الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين العقل العلمي والعقل الديني

فاتن نور

2015 / 8 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



يقول العلم الحديث: نحن أبناء النجوم. العناصر المكوّنة لأجسامنا مصدرها تفجرّات النجوم الناجمة عن انهيار قوة جاذبيتها أو السوبرنوفا. وهذا لربما يسلط الضوء على أصول الظاهرة الروحية وأحاسيس الانتماء الوجودي للكون عند الإنسان وما يخامرها من إجلال ورهبة.

لو ظل الدين على أصالته الروحية صافياً نقياً؛ لما تعارض مع العلم كما هو اليوم. لكنها تشوّهت مع ظهور طبقة الوسطاء والوعاظ والكهنة والدجالين الذين دنسوا العمق الروحي بسطحيات نفعية. وبظهور الأديان المنظمة وقيام المؤسسات الدينية، أصبح لهذه الظاهرة الروحية سلطة مركزية؛ قامت بتسويقها عبر الوكلاء والمتعهدين كأيديولوجيا دوغمائية مقدسة تفرض قيمومتها وحدودها على البشر.
هؤلاء الذين حافظوا على الأصالة الروحية في دواخلهم، بعيداً عن التلوّث بالأدلجة المؤسساتية الذكورية، التي انقلبت على النظام الأمومي-الطبيعي وقضت علية، وتعاملوا معها بعفوية وجودية دون وسيط أو رقيب أو ولي؛ هؤلاء هم الراشدون الأنقياء ويستحقون خلافة الكون.. بتصوري طبعاً..

المجال الديني ليس كالمجال العلمي، والعقل العلمي ليس كالعقل الديني؛ فثمة فروقات جوهرية في أساليب المجالين، وثمة هوة واسعة بين منطق العقلين وطرائق تفكيرهما وتدبيرهما للأمور. مع هذا يعتقد غالبية أتباع الأديان بعدم التعارض بين الأثنين قفزاً على جملة حقائق صارخة نوجز بعضها أدناه وبالصيغة الظاهرة بين قوسين (أسلوب وعقل علمي/ أسلوب وعقل ديني):

أساسه جهود دراسية ومثابرة علمية حرة. لا يعتمد حقيقة مطلقة ولا يضيره أن يقول لا أعرف/ أساسه الموروث المتوارث تبعاً للصدفة الجغرافية. دوغمائي، يدعي الحقيقة المطلقة وما يتبعها من مفاهيم مطلقة ولا يتردد أن يقول "أعرف" من حيث لا يعرف.

يؤمن بالتعددية في كل مجالات الحياة الثقافية والفكرية والفنية ويعتمد النسبية والتغيّر ولا يفرض سلطة على العقل/ يؤمن بالآحادية الفكرية والثوابت اليقينية ويعتمد النسبية داخل الصندوق الديني فقط وبتعصب. أهم استراتيجياته، فرض سلطة رقابية على العقل لتحجيم طاقاته. عدائي مع الفنون.

لا يحيد عن المنهجية العلمية في التجريب والتطبيق ويعتمد القواعد البيانية في البحث والاستقصاء وجمع الأدلة والبراهين/ يعتمد النقل والتواتر وقاعدته البيانية متن وسند واجتهاد حر داخل الصندوق الديني فقط.

صريح ومباشر ولا يعرف اللف والدوران، ولا يدعي دون بينة من الأدلة أو البراهين/ مراوغ ومضلل؛ يمتهن الزخرف الكلامي بوجهين كوسيلة للتعظيم والتسفيه. يدعي دون بينة، قاعدته الأساس جملة إدعاءات يقينية دون بينة، ويطالب المعارض أو الرافض لها بـ بيـّنات النفي.

يحترم النظرية العلمية كونها تفسر ظواهر الكون والطبيعة وبواطنها بمنهجية معلوماتية رصينة لا تتعارض مع القوانين الطبيعية/ انتقائي، يستخف بنظرية علمية ويستثمر آخرى، نتيجة الجهل بطبيعة الشغل العلمي المنتج للنظرية.

لا يقبل تزوير الحقيقة أو التلاعب بها أو اختلاقها ولا يستثمر المعارف الدينية في مجاله ولا يستند إليها/ يقبل التزوير والتلاعب ويختلق ثم يبرر بكفاءة ميتافيزيقية متميزة. انتقائي في استثمار العلم ضمن مجاله.

لا يردع السائل ويجيب بحدود المعرفة العلمية في مجاله. منفتح على على الحياة وتطورها المستمر ويتوعّد البشر بالمزيد من زاد المعرفة العلمية/ يردع بدوغما الخطوط الحمراء ويجيب خارج سياق السؤال غالباً. منفتح على حياة الآخرة؛ ودائم التذكير بنعيمها وجحيمها في عطلة نهاية الأسبوع خصوصاً، حيث راحة الأتباع.

يتناول الأخلاق بصفتها إنتاج بشري نسبيّ ومتغير من المفاهيم التي تنظم التعايش الجماعي/ يتناول الأخلاق بصفتها ثوابت مُنتَجة إلهيا أو بشكول مقدسة.

يسهل التحاور معه على أساس المنفعة الفكرية والعلمية المتبادلة ولا يتهم الآخر بالظن/ يصعب التحاور معه وغالبا ما ينقلب الحوار الى جعجعة لإثبات الذات والهوية وعلى أساس أما النصر أو الهزيمة المنكرة، يثق بظنونه ثقة يقينية أو تكاد، ويتهم الآخر بموجبها.

نختم بالمثير الذي يستحق الدراسة على ضوء ما يقدمه العلم الحديث عن كيفية عمل المخ البشري وطبيعة نشاطه الموجي-الكهرومغناطيسي إثناء التفكير والإنتاج المعرفي: وهو أن صاحب العقل العلمي إذا كان متديناً، وصاحب العقل الديني إذا كان عالماً بالمعني العلمي للعلم بفروعه الطبيعية؛ كلاهما يفصل بين العلم والدين في المجال العلمي فصلاً تاماً؛ لما يفرضه العلم من أكاديمية مهنية لا تسمح بالمفاهيم غير العلمية أو الميتافيزيقية. أما في المجال الديني؛ فثمة تسيّب نفعي وتداخل؛ فقد يستثمر كل منهما العلم أو يتجاهله تماماً وبانتقائية غائية حسب ما تقتضيه المصلحة الدينية. ولهذا نسأل:إذا كان المجال العلمي يدفع العالم المتدين/ المتدين العالم الى صحوة عقلية لابد منها لممارسة العلم ضمن مجاله بوعي وتركيز، فهل يدفعه المجال الديني الى الانفصام الفكري والازدواجية لممارسة الدين؟ وكيف يستند مخ الإنسان في المجال الديني على أساسين بينهما مشقة اختلاف جوهري؛ ثم يدعي إنتاج معرفة عقلانية ضمن المجال؟
لهؤلاء الذين يمسكون العصا من المنتصف كي يبدوا لطفاء على باب الاعتدال لربما؛ أقول: من المهم أن نكون لطفاء معتدلين، لكن الأهم والضروري جداً، أن لا يكون هذا على حساب الحقيقة أو بخداع الذات والآخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24