الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تناقضات فكرية لليسار العربي كان لها نتائج كارثية

حسن الصفدي

2015 / 9 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


على الرغم من أنه يتوجّب على كل يساري متمكن فكرياً معرفة أن كل فرد هو ابن جماعته الخاصة ومجتمعه العام في آن معاً، وأنه عندما يبلغ معظم الجماعات المجتمعية مرحلة من الارتقاء، تُفرز من بين أبنائها اللامعين – لأنه لا تساوي في الطبيعة – من تضع على عاتقهم السعي إلى ترسيخ الأفكار الوليدة وإقامة البناء الجديد، المناسب لها، والمُتخيل مجتمعياً كإرهاص في الأساس. وطبعاً سيكون في مقدمة اللامعين أبرزهم كاريزمية....

كما أن على كل يساري يتنطع للعمل الفكري – السياسي أن يُحسن قراءة التاريخ وفق المناهج التحليلية النقدية الحديثة، لا أن يكتفي بتلاوته تلاوة تقليدية صماء - بحكم العادة المسيطرة -، أو أن يورد - لا إرادياً - خطابة أو وعظاً، لا فرق، مقاطع محفوظة أو رائجة، ويتخيّل أنه قد نطق درراً، إنما في عالم التكرار والاجترار....

أن يكتب أحدهم، ويردد آخرون من بعده: أننا بحاجة إلى إحياء ثورية الخوارج! فعن أي ثورية يتحدث؟! أتراه وعى جيداً مسألة سيرورة المجتمعات في إقامة بنائها الجديد؟ عندها سيتبيّن له أن الخوارج ما هم سوى فوضويو ذلك العصر بدليل انقساماتهم وتشرذمهم وإصرارهم على قتال مخالفيهم ورفض الحوار. وعندما يكتب آخر ويردد آخرون: عن إحياء عقلانية المعتزلة! تطرح جملة أسئلة نفسها: هل المهم حالياً وجود صورة أخرى للغيبية؟ ثم بأي معنى نستخدم حالياً المنزلة بين المنزلتين؟! ثم لمَ يتناسى الجميع تلك الشمولية الفكرية التي حاول المعتزلة فرضها (المأمون واجهتهم السلطوية) بإجبار كل عالم على القول بخلق القرآن – قضية إشكالية كلامية – ومن لم يقل بذلك سُجن، ومن هنا جاءت القيمة المعنوية للإمام أحمد بن حنبل (وهو المحدّث وليس الفقيه) الذي رفض وبقي مسجوناً طوال فترة ثلاثة خلفاء حتى أطلقه المتوكل، الذي كان المنفّذ لعدم قبول المجتمع لتنطع المعتزلة إلى القسر لفرض مقولاتهم الكلامية....

أما أولئك الذين يتغنون بثورية القرامطة، وأنشأوا المؤلفات من أجلها، فلهم سؤالان. الأول من المعروف ان لكل ثورة هدف، إن لم يكن أهداف، بعيد المدى، فمثلاً الثورة الفرنسية، على الرغم من قساوة أحداثها وبشاعة ما حدث في غمارها، تركت ليس للفرنسيين فقط، بل للعالم أجمع، تراثاً لا ينكره سوى أميّ أو جاحد. والسؤال الثاني: هل يتخيل عارف بالتاريخ مطلع على علم الاجتماع، ناهيك عن الماركسية، أن ثورة "سبارتاكوس" كانت تحمل في طواياها بذور دولة أرقى من الامبراطورية الرومانية؟! أم أنها في واقعها حملت هاجس "الحرية" وبشّرت بها، فما بعدها ليس مثلما كان قبلها، على الرغم من البطش الشديد الآنيّ....

في واقع صيرورة المجتمعات لا يجوز أن تعاند قوة السياسة قوة التاريخ، فحين تعاند قوة السياسة قوة التاريخ ولا تستطيع استيعابها فقد تذهب إلى الفشل. وعلى هذا أقول: ليهنأ المعجبون بالخوارج، باحتفائهم بأول المكفّرين على العموم وبالتبعية (أبناء المكفّرين) والداعين إلى السمع والطاعة لولي الأمر (كائنا من يكون). ومبروك للمشيدين بضبابية مفاهيم المعتزلة وميلهم إلى فرض طريقتهم في الاستنتاج على الآخرين. وللمبهورين بما فعله القرامطة أن يلمسوا لمس اليد استمرار تفكيرهم في أذهاننا من الاستمرار في التعامل الساخر من معتقدات الأخرين والاستهتار بمقدساتهم دون أي رادع، وأيضاً عدم احترام خصوصية وما يخص أفراد جماعتهم.

لنحاول لدقائق تحييد عواطفنا، وتسليط نظرة نقدية موضوعية إلى ما يحدث بين ظهرانينا، ألسنا نرى ونلمس الحدوث الواقعي لما كنا نتغنى به، من مفاخر وأمجاد، وكنا نلاقي التشجيع والإشادة ممن كنا نظنهم كباراً ثم تبيّن أنهم أقزام فكرياً.........








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟


.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا




.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال