل المرتد عند عموم المسلمين.
فالنظرة الإسلامية بشكل عام -كمثال على النظرة الدينية للأخلاق- تقوم على تحديد الفضيلة والخير بالقيام بما يرضي الله والإبتعاد عن القيام بما لا يرضيه.
والتي تقودنا للبحث في التشريع الإسلامي عن المحللات والمحرمات وما بينهما كالأفعال المكروهة والأفعال المستحبة مع القاعدة الفقهية التي تقول "الأصل في الأشياء الإباحة", والتداخل الكبير الذي تخلقه فيما بين التشريع (القانون) والأخلاق وجعل القانون بالتالي مصدراً لها كون هذه التشريعات إلهية وجزء لا يتجزأ من الدين.
وكنتيجة لهذا تم خلق سلطات واسعة لرجال الكهنوت فيما يتعلق بتفسير القانون الإلهي وتحديد مقاصده ومعانيه وبالتالي خلق لهم مجالاً كبيراً من السلطات على عامّة الناس وبالنتيجة تشديد الربط بين القانون وبين الأخلاق .
هذا الشيء جعلهم في النهاية مصدراً ثابتاً للأخلاق يمنع اي تجديد أو تطوير يهدد مكانتهم ومكاسبهم.
أما النظرة العلمية الحديثة تتعلق أكثر مع كون الأخلاق نسبية وكون مصدرها انساني ولايخرج عن الإنسان, ولو كان للطبيعة المحيطة وللخارج تأثير لايعدو كونه ترجيح كفة ماهو أخلاقي أو غير أخلاقي في لحظة معينة وربط تحديد جودة الأخلاق بمدى افادتها للنوع الإنساني وذلك من منطلق أساسي وهو أن الإنسان كائن اجتماعي استطاع البقاء ومقاومة الظروف الخارجية والكائنات الحية والصراع معها ونشر جيناته وفق كونه كذلك.
فالثابت الوحيد في النظرة العلمية حتى الآن في موضوع الأخلاق هو الحفاظ على النوع الإنساني والمجتمعات الإنسانية والذي يتم بآليات مختلفة يعنى بتحديدها و تفصيلها العلماء مع الوقت.
إذا بنظرة عامة على الأخلاق نستطيع أن نحدد مدرستين رئيسيتين عبر التاريخ الإنساني تناولت هذا الموضوع:
- المدرسة الأولى هي التي تجعل الأخلاق مطلقة وقائمة على مبادئ رئيسية لا يمكن أن تتغير مع تغير الزمان والمكان وموجودة بشكل مستقل عن الإنسان لا تخضع لأهوائه ورغباته ولا حتى لمصلحته كما يرى أفلاطون بأن الخير هو مصدر الوجود والكمال أو كالنظرة الإسلامية التي تحدد الاخلاق بمجموعة من القيم والأفعال الثابتة هدفها ارضاء الله على سبيل المثال.
- المدرسة الثانية فهي التي تعتبر أن الأخلاق نسبية ومتغيرة وأن مصدرها انساني مع الإختلاف حول كيفية نشأتها وتبدلها وماهو أصلح للتطبيق في زمان ومكان معين مثل النظرة العلمية الحديثة أو النظرة السفسطائية قديماً.
إن الشيء الثابت الوحيد في الأخلاق برأيي هو الثابت اللغوي عند الناطقين بلغة معينة فمثلاً في اللغة العربية كلمة الخير ثابتة مع تغيير دلالاتها باختلاف المتلقي لها فكرياً وعقائدياً وباختلاف الموقف التي صدرت بمناسبته.
الخير كفعل وسلوك هو فعل متغير وخاضع للظروف وللزمان والمكان.
فعل القتل يعتبر شراً إذا نظرنا إليه بشكل مجرد لكن عند ملامسة الواقع قد يكون فعل خير كما في حالة الدفاع عن النفس ولكن حتى في حالة الدفاع عن النفس قد لايكون خيراً إلا من منطلق شخصي.
فمثلاً هل من الخير قتل أم معيلة لأطفال قد يموتون بدونها حتى لو كان هذا الفعل دفاعاً عن النفس؟
قد يكون هذا الفعل خيراً بالنسبة لمن يدافع عن نفسه أو حتى بالنسبة إلى عائلة الشخص أو محبيه ولكنه شر بالنسبة لأطفال هذه الأم فهم سيموتون من دونها, وبالتالي في هذه الحالة ماهو الخير؟ هل هو حفاظ المدافع على حياته أم الحفاظ على حياة الأم وأطفالها؟
من المفيد ومن الضروري حتى ايجاد مبادئ أخلاقية وتعميمها على الناس والمجتمعات في زمان ومكان معين -مع اختلاف الرأي هل تنبع ضرورتها من ذاتها أم من الحاجة إليها- سواء تم هذا التعميم بوسائل إعلامية أو فنية أو دينية أو قانونية.
المسألة الدينية قد تكون ضرورة في فترة من الفترات لأن عموم البشر لم يصلوا بعد إلى المستوى من الوعي الذي يسمح لهم بتحديد الأخلاق وماهو المنتج والمفيد منها لبقائهم واستمرارهم ولأن الأخلاق أداة مهمة إلى جانب القانون في تنظيم المجتمعات وزيادة الإنتاج والوفرة للجميع بما يتوافق مع ظروفهم ودرجة تطورهم الإقتصادية والقانونية والعلمية, فهم بحاجة إلى شكل معين من الدين الذي يطرح عليهم مجموعة من القيم والمبادئ الأخلاقة الصالحة لمجتمعاتهم.
ولكن من يجب أن يكون مسؤولاً عن تحديد هذه الأخلاق وما هي الآلية التي يجب أن تتبع كمصدر لها لتحقيق مصلحة المجتمع ككل بعيداً عن السيطرة الطبقية والإستغلال الذي قد يؤثر سلباً على نمو المجتمع وبقائه؟
هل هم العلماء أم رجالات الدين؟ السياسيون والقانونيون؟ أم هم جميعاً وفق آلية معينة؟ هل يجب ان تكون تلقائية دون توجيه مقصود؟ أم يجب أن تكون بعيدة عن ذلك وموجهة نحو مقاصد محددة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو