الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحتمية التاريخية وممكن الحتمية

عماد صلاح الدين

2015 / 8 / 30
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



يرفض علماء السياسة والاجتماع مسالة الحتمية التاريخية، وان التاريخ يعيد نفسه أو يكرره؛ فالعلوم الإنسانية الحديثة لا تسلم بان خط ومسار المرحلة التاريخية، مهما كان معطيات واقعه وماهية ظروفه وملابساته، غاية في التدهور والسوء، على المستوى الإنساني، يستطيع أن ينفذ في عموم عمليته المتشكلة، في النسق الكلي للاجتماع الإنساني، في مرحلة تاريخية ما، وفي بيئة مجتمعية محددة، إلى نهايات الخط أو المسار السلبي، لواقع متعين ما، مهما بذلت المحاولات الإنسانية، على غير صعيد، في التصويب والتصحيح والتعديل؛ ايجابيا أو إرساء لمحاولات الإعداد والتهيئة، للبنى الإنسانية المختلفة والمتنوعة؛ ماديا، ونفسيا، وعسكريا، وسياسيا، وغير ذلك، لوقف تدفق سيل ذلك المسار التاريخي، في مرحلة معينة الجارف، لأجزاء من متعين إنساني تاريخي ديموغرافي جغرافي طبيعي ووجودي وحتى متكون حضاري، وربما لأجزاء قد تقارب من الجسم الكلي الأعظم منه؛ ذلك حين تصل المجتمعات والأمم وربما الجماعات الإنسانية إلى مرحلة متقدمة من السقوط والتخلف، في سياق دورة الإنسان الكاملة، في التفاعل الطبيعي والكينونة المتقدمة؛ استحداثا، وفي الكينونة الهابطة إحداثا.

ومع أن هذا الطرح أعلاه، والذي صار نظرية في المعرفة الإنسانية، في سياقات تصورية ورؤيوية، في السياسة وعلم النفس وعلم الاجتماع، وربما حتى في العلوم المالية والاقتصادية، هو صحيح ولا شك في جوهرية النفس والإرادة الإنسانية الطالبة دائما، لتفعيل عموم الجوانب العقلية والمنطقية فيها، لمواجهة الصعوبات والأزمات والتراجعات الطارئة منها أو المستحكمة، هذا فضلا عن القيامة الطبيعية الابتدائية والاستمرارية لخط نهج السير الإنساني، في التوجه نحو الفاعلية الايجابية والإحداثية والاستحداثية (الإبداعية)، في مجالات ومسارات الحياة الإنسانية المختلفة والمتنوعة. وعلى حد قول الفيلسوف أرسطو طاليس فان التاريخ والطبيعة يكرهان الفراغ؛ فالنفس الإنسانية على الرغم أنها تميل إلى الفراغ والراحة والدعة، إلا أنها تكره متحققات الانهيار والسقوط والتخلف، في الظلم والتمييز والعبودية والاستبداد والطغيان، واستهداف الإنسان في حياته وحريته وكرامته.

وبهذا، فان الحتمية التاريخية والتاريخ يعيد نفسه أو يكرره، كقاعدة ومبدأ عام، هي فكرة مرفوضة تماما، وتناقض منظومة المرجعية والتواصل والامتداد الديني الإنساني في السعي نحو الإمام ايجابيا، وفي الإمكانية القائمة على العموم في التحويرات والتعديلات والتصويبات المرغوبة إنسانيا، في عموم خط المسارات والمراحل التاريخية، وفي تفصيلة وجانب حياتي على امتداد قيام المجتمعات والأمم جيلا بعد جيل، وفي كل المجتمعات الإنسانية، وعلى مدى الأيام والزمان.

