الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنهج السياقي في كتاب -السنة والإصلاح -

مصطفى عمر توفيق

2015 / 8 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



يهدف كتاب " السنة والإصلاح" إلى تطبيق المنهج السياقي والتاريخاني في التعامل مع التأويل السني للقرآن ، فالتأويل السني معطى تاريخي، لذلك تكون مهمة التاريخانية هي بحث شروط الإمكان التاريخية التي كانت خلف ظهوره..
واهتمام العروي بالنص السني،لأنه نص يوازي النص القرآني،فعلاقة السنة بالقرآن، فيما يرى الكاتب تتمثل في أنّ السنّة شكّلت نصًّا على "هامش" النص المقدس إلاّ أنّ هذا النص الموازي ليس نصًّا ثانويًّا، بل إنّه النص الذي يقدّم نفسه بوصفه فهمًا قطعيًّا للقرآن. هنا يظهر وكأنّ المفعول أقوى من فاعله، يظهر النص السنّي نصًّا فاعلاً للنص القرآني، ففهم القرآن يتمّ بدالّة السنة بوصفها سلطة تأويل. تبيّن العروي أنّ "النص الأصلي" خضع لتحويل شامل ضمن "النص الفرعي"، استأثرت السنّة بحق التأويل فكان لا محيد للعروي عن مواجهة السنة وذلك عبر تجذير الوعي التاريخي بظاهرة القرآن.
يبدأ الوعي التاريخي بالقرآن من تناوله بوصفه ظاهرةً تاريخية، أي ظاهرةً برزت في التاريخ وعبره نشأت، نشأت حيث التفت السنّة على فعل نشأتها وتطوها عبر التاريخ. لذلك تكون مقاربة القرآن على خلفية التاريخ بمثابة لقاء مع السنّة، إلا أنّه لقاء تحت رحمة التاريخ ومكره. من هنا يكون التاريخ مطلق المطلقات إنّه شرط القرآن والسنة، به نستعين لفهمهما باعتبارهما يعبران معًا عن ظاهرة المقدس الإسلامي وهو في غمرة التاريخ.
تقدّم السنة القرآن نصًّا فوق التاريخ والحال أنّها صاغت تأويله تحت ضرورات تاريخية. تنفي السنة ضرورات التأويل وتجعل من تأويلها قراءة خالصة مطابقة لروح النص، ترفض أن تكون قراءتها مجرد تأويل وهي بذلك تنفي أن تكون طرفًا في حرب التأويلات المدفوعة بالحدث التاريخي. توجد السنّة تحت نداء التاريخ وتفعل كما لو أنّها سيّد التاريخ، مبتغاها أن تكشف عن نفسها باعتبارها جماعة دون انتماء اجتماعي وأنّ تأويلها محايد بل أنّ مشروعها إلهي، و"لرواية الشفوية اختزالية بطبيعتها، كل سنّة ترتكز على تاريخ مبتسر".
السنّة سنّة، تقليد وتكرار للّحظة المطلقة، تماه مع لحظة الوحي. هكذا تتجاهل السنّة شروط إمكانها هي لأنّها تتجاهل الزمن، تنفي الزمن بوصفه تقدمًا لشروط الإمكان لتحصره في تكرار عهد الرسول، إنّه تكرار يعاند تقدم الزمن، يكابر حيث التاريخ لا محالة صائر سائر. تجهد السنّة كي تظهر بمظهر المجدّد الشرعي الوفيّ للمقدس وذريعتها في ذلك أنّها جماعة الرسول، جماعة تستلهم الحق من مصدره قبل أن يفعل التاريخ فعله فيه، بل لكي لا يتمّ للتاريخ ذلك يكون التقليد هو جهد السنّة الأساس، فالتقليد توقيف للزمن باعتباره تقدمًا للتاريخ وانفصالاً عن الأصل.
تابعت السنة مسيرتها، عبر التاريخ، في نفي التاريخ وضمن كل تمظهراتها يكشف التشخيص عن أعراض متشابهة. فمن الجماعة إلى المتكلم والفقيه هناك إلحاح على البقاء خارج الحدث، أمر يتأكد في صيغة علاقة السنة بالقرآن. فهي، من جهة، تستحضره نصًّا مقدسًا وتنزع عنه، من جهة أخرى، كل طابع ملغز يرافق ظاهرة المقدس بما هو كذلك. تضفي الجماعة إذن، البداهة على ظاهرة القرآن وبالبداهة نفسها تسيّج وجودها الاجتماعي، فهي تحصر ما حدث فيما تناقلته الرواية الشفوية أي مطلق المعقول الديني إذ ما كان ليحدث إلا ما حدث وعلى نحو ما حدث. هكذا أصبحت الفاهمة معطلة والتقصي نشازًا. يرى العروي أن:" في نهاية القرن الخامس الهجري لم يعد يوجد عندنا فكر ليس له تقليد خاص به، يخضع له خضوعًا تامًا...فلم يعد مجال لأية مناظرة صريحة متعمقة مفيدة"فالسنّة هي رجعة الفكر دون رجعة والنتيجة هي تفاوت إيقاع الحياة الذهنية مع إيقاع الحياة الفعلية وهو ما يعكسه اليوم التفاوت بين الذهنية والسلوك. ظل هذا التفاوت يغطي تاريخ الثقافة العربية فهي في التاريخ فعلاً، لكنّها تعمل على نفيه ذهنيًّا ودليلها على ذلك السيرة النبوية كما تناقلتها الرواية الشفوية. يلاحظ العروي أنّه في كل لحظة من التاريخ يعمل رجال السنّة على تشذيب "كل ما علا وظهر، أو فاق وفاض وتعدّى، وكل ما لا يقف عند حدّ معلوم"
. تقابل ردّة الفقيه على التاريخ بردّة مضاعفة من التاريخ، فبعدما كان "أبوحنيفة" رائد مدرسة الرأي يستجيب لمقتضيات الحدث أصبح "ابن حنبل" رائد مدرسة الحديث يحكّم مبدئية الحديث على الحدث. ولأنّ الحديث رواية شفوية لا يخلو توضيبها من أغراض خاصة فهو اختزالي انتقائي يروم الكيد بالحدث، بمنطق الضرورة الذي يشرط مكارم الأخلاق نفسها كما يعرضها الوحي. هذه العلاقة الجدلية بين النفي والإثبات، نفي السنة للحدث من حيث هو في الوقت نفسه شرط فعلها الإقصائي وشرط إثباتها، هذه العلاقة هي مقصد العروي من قوله: "تؤسّس السنة بالرفض والإقصاء وتنتعش وتنمو بالانتقاء والتزكية".
يبحث كتاب "السنة والإصلاح" تاريخ الإثبات والنفي. فقد تراوحت اختيارات الثقافة العربية بين نفي التاريخ والقبول به، وفي كل مرة تخطو فيه الثقافة العربية نحو مصالحة التاريخ يواجه تقدمها ذاك بنزعة نفي التاريخ وتلك كانت الوظيفة الأساس للسّنة، إنّها "رفض عنيد للحدث".
انطلق العروي من الواقع الملموس بدافع المنفعة، لا يكتفي بالتمرين العقلي لتحديد المفاهيم وتصنيف المذاهب بل يجعل من التاريخانية ضرورة تظل تحت طلب واقعة التخلف لينتهى بذلك إلى تحديد مبتغى عمله قائلاً: "أظهرت ضرورة تبني النظرة التاريخية على أساس المنفعة فقط، بدون إصدار أيّ حكم فلسفي قيمي".
حدد العروي القرآن بوصفه ظاهرة تاريخية إلاّ أنّه وككل واقعة تتداخل فيه سياقات من مستويات مختلفة نفسية اجتماعية ولغوية. يبدأ العروي تشخيص السياق بالانطلاق من الخاص إلى العام، من شخصية الرسول التي تتجلى في سلوكه المحدد ببنية اجتماعية لا تأخذه على محمل الجد لا لشيء إلا لأنّه من صغار القوم، ينتمي إلى قبيلة لا شأن لها، رجل فقير وعلاوة على ذلك رجل أمّي. لهذه الأسباب انتهى العروي إلى تقييم وضعية الرسول ضمن سياق يتجاوز أهواء الأفراد وأحلامهم: "ينطلق النبي وهو واع كل الوعي بعائق كبير، هو وضعه الاجتماعي. يدرك جيّدًا أن لا تناسب بين مقاله ومقامه، بين جسامة ما يدعو إليه ودوره المتواضع في المجتمع".
إذن قراءة القرآن في أفق الزمن التاريخي، هذا هو درس كتاب "السنة والإصلاح". لكن هذه القراءة لا تتم إلاّ عبر تحرير الزمن من قبضة التثبيت، تثبيت الزمن الذي هو المقصد الأساس للتأويل السنّي إذ تعرف السنّة أنّ "الزمن هو منبع كل المفارقات التي تواجه المذهب السنّي، بل كل تفكير تقليدي".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا