الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعتزلة فرقة عقلانية

مهند احمد الشرعة

2015 / 9 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الـمعتـــــــــزلـــة فـــــرقــــــــة عــــقلانيــــــة:

مع استلام معاوية بن أبي سفيان للحكم بدأ معاوية بنشر مفهوم الجبر وذلك لجعل خلافته أمرا مقضيا من الله وارادة منه فمن يعترض على ذلك فهو معترض على إرادة الله وقضائه وقدره وقد قام خلفاء بني أمية الذين أتوا من بعده بتثبيت هذا الفكر ودعمه ونشره لجعل سلطتهم سلطة الهية لا يجوز الاعتراض عليها مما أدى لظهور فرقة القدرية على يد غيلان الدمشقي ومعبد الجهني وعمرو المقصوص و تعد هذه الفرقة النواة التي خرجت منها فرقة المعتزلة.
إن الناظر للتاريخ الاسلامي والتاريخ بشكل عام يعرف بشكل ملحوظ أن لكل فعل ردة فعل وأن لكل فكر فكر يرد عليه وينبثق كردة فعل عليه ربما يكون الأمر قريبا بعض الشئ لفكرة هيغل النفي ونفي النفي بما يعرف بالطريحة والنقيضة والشميلة او الجميعة الا أن الامر أيضا هو صراع طبقي وصراع عناصر خاصة عندما تتعلق الأفكار بالسلطة والسياسة.
لقد عرف الأمويون أن القدرية في ذاتها تشكل خطرا على كرسي حكمهم فقاموا بمحاربتها بشتى الوسائل وقاموا بقتل غيلان الدمشقي في محاكمة صورية بعهد هشام و بطبيعة الحال فقد وصلتنا هذه المحاكمة ولكنها مكتوبة بيد المنتصر.
وقبل أن نخوض بالمعتزلة فقد تولى الحكم خليفتين يقولان بالقدر من بني أمية هما يزيد الناقص ومروان الجعدي.
يرجع البعض أن المعتزلة بالاصل فرقة أسسها واصل بن عطاء وذلك لاعتزاله مجلس الحسن البصري بعد مسألة المنزلة بين المنزلتينوقد كان واصل على قدر كبير من العلم والبلاغة ومن فينا لا يعرف خطبته المشهورة التي لم تتضمن حرف راء واحد إذ كان واصل يعاني من لثغة في لسانه. ومن مؤسسيها أيضا عمرو بن عبيد الذي كان على صلة قوية بأبي جعفر المنصور وقد كان لعمرو بن عبيد دور كبير بمسألة مشاركة المعتزلة بثورة محمد النفس الزكية ضد المنصور فبينما كان بشير الحمال المعتزلي مؤيدا لثورة محمد النفس لزكية ومشاركا فيها فقد عارضها عمرو بن عبيد بشكل غريب اذ اعتبر أن من شروط الخروج أن يكون عدد الخارجين على الامام على عدة أهل بدر ويجب أن يكونوا روحيا ودينيا مثلهم وهذا شرط مستحيل جدا بالنسبة للمسلمين فكيف سيكون الخلف كالسلف وخاصة على عهد النبي محمد ؟!!!
وقد كان ذلك بداية الانقسام للمعتزلة ويجدر بالذكر أن المعتزلة لقبوا بحمائم الخوارج وذلك لقعودهم و قد كان لهم دور كبير في الاسلام و بالرغم من الصعوبات التي لاقوها.
يجدر بالذكر كأمر طريف أن المنصور كان يحب عمرو بن عبيد لزهده وفكره ورفضه للهدايا وقد قال به المنصور شعرا من الرجز:
كلكم يمشي رويد....كلكم يطلب صيد....غير عمرو بن عبيد
وقبل أن أخوض بالمسألة المهمة يجب أن أذكر بعض الاسماء المهمة من المعتزلة مثل أبو هذيل العلاف الذي أسلم على يده ما يقارب من 3000 شخص وبشر بن المعتمر الذي نذر أن يسلم على يده في كل يوم شخصين فإن أخطأ في يوم قضاه ومعمر بن عباد الذي حل معضلة السمني وزير ملك الهند عندما فشل قاضي قضاة الرشيد في حلها وكاد أن يوقع الخليفة هارون الرشيد في مأزق كبير.وثمامة بن الأشرس العالم والمرح والقاضي. الطريف بالامر أن هؤلاء لم يشفع لهم ما فعلوه للاسلام وكان جزاؤهم التكفير انظر الفرق بين الفرق لعبدالقاهر البغدادي.
لقد تعرض المعتزلة للاضطهاد على زمن المهدي وابنيه الهادي والرشيد وكان المعتزلة من الاسباب التي دفعت بالمهدي لانشاء ديوان الزندقة هذا الديوان الذي كان عبارة عن محكمة تفتيش مهمتها الأساسية القضاء على أي فكر يتعارض مع فكر الدولة خاصة وأن الخلافة العباسية استفادت من فكرة الجبر الأموية وطورتها و أضافت لها فكرة العائلة المقدسة وروجت لذلك أحاديث ونبوءات مثل: أن الخلافة في بني العباس الى يوم القيامة و أن الامامة فيهم وأحاديث الرايات السود وغيرها مما شكل لدى الناس هالة مقدسة حول هذه الخلافة وقد شعروا بصدمة كبيرة بعد سقوط الخلافة على يد هولاكو سنة 656 هـ ــــ 1258 م فظن الناس أن القيامة قد اقتربت.
وفي اواخر عهد الرشيد تم اطلاق المعتزلة من السجون خاصة بعد حادثة السمني وانتشار الكلام و الجدل وقيام الاديان الاخرى بالطعن في الاسلام ولم يكن لدى فقهاء النقل القدرة على الرد عليهم فتم تسليم هذا الدور للمعتزلة الذين كانوا على معرفة كبيرة ومنهجية عالية للرد عليهم فقد كان المعتزلة يوفقون بين العقل والنقل وكانوا يعطون العقل جانبا كبيرا من الأهمية في تفسيرهم للقران يشار الى أن المعتزلة وصفوا بأنهم كانوا يقرأون القران بيد ويقرأون ارسطو باليد الأخرى.
إن المسألة المهمة هنا هي مسألة خلق القران التي قال بها المعتزلة والتي انتبه لأهميتها المأمون خاصة بعد ازدياد سلطة أهل الحديث بشكل خطر فقد كان المأمون ومن سبقه من الخلفاء لا يطبقون أحكام الشريعة الاسلامية ويعد سجن المطبق في بغداد دليلا على ذلك فقد امتلأ السجن باللصوص والقتلة وقطاعي الطرق وغير ذلك يضاف الى ذلك أن المدن الاسلامية في تلك الفترة وصلت لدرجة من الترف الحضاري تعتبر قياسية بالنسبة الى مقاييس ذلك العصر فانتشرت الحانات والخمارات ودور البغاء حتى أن أطفال الشوارع كانوا حالة طبيعية في تلك الفترة ولم يهتم بالزكاة إذ كان للتجارة الحرة دور كبير ومهم في دعم ميزانية الدولة وتحضير الناس وانتشار روح التنافس لديهم أضف الى ذلك انتشار الفرق والاديان والاقوال الأخرى بين عموم سكان الدولة خاصة في العاصمة وفي خراسان والمشرق الذي يعتبر خزان الدولة العباسية البشري والاقتصادي.
إن القول بخلق القران لو دققنا في هذا الموضوع يعطي للعقل امكانية أكبر إذ أنه يعتبر القران مخلوقا أي أن أحكامه متغيرة بل ويمكن المجتمع من عدم تطبيق احكامه و جعل الاحكام مرتبطة بولي الامر مما يعطي ولي الأمر صلاحيات أكبر خاصة وأن العباسيين أحاطوا أنفسهم بالفقهاء وأشركوهم بشؤون الدولة مما أدى لامتداد صلاحياتهم وكلنا يعرف أن المخلوق أو من أوجدته الطبيعة يبقى في حالة صيرورة وعدم جمود الا أن أهل الحديث رفضوا ذلك وليس ذلك لعلمهم أو لمعرفتهم أو لتدينهم إن هذه الأمور باطلة للغاية إذ كان الأمر مرتبط بسلطتهم ونفوذهم المهم جدا بالنسبة لهم.
يجدر بالذكر أن خطاب المعتزلة هو خطاب خاص عقلاني مختص بالمثقفين في ذلك الزمان وهذا ادى الى عدم فهمه من العوام الذين كانوا مع أهل الحديث ذلك لكون خطاب أهل الحديث خطاب عام عاطفي حتى أن البعض اعتبرهم في بداياتهم من الشيعة والبعض اعتبرهم من الخوارج!!!
لقد استمر المعتزلة بالوجود القوي الى عصر المتوكل الذي وعند توليه للحكم بدأ بعملية محاربة لفكر المعتزلة ونصر أهل الحديث فمنع الكلام والجدل وتتبع المعتزلة وسجنهم والغريب في الأمر أن ابن الراوندي الملحد الذي كان على صدام مع المعتزلة لم يلاحق وذلك لتأليفه ضد المعتزلة والرد عليهم ولم يذكر بأنه تم ملاحقته سوى من رواية واحدة ذكرها ابن البلخي وذكر أنه تم ملاحقته في أواخر ايامه.
ولم يكتفي أهل الحديث بذلك بل قاموا بالقضاء على المعتزلة وكتبهم وردودهم فلم يصلنا الا شئ بسيط من فكرهم مع ردود أهل الحديث عليهم مما لا يعطي مصداقية كبيرة لما نقل عنهم نضيف الى ذلك أن ما نقل عنهم نقل على يد أعدائهم من أهل الحديث وذلك للقضاء على وجودهم بشكل كامل بامكاننا اعتبار المعتزلة أنهم مثقفي ذلك العصر بل النخبة ونخبة النخبة فهم لم يكتفوا بأخذ النصوص من فلاسفة اليونان والمسيحية وغيرهم بل قاموا بعملية توليد نصوص لها لجعلها متناسبة مع ظروف العصر والمجتمع والدين الذي يعتنقوه.
يجدر بالذكر أن معتزلة بغداد اندمجوا مع الشيعة وقد استفاد الطرفان من ذلك فقد اصطبغ التشيع بعقلانية أكبر خاصة الزيدية واستفاد المعتزلة من القاعدة الجماهيرية للشيعة يضاف الى ذلك فإن أصول التوحيد والصفات لدى كل المذاهب الاسلامية نابعة من علماء تتلمذوا على يد المعتزلة أو كانوا منهم وأن ميع الفلسفات الاسلامية خرجت من هذه المدرسة الأولى التي انبهر بها المستشرقون مثل نيكلسون وجولدتسهير ونيبرج.
أتسائل كشخص مفكر قبل أن يكون ملحد ماذا لو استطاع العقل التغلب على النقل هل كان الواقع الاسلامي بهذا الشكل ؟ هل سيبقى الكثير من المسلمين متمسكين بتشريعات أكل الدهر عليها وشرب؟ أعتقد أن الواقع سيكون مغايرا تماما.
أشير الى أن حتى فكر المعتزلة بالنسبة لمقاييس عصرنا يبقى فكرا قروسطيا ولكنه يعتبر ظاهرة غريبة جدا ومميزة جدا بالنسبة الى ذلك العصر أعتقد أن الاسلام بحاجة الى معتزلة جدد ليصلحوا دينهم بشكل عقلاني يتناسب مع العصر الحالي فليس من المعقول أن يتغير العالم لأجل المسلمين!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناخبون العرب واليهود.. هل يغيرون نتيجة الانتخابات الآميركي


.. الرياض تستضيف اجتماعا لدعم حل الدولتين وتعلن عن قمة عربية إس




.. إقامة حفل تخريج لجنود الاحتلال عند حائط البراق بمحيط المسجد


.. 119-Al-Aanaam




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تكبح قدرات الاحتلال