لكن هذا لا يعني سواء على مستويات فردية أو أعلى بقليل، عبر مستويات مجموعية إلى مستويات مجتمعية وأممية، تحقق مسار ومرحلة تاريخية في سياق سلبي، على صعيد مؤديات السقوط والتخلف والجهل والفقر والمرض، إلى حيث وقوع ممكن الحتمية التاريخية، وعلى صعيدين تقليديين في التجربة التاريخية قديمها وحديثها.
وهذان الصعيدان إما 1- مؤدى الديكتاتورية والاستبداد السياسي الرسمي والاجتماعي في متحقق مجتمعي ما(داخليا)2- مؤدى الغزو والاستعمار والاحتلال، وتطبيق سياسات تطهيرية وترحيلية وتمييزية ( ترانسفير مؤقت، ترانسفير نهائي إبادي) وإما أن يكون هذا الاحتلال والاستعمار تقليديا جدا، كما هو حال عموم التجربة التاريخية، في احتلال الأرض، وعدم المساس باستقرار مكانهم، وقيامة معاشهم.
هذا، وإنني أرى ما حصل في فلسطين في الفترة الممتدة ما بين عامي 1918-1948، زمن الانتداب البريطاني، وعمل المجموعات اليهودية الصهيونية في القتل والاستيطان واستهداف الفلسطينيين، وبرعاية ومساعدة شبه كلية من السلطات البريطانية، التي مهدت لسيطرة الحركة الصهيونية على الجزء الأعظم من فلسطين، في سنوات 1947 1948 1949، هذا الذي حصل، ومن جديد، يقع ضمن ممكن الحتمية التاريخية كاستثناء من عموم مرفوض في الحتمية التاريخية كقاعدة أو مبدأ أو تصور شامل ومطلق، لا ينفع فيه مبذولات الجهد والإعداد لتفاديها كسلبية شاملة، وذلك للأسباب التالية:
1- إن فلسطين كانت جزءا من الدولة العثمانية التي حكمت المنطقة لقرون طويلة، وكانت في بداية عهد الانتداب الانجليزي خارجة لتوها من عباءة العهد العثماني، الذي اصطلح عليه الغربيون بتسميته رجل أوروبا المريض، الذي سيجري تقاسمه إن عاجلا أو آجلا بين الاستعمار الانجليزي والفرنسي.
2- إن البنية الإنسانية في فلسطين، وتبعا لما ورد في السبب الأول أعلاه، كانت تعاني من الانحطاط الإنساني والديني والاجتماعي، في إطار مظلة كاملة من الأدواء الإنسانية والاجتماعية، في الفقر والجهل وعموم المرض، ولذلك فان تحميل البنية العائلية والقبلية وصراعاتها وصراعات قيادتها مسؤولية مسار بأكمله ومرحلة تاريخية بأكملها، فيه إجحاف وظلم كبيرين. وان كان هذا لا ينفي أبدا ارتكاب تلك البنى العائلية المتنفذة في مجتمع فلسطين أخطاء وربما خطايا سياسية ووطنية.
3- كذلك، فان البنية الإنسانية العربية عموما وفي كافة أقطارها، كانت تعاني من الأدواء نفسها في الانحطاط والتخلف وامتداد جملة الفقر والجهل والمرض والطبقية والتهميش الكلي. هذا بالإضافة إلى أن الدول العربية في أواسط الأربعينيات، وحتى فترة مبكرة من ستينيات القرن العشرين، كانت توقع معاهدات جلاء القوى الاستعمارية عنها؛ على شكل استقلال وطني، لكن جوهره كان تبعية لتلك القوى الاستعمارية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: الرئيس يجري تعديلا وزاريا مفاجئا ويقيل وزيري الداخلية


.. ما إجمالي حجم خسائر إسرائيل منذ بداية الحرب على قطاع غزة؟




.. بعد فشله بتحرير المحتجزين.. هل يصر نتيناهو على استمرار الحرب


.. وائل الدحدوح من منتدى الجزيرة: إسرائيل ليست واحة للديمقراطية




.. وول ستريت جورنال: أسبوع مليء بالضربات تلقتها مكانة إسرائيل ا