الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محنة إبن رشد

الشدادي عزالدين

2015 / 9 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


محنة إبن رشد



لم يسلم تاريخ الفلسفة والمعرفة بشكل عام العلمية منها والرياضية من محن ونكبات سطرتها كتب التاريخ ، وفصلت محتوياتها اللقاءات الفكرية والعلمية موضحة أسبابها ودوافعها.
من بين هذه المحن نقف عند محنة الفيلسوف القرطبي ابن رشد التي كانت محور مداخلة العديد من الباحثين تأليفا وتفصيلا إلى درجة تم وصفها بالجريمة التاريخية في حق المعرفة وفي حق فيلسوف جمع بين العقل والنقل ، ووفق بين ماضي وحاضر على أساس ما هو نقدي ومنطقي.
تعود تفاصيل هذه المحنة إلى جملة من الظروف التاريخية والاجتماعية والسياسية التي ميزت عصر إبن رشد ، وما أفرزته هذه الظروف من صراع خفي سرعان ما أصبح باديا للعيان بين رجال الدين وخدام بلاط الأمير ورجال العلم والفكر ، وكشف لنا هذا الصراع النقاب عن منحيين ، منحى يدعم الفلسفة والفلاسفة ، ومنحى يسعى إلى تدميرها وتكفير أصحابها وشن حرب هوجاء ضد المتعاطين إلى أصنافها ، وتحريمها وفقا لمراسيم وقوانين بمباركة دينية .
ما نتج عن هذا الصراع جعل فيلسوفنا يتعرض لمحاكمة مهيأة ومحكمة ، بحيث تألب عليه بعض الأشخاص واتهموه بالكفر والمروق عن الدين والخروج عن الملة ، فنسوا حسناته وركزوا على هفواته وأولوا معانيها وحرفوا أغراضها وقواعدها ، فحاولوا المرة تلو الأخرى إلحاق العقاب به ، فتم لهم الأمر بمحاكمته من طرف الأمير وحصر تهمه في :
-;- الكفر والمروق عن الدين
-;- الإلحاد
-;- مخالفة عقائد المِمنين

ونتاجا لهذه التهم الموجهة لفيلسوفنا حكم عليه بالنفي إلى قرية يهودية لا يسكنها غير اليهود تسمى " أليسانة " وهي إشارة من اعداءه إلى أنه لا أصل له في بلاد الأندلس ولا علاقة له بالملة والإسلام.
تتعدد إذن أسباب محاكمة ابن رشد بين ما هو سياسي وما هو ديني ، فهناك من أرجعها إلى صراع خفي بين ابن رشد والأمير ، وهناك من حصرها في أعداء ابن رشد الذين كانوا يتربصون به من كل جانب وخاصة رجال الدين وخدام البلاط ، ومهما كانت الأسباب فمحنة ابن رشد كانت من نوع خاص فهي محاكمة للفكر واستخدام العقل بسلاح الدين والعقائد ، وقد قال عنها ابن رشد واصفا وقعها :" أعظم ما طرأ علي في النكبة أني دخلت أنا وولدي عبد الله مسجدا بقرطبة وقد حانت صلاة العصر ، فثار لنا بعض سفلة العامة فأخرجونا منه "
وبعد هذه النكبة والمحنة في الوقت ذاته تم الهجوم وبشكل عدائي على كل من له صلة بالفلسفة ، فأحرقت كتب ابن رشد واستمرت المحنة التي هي محنة عقل سمي فيما بعد بالعقل العربي ، وما حدث مع ابن رشد لا يثير استغرابنا ، فتاريخ الفلسفة مليء بأحداث ووقائع مشابهة.



إبن عبد الله المراكشي ، الذيل والتكملة ، السفر السادس ، تحقيق إحسان عباس ، بيروت ، دار الثقافة ، 1973 ، ص : 25








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يرحب بالتزام الصين -بالامتناع عن بيع أسلحة- لروسيا •


.. متجاهلا تحذيرات من -حمام دم-.. نتنياهو يخطو نحو اجتياح رفح ب




.. حماس توافق على المقترح المصري القطري لوقف إطلاق النار | #عاج


.. بعد رفح -وين نروح؟- كيف بدنا نعيش.. النازحون يتساءلون




.. فرحة عارمة في غزة بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة | #عاجل