الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية - هيكل هبوط القمر (11)

حمودي زيارة

2015 / 8 / 27
الادب والفن


الفصل الخامس

نمى بيمان كطائرة ورقية تداعبها دفقات الهواء. يطعن رخاوة الطين بخطواته الفجة، في بواكير غضارة سنواته. وريعان تراهق عمره. شظف كلماته البليدة، تعزف لحن القلق والخوف في أسماع أترابه، لأنه يلثغ بمفردات، كان يسمعها من أبيه الذي أعتقد معظم أهل القرية، وفق ما روج له بيدار، بأنه، كان ينتمي الى منظمة سرية مكاتبها في أحدى دول أسيا الوسطى. في البداية، الناس في قرية الملاك تعرف، بأنه على صلة بدوائر مشبوهة، لأنه يعبر الحدود مرتين في الشهر، ويخطر في الدروب بسيكار كوبي. أنتهت عائلة بيمان الى القرية قادمة من خارج الحدود. ألتقى أبوه بسامان الذي أعتقد البعض بأنه الملاك، لدماثة روحه، كعادة القادمين الجدد، ليأخذ الأذن بالمكوث في القرية. في العادة، القادم الجديد، عليه أن يخبر سامان عن قصته، وسبب مجيئه. لم يفش سامان قصته، لكنه قال لطالب عندما سأله عنه، بأنه رجل سياسي مهم في بلده. قدم مع أبيه الى القرية، في بداية قدومه، كان طفلاً يحبو، يتمتع بالنظر الى تخدج أولى خطواته، عندما شرع يغامر بحمل قوامه على وهن خطواته. عابث النهر كما بقية الأطفال. وما أن زين شاربه الدقيق سحنته، ولملم عقله أوراق سذاجة القرية. حزم أمره في ليلة ضلت تفاصيلها من شدة الظلام، أستقلت خطواته بساط الريح وحمل خوفه وهرب الى صخور الجبال البعيدة، تاركاً أمه وأخيه الصغير رهن بيتهم الهش الذي يحتوي ذكريات وسر أبيه، وقلق أمه. أحتفلت مآقيه برقود قريته بثوبها الأسود في أحضان الليل، قبل أن يتوارى بكشح الصخور من كرباج الحياة القاسي.
بعد مقتل أبيه الذي رمس جذوره كالأعشاب، ما أن أنتهت رحلته المتعبة الى القرية، التي دفنت رفات توجسات خوفها في طين القرية، وحزنها منذ ولادتها في بقعة ضوء القمر وبين أعشاب السماء الربانية. لم يشنف صدى أهازيج ولادتها من أحد، سوى أكنان الطيور المغروسة في صمت الجبل، ونهرها المتيم بأردانه. حيث أختطف أبيه بشاحنة مظللة مخيفة، من قبل مخابرات بلده الأم، حسب ما لهج به أهل القرية وبمساعدة بيدار الذي ما فتأ يحمل ضمير شرطي في قلبه. مزودة بصندوق صفيح محكم، يستلقي على نصفها الخلفي بأضلاعه المكعبة. الصندوق برز كقدر مرعب، حاكماً قبضته بأوصال العجلة، ليبقى فراغ زنزانته المتنقلة، مقصلة للقتل. صلد وسميك بمرارة، بحيث لايوجد فيه ثقب واحد، بمقدوره أن يستضيف نفثة هواء. كان الجو في ذلك الوقت الذي تم فيه ألقاء القبض عليه، خانق وصائف. أسهبت المركبة في غمز أسفلت الطريق لوقت طويل مستوفزة نحو الجنوب. أنهال أبوه بقوة دون أن يبالي بالخوف الذي أنتاب قلبه، بالضرب بكلتا قدميه، فقد كانت يديه مقيدتين الى الخلف، على الصفيح الحديدي الذي أحرقه، لهيب الشمس وجعل منه أتون يغلي. رفع عقيرته بالصراخ والتوجع، متضرعاً الى روح الملاك. بعد أن أخذت سحب الهواء الشحيحة العائمة في الفراغ، تتلاشى وتحترق على مساند القفص الحديدي. أنهار جسده، وهو يحاول أن يلوذ برمقه. مات أخيراً بعد أن نضبت رئتيه أخر أنفاسها. في اليوم التالي، عندما كانت الشمس تنزع فستانها من الجبل بهدوء، ظهر شرطي في القرية يسأل عن بيتهم، وما أن أهتدى اليهم، أبلغهم بأن جثته في مركز شرطة المدينة التي تبعد ساعتين عن القرية. عُثر عليها مرماة على ناصية الطريق، وقد وشحت حول صدره بثلاث عصائب، عملت من أسماله. ذهب سامان مع مجموعة من أهالي القرية الى المركز لجلب الجثة التي تفحمت من الشواء، دفنت في مقبرة القرية المتوارية، المتوغلة بين أشجار الجوز. لم يتمالك بيمان نيران غضبه، بكى كمطر الغيوم حينها، أغميّ عليه، تكالب بعضهم بأسعافه، من أجل أن يحملوه بسرعة الى أعالي الجبل، كيما يستنشق هواء طازج. رجع الى وعيه بعد ساعة. شاور أمه بعد أنقضاء شهر من موت أبيه:
- بأن بقائه هنا سوف يعرضه الى الخطر ، أو ربما يعطب جسده بأقفاص الشواء ، أو إنفعال ضد الحكومة يجعله يفقد حياته.
كاشف أمه:
- بأنه يريد أن يهرب ويبقى في الجبل .
أنهمرت دموعها، وبصوت مختنق قالت:
- لا أريد أن أعطيك الى الجبل دون أن أراك، لكن وجودك في الحياة، هاجس جميل يعطيني جزء من الفرح ، أفضل من قتلك.
قبل أن يلقي كلمات الوداع، ألتقط علم بثلاث خطوط، يعود الى حركة أبيه، ولهذا وجدوا ثلاث عصائب على صدره، التي ربطها أبوه من أسماله قبل أن تخترم أنفاسه، ليصرخ بوجه جلاده بأنه لم يتهاون رغم مسابر الموت، وأخذ كلب حديث الولادة لونه يميل الى الأحمرار أيضاً. كان الوليد الخامس من كلبته شيرين التي جلبها من ناصية الطريق في يوم ماطر، كانت في حينها تلوذ بأطار يتعكز على حائط مهشم. بقى في الجبل لعدة سنوات مع كلبه سوزدار، يقاتل مع الثوار الأكراد. كان في الأثناء، يتسلل بمرات متفاوتة بخلسة في دجنة الليل لرؤية أمه وأخيه وطالب. على طول سنوات وجوده في جبهات الجبل، كان طالب يحثه أن يبقى في الجبل، لأن الأقدار كشرت عن مصائبها بسبب كتيبة العبيد التي حولت قرية الملاك الى أكنان للحزن والخوف. وبسبب ذلك، أمن أهل القرية، بأن القمر سوف يدمر القرية في يوماً ما، لأنه لا يريد أن يدنس أرضه، ويساء الى منتجعه.
تعلم بيمان هناك في قمم الجبال مع ندف الثلج والبرد فنون القتال، أكتسب مراس عنيد. فنون القتال خلقت منه مقاتل فطن وحاذق. هذه المهارات لم تخذله أثناء لحظات أشتداد القتال، ونوبات القصف، والكمائن. كان يخاتل في مسارب الجبال التي أصبحت له كخارطة قريته، يعرف كل شئ عنها، ويعرف أين يكون أن تعرض مع فصيله الى هجوم أو مناورة. وأين يستطيع أن يوارب في سفوح الجبال. كان كلبه سوزدار معه يلازمه كظله لا يزايله ولو لوهلة. في ليالي الهدنة والحذر، عندما يسكن أزيز جنون القذائف، يلقي سوزدار رأسه المدبب على يديه، يترك حدقتيه الواسعتين، تستمر في دورة كاملة تجوب أركان المكان. يلتصق بجسد بيمان الذي مال بنشاط الى أذكاء نار الموقد. لهب الموقد المتوهج تعهد بأضاءة عتمة المغارة. كان الجو حينها قارس يكاد أن يحز الأنفاس، عندما شعر بتضور الجوع يهرس معدته. هبط مع سوزدار الى مسارب الغابة يتفحص الفخاخ. الضباب الكثيف أحتل فراغ الغابة، الممرات تبدو مخيفة وكأنها دهاليز أنفاق مدن الحرب. تطفل الى سمعه صوت غزال يتوجع. طارد أثر الصوت حتى أنتهى الى حفرة عميقة، فوجد الغزال منهك من محاولات الخروج من الحفرة التي حفرها وغطى ثقبها بأوراق رطبة بعد أن عمدها بعيدان الأغصان. وبطلقة عاجلة من بندقيته، خمدت أنفاسه في الحال، الأمر الذي يسهل عليه النزول الى قاع الحفرة، ويخرجه دون أن يصاب بركلة من معب الغزال. كبر سوزدار مع تقدم خطواته في القتال عند الجبال والكهوف، تعلم الكلب أن يتعرف على جنود النظام، فيعطي أشارة بنباح متقطع التي أصبحت معروفة عند المقاتلين. في أحدى المرات أستقرت طلقة في ذراع بيمان الأيسر الذي كاد أن يبتر، فأضطر فصيله أن يحمله الى قرية أيرانية خارج الحدود، ليبقى حتى يتماثل للشفاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا


.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف




.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??